ومضات على خطى رمضان
هوية بريس – أنس هيباوي
أخي الحبيب، ها هي ذي النفحات الربانية بدأت تملأ الوجود جالبة معها ألوانا زاهية من البشائر والمسرات معلنة بذلك حلول ضيف كريم عزيز على قلوبنا ولسان حالنا يقول اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان و السلامة و الإسلام .إنه رمضان هذا الزائر خفيف المُقام قد عاد مرة أخرى بعد أحد عشر شهرا من الغياب ليعلن عن مرحلة جديدة من مشوار الحياة التي لابد لنا فيها من وقفة تأمل في حصيلتها و مراجعة لأهم أحداثها و أحوالها.
أيها الغالي لقد أكرمك الله و أنعم عليك لمّا جعلك من الذين بلّغهم رمضان فطوبى لمن أرى ربه في هذا الشهر الكريم ما يحب و يرضى ، ألا إن أبواب الجنان قد فتحت و أبواب النيران قد أوصدت ألا فالبِدار البدار إلى التوبة و الندم على ما فات. أخي الفاضل لو قُدّر وأزحت التراب عن أحد الموتى ثم سألته ماذا لو أعاد الله له الحياة في هذا الشهر ماذا كان سيفعل ؟ لأجابك بشغف و حسرة شديدين أنه سيُقبل على الله بكل أصناف الطاعات والقربات ويُدبِر على ضدّها لعله ينال رضى ربه، لكن هيهات هيهات فقد غره طول الأمل حتى أدركه الأجل، و لذلك أريدك أيها اللبيب أن تضع نفسك مكان هؤلاء الناس الذين ماتوا و قد ودّعوا موسم الخيرات هذا بتحسر و أسى بالغين، إياك ثم إياك أن تجعل من أيام رمضان كغيرها من الأيام، اسمع جعلني الله و إياك من الذين صاموه و قاموه إيمانا و احتسابا اجعل من هذه الأيام المعدودة أفضل أيام حياتك و أعظمها قدراً و اهتماما و قد حق لها أن تكون كذلك، اعلم رعاك الله أن استثمارك لهذه الفترة الوجيزة سيربحك إن شاء الله ما لا يخطر لك على بال من خيري الدنيا و الآخرة فاجعلها إذن محطة فارقة بين ما قبلها و ما بعدها كي ترتقي بنفسك و روحك معا نحو العوالم الربانية . دعني أخبرك أن الرعيل الأول من سلفنا الصالح كانوا يعلمون حقا و صدقا ماذا يعني رمضان لأنهم كانوا يُعدون له العدة طيلة ستة أشهر و هم متطلعون بشوق متى يحل موسم الرحمات هذا، فتجدهم يرفعون حالة التأهب بمجرد دخول شهر شعبان، أما في رمضان فلا شيء يمكنه أن يحول بينهم و بينه بحيث أنهم كانوا يؤجلون كل أشغالهم الدنيوية إلى ما بعده فيشمرون على سواعدهم بالتفرغ لما هو أهم من صلاة و صيام و صدقة و تلاوة للقرآن و ذِكر و دعاء و صلة للأرحام و هلم جرا فأبواب الخير لا حصر لها و ذلك لأنهم يعلمون أن أيامه محسوبة و بالتالي يهتبلون هذه الفرصة الغالية و يغتنموها أيما اغتنام فلربما لا يدركونها في العام التالي، ثم إذا انقضى رمضان و انتهى بكوا على فراقه و انتحبوا لرحيله و لكنهم يستمرون بفضل رصيد الإيمان الذي حصّلوه فيه على ما كانوا عليه من علو في الهمة و ثبات على الصلاح طيلة ستة أشهر التي تعقبه راجين الله أن يتقبل منهم ما قدموا، هكذا كان حال أولئك الرجال مع شهر الغفران، فماذا عنا نحن؟ ربما الظروف اليوم مواتية بشكل كبير أكثر من زمنهم على التزود من رمضان، و لذلك لم يبقى لنا عذر في التقاعس عن بذل أسباب جلب رحمة الله و عفوه و دفع غضبه و مقته.
رسالتي إليك أيها اللاهي بأهواء نفسه أفق من الغفلة و تدارك نفسك ، احزم أمتعتك فلقد حان وقت السفر و التنزه في هذه الرحلة الإيمانية مع عباد الرحمان أولئك الذين يطلبون شآبيب الرحمة و الغفران من رب حليم غير غضبان فهذه فرصتك يا صاحبي لتتصالح مع ربك و تبدأ صفحة بيضاء ترسم فيها كل ما هو جميل ، صدقني إن قلت لك أن ذلك الإحساس المرهف الذي ستشعر به عند إقبالك على الله لهو أعذب من الماء الزلال عند اشتداد العطش فأنت تتعامل مع الكريم الذي يحسن إكرام عباده و يُجزِل لهم الثواب.
أخي الحبيب, إن أبواب السماوات قد باتت مشرعة على مصراعيها تنادي على لسان الغفار: هل من سائل فأعطيه ؟ هل من تائب فأتوب عليه؟! إنه ذلك النداء النوراني الخالد الذي تخفق له القلوب فرحا و تهيم به الأرواح شوقا و كلها أمل في التحرر من درن العبودية الهوجاء و الإنفكاك من طموحات الهوى الخسيسة التي تورث البؤس و الأسى في كل زاوية من زوايا الفؤاد، نعم لقد جاء الفرج من صاحب الفرج فتخيل معي حفظك الله كيف أن ملك الملوك يدعوك أيها العبد الضعيف المغلوب على أمره إلى مائدة عفوه و كرمه و فضله و قد كنت تبارزه بشتى أنواع العصيان و التمرد، و لكنه رحمة بك فتح لك باب عفوه الفسيح لكي يسامحك فإن قبلت أغرقك في نعمه و صانك بحفظه بل و يباهي بك عند أهل السماء أن يا ملائكتي هذا عبدي قد اعتصم بحبلي المتين و اتبع صراطي المستقيم ، أشهدكم أني قد غفرت له، فأنْعِم به من مقام قد منحك الوهاب إياه فماذا أنت صانع إذاً!؟
أخي, دعني أهمس في أذنيك هذه الكلمات اللطيفة المخضبة بكل الود و الحب عساها تجد أذانا صاغية أو صدرا رحبا لعلها تسكن آلامه، و تطهر الصدأ الذي في قلبك … فتكون لك بإذن الله انطلاقة مشرقة, فهيا بنا لننضم إلى ركب قوافل الريان و ليكن شعارك يا باغي الخير أقبل.