ويكيليكس ترسم صورة لدوافع الإمارات لحصار قطر
هوية بريس – الجزيرة
رسمت سلسلة برقيات نشرها موقع ويكيليكس صورة عن دوافع الإمارات لحصار قطر من خلال سلسلة من التحذيرات للمسؤولين الأميركيين حرضتهم فيها ضد دولة قطر وقناة الجزيرة، حتى قبل فرض الحصار على الدوحة بوقت طويل.
وقال الكاتب أندرو شابيل -في تقرير لشبكة الجزيرة- إن تحذيرات الإمارات تلك لم تكن نابعة من دوافع أمنية فحسب.
وأوضح أن اللغة التي استخدمتها الدول العربية الأربع التي تفرض حصارا على قطر (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) تتسق مع التصريحات المنسوبة لولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، كما كشفت عنها البرقيات التي سربها ويكيليكس بين عامي 2010 و2011.
وتدل تلك البرقيات على أن الإمارات طالما كانت هي القوة الدافعة وراء حملة القمع ضد جماعة الإخوان المسلمين.
وتضمنت البرقيات المسربة -بحسب الكاتب- تصريحات لمحمد بن زايد عن مسائل لم يتناولها في العلن لكنها تنم عن الدينامية السياسية المتغيرة في منطقة الخليج.
وتوحي اللغة المنسوبة لولي عهد أبو ظبي في تلك البرقيات بأن دوافع الإمارات من الحصار لم تكن نابعة كلها من هواجس أمنية تجاه قطر، بل رغبة في قمع المعارضة في بلده أيضا.
ومن المفارقات أن بن زايد لم يدلِ حتى الآن بأي تصريح علني عن الأزمة الخليجية الراهنة، تاركا لشقيقه وزير الخارجية عبد الله -وغيره ممن ينوب عنه- التحدث باسم الحكومة.
ومنذ أن أصبح بن زايد الحاكم الفعلي بعد إصابة رئيس البلاد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بنوبة قلبية عام 2014، باتت الإمارات ضمن أكبر خمس دول مستوردة للسلاح.
إسبارطة الصغيرة
ووفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن الإمارات هي ثاني أكبر مشترٍ للسلاح الأميركي في الشرق الأوسط بعد السعودية، حتى أن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس أطلق عليها لقب “إسبارطة الصغيرة” في إشارة إلى المدينة اليونانية التي اشتُهرت بنزعتها العسكرية المهيمنة.
فالإمارات التي بالكاد يتجاوز عدد مواطنيها المليون نسمة أضحت القوة العسكرية الإقليمية الجديدة بنشرها قواتها للقتال في أفغانستان واليمن، وشنها المزعوم لغارات في ليبيا، وإقامتها قواعد عسكرية في جمهورية أرض الصومال وإريتريا، وأخيرا احتلالها لجزيرة سقطرى اليمنية قبالة القرن الأفريقي (قبل أن تُجبر على الانسحاب منها).
ومضى الكاتب إلى القول إن الإمارات في ظل حكم بن زايد أضحت حليفا رئيسيا للولايات المتحدة، وتكهن بأن دعمها لها سيكون محوريا في أي مواجهة عسكرية مع إيران.
ففي إحدى البرقيات المسربة -والتي يعود تاريخها إلى فبراير 2009- وعد بن زايد المسؤولين الأميركيين قائلا “بمجرد أن يطلق الإيرانيون صواريخهم سنلاحقهم ونقتلهم”.
ومع أن إيران ظلت الهاجس الأمني الأبرز لبن زايد حتى قبل ثورات الربيع العربي بوقت طويل، فإن اهتمامه وإخوانه انصب على “عدو لدود” آخر هو جماعة الإخوان المسلمين، حسبما جاء في البرقيات المسربة.
ونقل الكاتب في تقريره -عن كورتني فرير مؤلفة كتاب “الإسلام الريعي.. تأثير الإخوان المسلمين في المَلَكِيَّات الخليجية”- أن الأنظمة الملكية والحكومات شبه الديمقراطية في المنطقة ظلت تنظر إلى مطالبات الجماعة بالسماح بالنشاط السياسي والشرعية الانتخابية على أنها تهديد لها منذ أن اكتسبت نفوذا عبر صناديق الاقتراع.
وقالت المؤلفة إن “البرقيات تعكس إلى أي مدى خلط بن زايد بين الجماعات الراديكالية العنيفة والحركات السياسية المعتدلة كالإخوان المسلمين”.
وفي إحدى البرقيات المسربة والمؤرخة في فبراير 2009، ذكر دبلوماسيون أميركيون أن بن زايد يرى “بوضوح شديد” أن “التأثير الإيراني على جماعة الإخوان المسلمين بمثابة وسيلة لتحريض الجماهير العربية ودمغ قادة المجتمع العربي التقليديين بأنهم عاجزون”.
ونقلت إحدى برقيات عام 2007 عن ولي عهد أبو ظبي قوله “الحمد لله على وجود حسني مبارك” وتوقعاته بأن الإخوان المسلمين سيفوزون بأي انتخابات تُجرى في مصر.
وبدأت الإمارات استهداف المتعاطفين مع جماعة الإخوان أوائل تسعينيات القرن الماضي بعد أن تولى بن زايد مسؤولية جهاز الأمن عقب تعيينه رئيسا لهيئة أركان القوات المسلحة عام 1993.
وامتدت مصيدة الاستهداف لتشمل الحركات الاجتماعية غير العنيفة التي كانت سلطات الإمارات تلاحقها في الماضي، لا سيما حركة الإصلاح التي كان يُنظر إليها على أنها تشكل تهديدا سياسيا ووجوديا لارتباطها من الناحية العقائدية مع جماعة الإخوان.
العداء للجزيرة
وفي برقية أخرى تعود إلى نوفمبر 2004، أفاد مسؤولون أميركيون أن ولي عهد أبو ظبي قال إنه اكتشف وجود عناصر من الإخوان المسلمين بالجيش، وبيَّن لهم كيف أنه أخضعهم لعملية غسل دماغ.
وقال بن زايد لهم ممازحا في برقية في يوليوز 2005 “استخدمنا مكنسة” لتنظيف الإمارات منهم (الإخوان المسلمين).
وطبقا لبرقيات مسربة، فإن بن زايد هاجم قناة الجزيرة بسبب ما وصفه بتأثيرها السلبي على الرأي العام العربي عقب الغزو الأميركي للعراق.
وحرَّض ولي عهد أبو ظبي الولايات المتحدة على قصف مقر شبكة الجزيرة الإعلامية بالدوحة، على الرغم من أن ذلك قد يكون من قبيل المزاح الثقيل.
وبحلول عام 2009، بات بن زايد أكثر ارتياباً تجاه قناة الجزيرة وقطر حتى أنه استخدم ألفاظا قاسية بشأنهما في لقائه مع السفير الأميركي (آنذاك) ريتشارد أولسن، والوفد المرافق له. وطلب منهم عدم تسجيل ملاحظات.
وفي برقية تعود إلى فبراير 2009، اعتقد بن زايد أن قطر غدرت بمجلس التعاون الخليجي عندما عرضت مبادرات دبلوماسية على إيران، قائلا إن الدوحة “جزء من الإخوان المسلمين” وهما تهمتان رئيسيتان وردت بقائمة التهم الموجهة ضد الدوحة في إطار الأزمة الخليجية الراهنة.
وكشفت بعض البرقيات المسربة أن مشكلة بن زايد مع الجزيرة ذات طابع شخصي، فهو يعتقد أن القناة كان لها تأثير سلبي على أسرته.
وتحدث ولي عهد أبو ظبي في ثلاثة اجتماعات على الأقل -خُصصت لمناقشة التطورات في حربيْ أفغانستان والعراق- عن قصة ابنه مع قناة الجزيرة.
وورد بإحدى البرقيات في أبريل 2004، أنه وصف ابنه بأنه “ذكي وطالب متفوق لكنه بات في الآونة الأخيرة يعبر عن آراء معادية للغرب”. غير أن بن زايد يعتقد أن تلك الأفكار نتاج مشاهدته قناة الجزيرة لأوقات طويلة.
ومضى بن زايد في هذا الصدد إلى القول “إذا كانت الجزيرة تستطيع التأثير على حفيد زعيم معتدل كالشيخ زايد بهذه الطريقة، فتخيلوا ما يمكن أن تفعله مع غير المتعلمين أو مع من ينتمون للطبقات الدنيا”.