يوم من دون «الفيسبوك»
هوية بريس – يوسف إغزان
الخميس 11 فبراير 2016
تخيل معي كيف سيمر مثل هكذا يوم، حين تنقطع عن عالم قد عشعشت فيه بعواطفك.
تخيل معي حجم الوقت الذي ادخرته بفعل ذلك، وأنت تمر من (صفحة) صديق إلى أخرى. بين إعجاب تعددت نياته، وتعليق جنت عليك صداع الرأس تبعاته، ومنشور غابت عنك مشاركاته.
أخبرني أيها «الفيسبوكي» كيف تحس وأنت في أحضان أصدقائك الحقيقيين تبادلهم الإعجابات والتعليقات الواقعية، دون أي حدود إلكترونية، أو مصالح مادية.
يكفي أن تطلق ضحكة حب من ملء فمك، تخزن فيها آلاف الكلمات.
أخبرني كيف تحس وأنت تعجب بما قاله أحدهم «مباشرة» وتثني عليه دون الحاجة إلى وضع إعجاب لا يسمن ولا يغني من جوع.
أخبرني كيف تشعر وأنت تبارك لأحدهم إن ازدان فراشه مولودا! أليس ذلك أمتع من أن تنشر في حائطه تبريكات؛ تختزل فيها المشاعر الحقيقية التي ما فتئت تكون بيانات لا تنم إلا عن الكسل والخمول والإدمان..!
وأنت بدون فيسبوك، أخبرني عن حلاوة قراءة الكتاب، تقبله أن لازمك ولم يفارق مضجعك، وأنت جالس بين أفراد عائلتك، مسند ركبتك إلى ركبة جدك الذي أعطاك وقته حين صغرك، أما آن لك أن ترد الدين؟ دعه يحكي عن بطولته وإن كانت خيالا، فإنهم في أمس الحاجة لمن يسمعهم ويصغي إليهم.. بحاجة إلى من ينصت إليهم قبل أن يهبهم بعض الصدقات من المشاعر.
ألا تعلم أن أمك «التي لم تعرف التكنولوجيا بعد»، تحتاج أن تفضفض عليك همومها، وتشكو إليك بعد الله وأبيك حزنها؟
وأبوك الذي علمك الرجولة، وأراك مسلك المروءة حتى لا يفسد لك طعم في الحياة، فتموج بين دور التيه كموج البحر؛ ألا يستحق قبلة على الرأس وكلمة تحن إليه أن جزاك الله عني خيرا يا أبي؟
من ذاك الذي يمنعك أخي وأخيتي، لا شيء يمنعك ذلك.
فبين الفيسبوك والعائلة هاتف أو حاسوب، اضغط على زر الإغلاق وعش الحياة السعيدة.
فغافل من أودع سره غير أبيه وأمه، وجعلها لمن لا ينفعه يوم يصير ماله صفرا، فلا فلانة يا أخي الطيب تنفعك، ولا علان أخيتي الطيبة يسعفك، كل من الواقع المر هارب؛ إلى فضاء أدهى وأمر.
واسمع نصيحتي، فإنها من شاب كابد هذا العالم الأزرق حتى بدا الشيب منه:
خذ نفسا عميقا، استغفر الله وتوكل عليه، تذكر أنك ستترك الفيسبوك 24 ساعة لا أزيد، قبل أن تسجل الخروج تأكد أن لا تكلم أحدا عن قرارك، فإنهم أكثر الناس حرصا على بقائك هناك. قل في قرارة نفسك «أستطيع أن آخذ إجازة من هذا العالم حتى أستريح وأعود لواقعي، وأرى حال أهلي فإن لهم علي حقا، فلا إفراط ولا تفريط».
بادر بالكلام حين الغذاء أو العشاء، وانظر كيف هي قلوبهم، وانظر ابتساماتهم الصادقة التي تنبع حبا خالصا، شاركهم ذلك ولو تكلفا، فإن في التكلف بعض المرات مجلبة للصدق.
وختاما، فكل هذا وأكثر تستطيع فعله في أربع وعشرين ساعة، رَ العالم من زاوية غير التي يرسمها المتنطعون، من أن الواقع مر وليس فيه ما يعاش.
فإنني قد حاولت فنجحت، كما فعل ذلك الكثيرون قبلي، فانضم إلى الركب يا صاح.