يحيى السنوار.. الوجه الوطني لإسلاميي فلسطين!

04 يونيو 2024 16:52

هوية بريس- محمد زاوي

يتحدث الإعلام منذ السابع من أكتوبر (2023) عن يحيى السنوار، مسؤول حركة “حماس” في قطاع غزة، باعتباره أبرز شخصية تعرفها فلسطين بعد القادة الكبار الأوائل، الذين هم: ياسر عرفات، جورج حبش، وأحمد ياسين. وقد لقبه الإعلام أيضا ب”مهندس 7 أكتوبر” والمشرف على الإعداد والتخطيط لها استراتيجيا وتكتيكيا، نظرا لما يتميز به من مؤهلات سياسية وعسكرية بارزة.

وتجمع التقارير الإعلامية على صفات أخرى يمتلكها السنوار، لعل من أبرزها: الصرامة والمغامرة. كما تحدثت تقارير أخرى عن “مكر السنوار”، وقدرته على المناورة والتحايل في الحرب والسلم. لكل سياسي محترف قدر من هذه الصفات، فما بالك بالسنوار الذي يتحرك في جبهات متعددة: الجماعة وخطابها، الوحدة الوطنية ومتطلباتها وإكراهاتها، معاش شعب غزة وقوته اليومي، الوطن العربي والإسلامي وتعدد رهانات دوله ومصالحها، المقاومات وأجنداتها، تربص الكيان الصهيوني وخططه وتناقضاته الداخلية وعلاقاته الخارجية، دول الجوار ومصالحها والحاجة إليها، حدود الحركة ومدى معركتها.. الخ.

هناك إشارات أخرى إلى خبرة السنوار بالعقل “الإسرائيلي”، نتيجة إتقانه للعبرية واطلاعه الواسع على الصحف والكتابات “الإسرائيلية” زمن الأسر. وهو ما تم التركيز عليه بعد عملية “طوفان الأقصى” التي توالت التصريحات بنوعيتها، ناهيك عن إسقاطها لمقولات من قبيل “الجيش الذي لا يُقهَر” أو “عبقرية المخابرات الإسرائيلية”.. فكيف لهذه الأجهزة أن تُخدع من قبل السنوار؟! هكذا يقول جزء من الإعلام العربي وغير العربي.

البعد الغائب عن هذا النقاش هو وطنية السنوار، وما أفضت إليه من مراجعاتٍ ميدانية في العلاقة بالجيش المصري، واستئنافٍ للحوار الوطني الفلسطيني-الفلسطيني، وتصحيحٍ للعلاقة مع الحلفاء (أيران، وسوريا، و”حزب الله”)، واختلافٍ في وجهات النظر داخل “حماس” (امتناع محمود الزهار برمزيته “الإخوانية” عن التصويت له)، وإرباكٍ لإرادات توظيف الحركة من هذه الجهة أو من تلك. هذا البعد الوطني في شخصية يحيى السنوار، هو ربما ما أكسبه شعبية كبيرة في غزة والضفة الغربية. فقد كاد السنوار (شعبيته في غزة: 52 بالمئة/ الضفة: 81) أن يتجاوز شعبية حركته في عموم فلسطين (غزة: 54/ الضفة 81)، وقد تجاوز فعلا شعبية رئيسها إسماعيل هنية (غزة: 43/ الضفة: 57). وذلك حسب استطلاع أعده “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية” (دجنبر 2023).

وقد بدا هذا البعد الوطني واضحا في خطاب يحيى السنوار عقب عملية “سيف القدس” (ماي 2021)، إذ وجه التحية لياسر عرفات مخاطبا إياه بالقول: “نَم قرير العين يا أبا عمار، فقد قضيتَ وأنت تبحث عن سبل تعزيز قدرات شعبك العسكرية.. نم قرير العين أيها الشهيد مع باقي الشهداء، فها هم أبناؤك اليوم من “كتائب القسام” يمتلكون مئات الصواريخ”.. وهذا كلام يجب قراءته ليس بعيدا عن سرديات “الخيانة والانهزام” التي ردّدتها فئات واسعة عربية وإسلامية، واجهت بها قائدا صمد أكثر من عشرين سنة خارج وطنه، باحثا عن سبل التحرير، متربصا ينتظر ساعة الحسم في ملاجئ شتى.. هذا كلام يجب الإصغاء إليه جيدا، عندما يصرّح به قائد إسلامي تخلقت حركته في أحشاء “الإخوان المسلمين”.

هناك من يتحدث عن أساليب خاصة يعامل بها يحيى السنوار قيادات الحركة في قطر، في إشارة إلى المفارقة بين رأي في الدوحة وآخر في ميادين غزة. يحرص السنوار على احترام مرجعية الميدان، مهما كانت رهانات الفاعل السياسي المفاوِض. يُقبِل أو يُدبِر حسب ما يفرضه إيقاع المعركة، وإن اقتضى الحال الضغط بتعليق اتصاله بقيادة الحركة في الدوحة لأيام معدودات. له في الحركة عيون، داخل فلسطين وخارجها. يتواصل ويرسل الرسائل والسفراء، له أساليب خاصة يتجاوز بها إرادات سياسية لا تخدم معركته. هكذا تقول تقارير إعلامية. إنها قدرة سياسية يَحُول بها السنوار دون تبديد نجاعة في الميدان بسوء تقدير في السياسة.

السنوار قاصد في علاقته بالإيرانيين وحلفهم، واضح في هذه العلاقة، براغماتي بمنطق “هذه بتلك”.. واقعيته أهلته لإخراج الحركة من دائرة الشبهات عقب “تورط بعض قياداتها في أجندة الربيع”، ليس في علاقة “حماس” بالإيرانيين وحدهم، بل في علاقتها بالمصريين ومخابراتهم العسكرية أيضا.. إنها مسافة موضوعية يتخذها السنوار من كافة القوى الإقليمية، فأكسبته مصداقية لدى جميع الأطراف ونزهته عن التوظيف لصالح هذه الجهة أو تلك. صحيح أن تكوينه سياسي بالأساس، إلا أنه امتلك خبرة وحسّا عسكريين منذ بداياته الأولى. ولذلك يستعصي توظيفه ضد مصلحة وطنه مثل ما يستعصي توظيف القيادات العسكرية ضد مصالح بلدانها.

ليست الهزائم “الإسرائيلية” تعبيرا وحيدا عن التحول الاستراتيجي الذي تعرفه القضية الفلسطينية؛ بل إن قيادة السنوار وبروز أمثاله في المشهد الفلسطيني، ليُعَد انعكاسا لنفس التحول. فبقدر ما يتحرر العالم من القبضة الواحدة، تتحرر القضية الفلسطينية من أجندات التوظيف، فتظهر الرهانات الوطنية أكثر من غيرها، ولكل رهان تاريخي رجاله. السنوار رهان وطني، ليس لحاضر فلسطين فحسب، بل لمستقبلها أيضا!

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M