وهبي الســلفي!

05 يناير 2025 13:24

هوية بريس – نبيل غزال

النقاش حول المستجدات المرتبطة بمدونة الأسرة والقانون الجنائي أعادا إلى الواجهة مرة أخرى الحديث عن ضوابط الحرية وتعريفها، خاصة لدى وزير العدل والحريات، عبد اللطيف وهبي، الذي شدد في آخر ظهور إعلامي له أكثر من مرة على ضرورة التوافق على تعريف واضح وصريح لمفهوم الحرية، مستدلا في هذا السياق بالنموذج السعودي والإماراتي وبعض دول الخليج؛ التي تتشدَّد في عقاب من يخلُّ بحرية التعبير ويتجاوَز بها الحدَّ المطلوب.

وفي هذا الصدد؛ صُدم عدد من المتابعين جراء استدلال “الرفيق وهبي” بقوانين دول الخليج لمحاصرة حرية التعبير، وذلك بالنظر لموقف وسجل المنتمين لهذا التيار من دول الخليج ودول البترودولار عموما، والتي كانوا، وإلى الأمس القريب، يصفونها وأنظمتها بالرجعية والتخلف، والنكوص الحقوقي والإنساني.

منطق وزير العدل اليوم لم يعد هو منطق وهبي بالأمس، والذي كان يرفَع إبَّانه السقف عاليا، ويدافع من داخل قبة البرلمان عن المؤثرين ورواد العالم الأزرق والأخضر وغيرهما.. ويطالب بقوة وصوت عال وأوداج منتفخة من الحكومة بالإنصات لصوت الفيسبوك ويندد بنعت المحتجين بـ”المداويخ”.

صوت الفيسبوك لم يعد يعني لوزير العدل اليوم شيئا، سواء ندَّدَ مؤثروه بتعديلات المدونة والقانون الجنائي، أو رفضوا مطالبه حول الحريات الفردية و”شهادة الشيطان” وقذف أعراض المغاربة والمغربيات (أجيو نديرو الـ ADN.. كلما تزاد شي دري نقلبو على بَّاه.. يبقى المغربي غادي وتابعو 20 دري!!!).

وهبي الوزير ليس هو وهبي المحامي والبرلماني والمناضل السياسي، فبعد أن جلس على كرسيه الفاخر بمقر الوزارة بالرباط بات يؤمن بيقين أن القانون وحده يحقق “الردع العام”! وأن اعتقال شخصين وإدانتهما بـ5 سنوات سجنا لكل واحد منهما كفيل بإعطاء العبرة لكل من تسول له نفسه تجاوز حدود حرية التعبير، ولتبرير قناعاته ومواقفه الجديدة صار الوزير الحداثي يعلن بلسان شرعي صرف بأن “الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”! هذا مع الإشارة إلى أن كل ما يهدد به الوزير لا يدخل في دائرة مهامه ولا مجال اختصاصه.

على أي؛ فالوزير المنحدر من الطليعة والبام، ورغم نزوعاته “السلفية”، وسعيه للإقناع بالقوانين التي يبشر بها انطلاقا من المرجعية الإسلامية، وانتدابه أيضا لمستشار متحول من السلفية الجهادية، لازالت لديه قناعاته الليبرالية التي يسعى جاهدا لتنزيلها، لكنه وعلى الرغم من ذلك بات أكثر حدة ورفضا للأصوات التي تنتقده وإن كانت من الطائفة الحداثية.

لقد أثبتت الوقائع والأحداث والشواهد العينية أن الكرسي والسياسة يغيران في الفاعل السياسي ما لم يغيره سواهما، فيحولان الليبرالي إلى كائن محافظ ومقيّد للحريات، والمحافظ إلى حداثي مؤمن بالنزعة الفردية والتعددية وإن بلغت أبعد الحدود..

وأنا على يقين أن “وهبي المعارضة” لو ترافع في البرلمان ضد “وهبي وزير العدل” لقال فيه ما لم يقله مالك في الخمر، ولأزبد وأرعد وحرَّض ضده بكل ما يمكنك أن تتصوره من الكلمات والعبارات.. لكن ما عسانا نفعل إنها لعبة الأغلبية والمعارضة في النظام الديمقراطي!

ولعل موقف وهبي هذا يذكرنا بما عابه “علي حرب” من تلون رفاقه وتغيرهم بعد تولي السلطة، فكتب متدمرا ومتحسرا في “أوهام النخبة” و”الممنوع والممتنع”: (طالبوا بالحرية ليمارسوا الاستبداد، ويتعاملون مع العلمانية بعقلية لاهوتية، ومارسوا العقلانية بصورة خرافية، وتحول العلمانيون إلى مجرد باعة أوهام، فكم من مطالب بالحرية يتعاطى مع هذا الشعار بصورة إمبريالية، وكم من ساع إلى تحقيق العقلانية يجعلنا نترحم على السلفية).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M