بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أحبابي الكرام:
منذ كم لم تدمع عيناك من خشية الله؟ منذ كم لم تشعر بِغُصَّةِ التفريط في حق مولاك ففاضت عيناك من الدمع. خوفا من ربك أو شوقا إليه. إنه سؤال يفرض نفسه في ظل القحط. قحط العيون. وقسوة القلوب .وانشغالها بالحُطامِ الفَاني. وتَعَلُّقِهَا باللُّعَاعة. وهبوط الهمم إلى دركات الوهم والصراع على المال والمناصب والمآكل والمشارب. لماذا نسمع الآيات ونرى المَثُلاتِ ماثِلات. فلا تتحرك قلوبنا. ولا تسيل بالدمع أعيننا.
نسمع القرءان الذي لو أنزل على جبل لخشع ولتصدع من خشية الله. فلا تستشعر قلوبنا عظمته. ولا تحركها بيناته. مع أنه هو نفس القرءان الذي كان يتلى على السابقين من هذه الأمة فيبكون ويتضرعون وتكاد قلوبهم تتفطر من عظيم مواعظه. بل إن منهم من مات تأثرا من سماع آية صادفت قلبه خليا من تعلقات الدنيا. حتى إن الإمام الثعالبي رحمه الله كتب رسالة لطيفة أسماها قتلى القرآن. وذكر فيها عددا من السلف الذين ماتوا عند سماع آية من كتاب الله عز وجل. فما لقلوبنا قست؟ ومالأعيننا جفت؟ ومالآذاننا صمت؟ ماالذي شغلنا عن الله؟ ماالذي صرفنا عن ربنا الكريم؟
إنها مصيبة عظيمة أن تصل قلوبنا إلى هذه الدرجة من القسوة. إي وربي إنها مصيبة عظيمة ورزية جسيمة. وإذا كان هناك أمر يستحق البكاء. فهو البكاء من عدم البكاء. فقد قال ربنا (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) أصبحنا نهتم بالمظاهر ونركز على الظاهر. ولا نبالي بخراب الباطن. ليس غريبا مانعانيه من جفاف الأعين. في ظل انشغالنا بالمباريات. وتتبعنا للمسلسلات مدبلجها وغير المدبلج. و تَلَقُّفِنا لأخبار من يسمون بالنجوم. نجوم الوهم المردي. إننا ضحايا أنفسنا .وسبي عدونا. وقتلى صدودنا. وأُسَارَى شهواتنا . ولا تزيدنا الأيام إلا بعدا عن الله. فلا حول ولا قوة الا بالله. لا حول ولا قوة الا بالله. لقد غدا الواحد منا يتحسس قلبه بين جنبيه. هل مازالت فيه بقية حياة أو قابلية نجاة. فحينا نجده وأحيانا يغيب. كأننا في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب. موج الشبهات على موج الشهوات. وكلها ظلمات بعضها فوق بعض. وإلى الله المشتكى.
أدركوا قلوبكم عباد الله والأمر لي ولكم. أدركوها فإِنَّ سُرَّاقَ القلوب وقُطَّاعَ طريقِ الله قَدْ قَعَدُوا لنا كُلَّ مَرْصَد . لا يألوننا خبالا. استرجعوا قلوبكم. ولا تدعوها نهبا لعُبَّاد الشهوات. فنحن بدون قلوب حية لا نساوي شيئا في ميزان الاعتبار. وإن فترة البعد كلما طالت استعصى الرجوع. فقد قال ربنا في سورة الحديد الذي أصبحت قلوبنا أشبه ماتكون به (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ومانزل من الحق. ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون)، لنتدارك قلوبنا فإن الأمل قائم. فقد قال ربنا بعد هذه الآية مباشرة (اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها).
لقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد الأولين والآخرين يبكي حتى يُسْمَعَ لِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كأزيز المرجل. والصديق أبو بكر رضي الله عنه كان رجلا أسيفا بكاءا. وهذا الفاروق رضي الله عنه قد رسمت الدموع على وجهه خطين أسودين من كثرة البكاء. وكذا الحيي عثمان رضي الله عنه. والصهر الولي علي رضي الله عنه. والصحب الكرام. والذين اتبعوهم بإحسان.
فما الذي أصابنا حتى تغيرت وجهة قلوبنا نحو الدنيا وفتنها ولهوها وسرابها. إنه لن يحيي قلوبنا إلا وصل دائم بكتاب الله. تسبقه توبة نصوح قاطعة للصلة بالآثام. مع تحري أكل الحلال. لأن أكل الحرام من أعظم مايقسي القلوب ويجعلها متحجرة. ومن لم يتحرك قلبه عند تلاوة القرآن فليبحث عن قلب فإنه لاقلب له. ويرحم الله سيدنا الإمام الشاطبي رحمه الله يوم يقول: ولو أن عينا ساعـدت لَتَوَكَّفَـتْ#سَحَائِـبُها بالدَّمْـعِ دِيـماً وهُـطَّلاَ ولكنها عن قسوة القلب قحطها#فَيَاضََيْعَةَ الأَعْمارِ تَمْشِي سَبَهْلَلَا
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.