ويحمان يدخل على خط “فضيحة” اختبارات الأئمة والمؤذنين!
هوية بريس – عبد الله التازي
تحت عنوان “الفضيحة .. والجوهري في معناها”، كتب الدكتور أحمد ويحمان، باحث في علم الاجتماع، مقالا حول “استقالة/إقالة” المسؤول الإقليمي عن الشؤون الإسلامية بخنيفرة، إدريس الإدريسي، بعد حديثه أمام الرأي العام عن تزوير اختبارات الأئمة والمؤذنين في خنيفرة.
وقال الدكتور ويحمان ” شهدت مدينة خنيفرة المغربية مؤخرًا حادثة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الدينية والإعلامية، وهي تزوير نتائج اختبارات الأئمة والمؤذنين. هذه القضية التي كشفت عن خروقات في عملية اختيار المرشحين أثارت تساؤلات حول نزاهة المؤسسات المعنية بتدبير الشأن الديني، وهو ما دفع السيد إدريس الإدريسي، المسؤول الإقليمي عن الشؤون الإسلامية بخنيفرة، إلى تقديم استقالته كما يقول أو إقالته كما يقول مبعوثي المجلس العلمي الأعلى في لجنة التحقيق التي شكلها للتحري والبحث في الموضوع”.
وتساءل ويحمان “ما هي القصة بالضبط ؟ وما هي الخلفيات والمعاني فيها، ليس على المستوى المحلي بمدينة خنيفرة وحسب وإنما على المستوى الوطني ككل؟”.
وعن ملابسات القضية، قال ذات المتحدث ” اعتبارا للمصادر التي نقلت الخبر، تم الكشف عن تزوير في نتائج الاختبارات التي تجرى لاختيار الأئمة والمؤذنين المكلفين بخدمة بيوت الله. هذه العملية، التي يُفترض أن تُدار بأقصى درجات النزاهة والشفافية اعتبارا لطبيعة هذه المؤسسات والمهام المنوطة بها، غير أنها يتم استغلالها من قبل أطراف يشتبه في تورطها لتحقيق مصالح شخصية أو لتمرير أسماء بعينها على أسس الزبونية والمحاباة وليس على معايير الاستحقاق”.
وأضاف ” الأمر هنا لا يتعلق فقط بالإخلال بميثاق الأمانة والامتثال للقوانين والأنظمة المؤطرة للمجال، بل يمتد ليهدد مصداقية المؤسسات الدينية التي تعد أحد أعمدة الاستقرار الروحي والاجتماعي في المغرب”.
وأردف المقال ” في سياق هذه التطورات، قدم وأعلن السيد إدريس الإدريسي، المسؤول الإقليمي عن تدبير الشؤون الإسلامية بخنيفرة، استقالته من منصبه، وهو ما أثار العديد من التكهنات حول ما إذا كانت بسبب ضغوطات من جهات ما؟ أم إنها شعور بالمسؤولية إزاء ما حصل ؟ وهذا ما تضيع فيه الحقيقة بين ادعاء لجنة تحقيق الوطنية للمجلس العلمي بإقالته وبين تأكيد المسؤول الإقليمي في بيانين له بأنه هو الذي قدم استقالته احتجاجا على هذا الانحراف الديني والقانوني والأخلاقي”.
وشدد الباحث الاجتماعي المغربي أن للقضية أبعادا لا يمكن القفز عليها، منها البعد الأخلاقي والديني، حيث ” يعد تزوير نتائج اختبارات الأئمة والمؤذنين خرقًا صارخًا للقيم الإسلامية التي تضع النزاهة والأمانة في صلبها، إذ كيف يمكن لأئمة وصلوا بطرق ملتوية أن يُوجهوا المصلين وهم أنفسهم لم يلتزموا بالقيم الدينية في الوصول إلى مناصبهم؟”.
إلى جانب البعد الإداري والقانوني، فهذه القضية، حسب الدكتور ويحمان ” تسلط الضوء على ثغرات في منظومة تدبير الشؤون الدينية بالمغرب. وتطرح مسالة الرقابة الكافية على العمليات الإدارية ومدى الانضباط للنصوص القانونية المنظمة للحقل الديني . ويتضاعف القلق واهتزاز الثقة عندما تشوب الشوائب حتى التحقيقات التي يتم فتحها لمعالجة المشاكل ومحاسبة المتورطين فتصبح هي نفسها محط شبهات بشأن انعدام نزاهتها وتواطئها في التستر على الفساد !!”.
فضلا عن البعد المجتمعي، فـ” خيانة الأمانة في مجال حساس كالشؤون الدينية يؤدي – كما اسلفنا – إلى تآكل الثقة بين المواطنين والمؤسسات؛ فالأئمة والقيمون الدينيون والمؤذنون ليسوا فقط موظفون مكلفون بمهام، وإنما هم، على نحو ما، قادة روحيون، بل إنهم، بأعين عموم الناس، يُعتبرون رموزًا أخلاقية في المجتمع”.
وخلص الدكتور ويحمان إلى أنه ” يمكن اعتبار استقالة إدريس الإدريسي فرصة أخرى لالتقاط الخيط حيث يجب التوجه نحو إصلاح حقل كله ألغام تزيد مخططات أجنية خطيرة في تفخيخه يوما عن يوم؛ ففي هذه القضية، ينبغي عدم إظهار أي تساهل بفتح تحقيق شفاف شامل ومستقل لكشف ملابسات التزوير ومحاسبة كل المتورطين وبصرامة، سواء في تزوير الاختبارات، إذا حصل أو في تستر لجنة التحقيق على المتورطين، إذا حصل.. وإلا بمحاسبة إدريس الإدريسي إذا ثبت أنه مجرد مدعي”.
ونبه الباحث المغربي إلى أن ” الأمر لا يقتصر على إقليم خنيفرة، وإنما الأمر يهم كل الوطن المطالب بإصلاح إداري شامل، ليس في مجال الاوقاف والشؤون الإسلامية وحسب، وإنما لمراجعة آليات الاختيار في كل الاختبارات على أسس الكفاءة والاستحقاق والشفافية وبشكل نزيه، وليس على أسس الزبونية والاستزلام والمحاباة”.
وختم الدكتور أحمد ويحمان مقاله بالتأكيد على أن ” قضية تزوير اختبارات الأئمة والمؤذنين بخنيفرة واستقالة/ إقالة إدريس الإدريسي ليست حادثة عابرة، بل إنها تمثل جرس إنذار آخر عن استشراء مظاهر الفساد وجب تدارك اختلالاته قبل أن تستعصي وتستحيل معالجتها إلى المستحيل .. ويكون قد فات الأوان. وعندما يزحف الفساد إلى بيوت الله من أساساته، وقد سبق، في كلمات عديدة أن أثرنا وتحدثنا عن سوابق في هذا الصدد بهذا المجال، فإن من حق المغاربة أن يقلقوا فعلاً.
ورحم الله الشاعر سفيان الثوري عندما تنهد و زفر زفرته قائلا:
يا رجال العلم يا ملح البلد // من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟! “.