تلوّث في قريتي بلا حرج
عبد العزيز غياتي
هوية بريس – السبت 08 غشت 2015
يستيقظ جارك مبكّرا عند بزوغ الصبح بعد أن هجر النوم أجفانه أو بعد أن استرخى قليلا بعد صلاة الفجر فيعمد إلى بعض الأكياس البلاستيكية وأوراق الشجر والنباتات الصفراء وبعض أوراق الكرتون وأشياء أخرى ذرتها الرياح وحملتها إلى محيط بيته فيجمعها كلّها، ويوقد منها نارا يوقظك دخانها الذي يتسرب إلى غرفة نومك في غفلة منك ليخنق أنفاسك ويُدمع عينيك ويطرد النوم والراحة من أجفانها، يفعل ذلك مرّة ومرّتين بل مرّات، وقد يفعلها عامل بالجماعة المحليّة ليتخلص من حصيلة كنس شارع أو شارعين دون إحساس بالحرج.
تَذْكر مدى انزعاجك من أدخنة عمّت محيط حيّك خلال بعض اللّيالي، وتذْكر أن مصدرها لم يكن غير أحد الأفران أو المخابز القريبة منك، بسبب مدخنة دون المواصفات المطلوبة أو مواد احتراق ملوثة للهواء أو عامل يتدرّب على “الحسانة في رؤوس اليتامى” أمام أنظار مالك الفرن ودون أبسط تعبير عن الحرج.
أمام ناظريك تنمو رُبىً وهضاب من مخلفّات المواشي والبهائم ومن النفايات الصّلبة في الفضاءات القريبة من بيوت الجيران، وتنتعش معها أنواع وأجيال من الحشرات الطائرة والزاحفة، تنمو ببطء ولكنها تنمو كلّما أفرغ جار لك على القمّة ما جادت به عمليّة التنظيف اليومية للحضيرة، يفعل ذلك ويفعله آخرون كذلك على مرأى ومسمع من السّلطة المحليّة والسلطة الترابية وعامّة الشعب وبلا حرج.
تلاحظ منذ صغرك وعلى مدى بصرك كيف ازداد عدد محلّات إصلاح أجهزة التلفزة من واحد واثنين إلى أعداد كبيرة، وكيف تطوّرت ألوان هذه الأخيرة من الأبيض والأسود إلى كلّ الألوان، وكيف ازداد المقبلون على اقتنائها سواء من المتاجر المعتمدة أو من سوق الأجهزة المستعملة المستوردة أو المهرّبة من الخارج، أمّا اليوم فلن تخطيء عينك كيف أصبحت مكوّناتها الإلكترونية وشاشاتها تملأ حيّزا كبيرا من فضاء النفايات سواء في الشوارع والأزقة والأماكن العامّة، أو في مكبّ نفايات الجماعة أو أمام محلاتّ الإصلاح نفسها معرّضة الناس والمجال إلى الخطر بواسطة ما تحتويه من معادن ملوّثة حين تعرف طريقا إلى الهواء الطلق بسبب كسرها خطأ أو بفعل الأطفال لمجرّد الاستمتاع أو بحثا عن معادن ثمينة، يحدث ذلك في واضحة النهار وبلا حرج .
وكيف تنسى تلك الأيّام الرمضانية من صيف أولى سنوات الثمانينيات من القرن الماضي حين لاحظت، كما لاحظ كلّ من استجار بمياه النهر من الحرّ، كيف نفقت كميات كثيرة من الأسماك فطفت على السطح ورست على الشطّ ونتج عن تحلّلها روائح تزكّم الأنوف، ولم يكن السّبب غير ما تلفظه حينئذ مصانع في النهر من نفاياتها، ولم يثنيك ذلك عن السباحة في مياهه كما غيرك بلا حرج.
وهل تذكر كم عدد المرّات التي تغيّبت فيها شاحنة النظافة بدون سبب يذكر، أو بمناسبة استخدامها في التحضير لاحتفالات وطنية أو مواسم محليّة بلا حرج، وكيف تفاعل اجتهاد السكان مع الوضع فمنهم من يُلقى بالنفايات في الخلاء بعيدا عن المساكن ومن يكدّسها في أكياس بلاستيكية داخل بيته متحمّلا وحده أذاها، ومنهم من أشرك جيرانه ذلك الأذى تاركا حاويات أزباله في الشارع عرضة لعبث القطط والكلاب الضالّة، ومنهم من صدّر مشكل التلوّث إلى باب المسؤول عن حفظ الصحّة، حيث قام عدد من الساكنة في إحدى ليالي رمضان من هذه السنة بإفراغ رصيد خمسة أيام من الأزبال أمام مقرّ الجماعة القروية، لعلّه يحسّ بالحرج، هذه حال قريتي ولا أظنّه يختلف كثيرا عن باقي قرى وطني، أحكيه بلا حرج.