«سايكس بيكو 2016».. من التنظير إلى العمل على أرض الميدان
هوية بريس – (أسبوعية السبيل)
إعداد: نبيل غزال
الإثنين 10 غشت 2015
في العدد الجديد لأسبوعية السبيل (ع:197) تم التطرق إلى موضوع: “سايكس بيكو 2016.. من التنظير إلى العمل على أرض الميدان”، فلماذا تم اختيار هذا الملف؟
في 16 من ماي 2016 سيكتمل عقد على الاتفاقية السرية التي عقدها مبعوث الخارجية الفرنسي “فرانسوا جورج بيكو” والبريطاني “مارك سايكس” بمصادقة من روسيا، والتي تم الكشف عنها بعد وصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا عام 1917.
هذه الاتفاقية التي تم بموجبها تقسيم العالم الإسلامي على الصورة التي هو عليها اليوم، وبحدود تم رسمها بدقة للمحافظة على المصالح الغربية من جهة، والحيلولة دون وحدة العالم الإسلامي من جهة أخرى، لم تعد تخدم أطراف فاعلة جديدة مؤثرة في السياسة العربية والإقليمية والدولية، ومتحكمة في مصادر الطاقة ومقدرات العالم.
فعندما سيطرت أمريكا على تركة فرنسا وبريطانيا، وهزمت روسيا في الحرب الباردة، وبعد صعود نجم الحركات الإسلامية، وتجلي ما يسميه الغرب الخطاب المتطرف والمشاريع المعادية للسلام وأمن الكيان الصهيوني ومصالح الشركات الغربية الكبرى، ظهرت -على مراحل مختلفة- مجموعة من المخططات التي تهدف إلى إعادة رسم خريطة العالم الإسلامي إلى كيانات قطرية هزيلة، يقترب عددها من الستين.
وما يزعج كثيرا بخصوص مخططات التقسيم التي شرع في تنفيذها على أرض الواقع اليوم؛ هو غياب مخططات مقابلة تحدد سبل المواجهة وطرق إفشال المشروع الغربي الصهيوني، خاصة من قبل الأنظمة الحاكمة والتكتلات الإقليمية.
ونحن إذ نفتح هذا الملف في هاته الظرفية العصيبة؛ نسعى لرفع الوعي أولا؛ وتنوير الرأي العام بما يحاك لهذا البلد خاصة وللأمة الإسلامية عامة؛ ثانيا.
عقب مرور 100 سنة على اتفاقية (سايكس-بيكو) تقسيم جديد يهدد العالم الإسلامي
العام القادم يمر قرنٌ بالتمام والكمال على اتفاقية سايكس- بيكو السرية التي مهدت لخريطة الشرق الأوسط الحالية، ومع حلول هذه الذكرى، تشير الدلائل والوقائع على الأرض، خاصةً أحداث العقد الأخير، إلى أن هذه الخريطة الهشة أوشكت على السقوط، ما يدهش ويزعج في آنٍ واحد هي تلك الخفة التي يتعامل بها مع تلك المصيبة.
فوفق “ياسر نجم” الباحث في الشأن السياسي فإن القارئ إذا جرب أن ينقب على الإنترنت عن كتابات باللغة العربية تتناول خطط تقسيم الشرق الأوسط، سيجد أنها كلها تقريبًا عبارة عن نسخة كربونية من منشور يصف برنارد لويس بـ”أعدى أعداء الإسلام على الأرض”، ويتضمن خليطًا فريدًا من الحقائق والخرافات بشأن الرجل، ثم تشكيلة من خرائطه المزعومة لتفتيت “العالم الإسلامي”، تلك الخرائط لن تجد لها أي أصل في المراجع الموثوق بها، ومما يثبت أنها مختلقة، اشتمالها على خريطة تقسم مصر لـ4 دويلات، بينما الثابت عن برنارد لويس أنه استثنى مصر تحديدًا من احتمالات التقسيم.
صاحب بحث “سايكس بيكو 2016 خرائط تقسيم المنطقة بين الواقع والأساطير“، يرى أن بعض الإسلاميين يهللون للسقوط المنتظر لسايكس بيكو، على أساس أن تمزيق الخريطة الحالية سيؤدي إلى خريطة (وحدة) أو (خلافة) إسلامية وانهيار مدوٍ للنظام العالمي المعاصر. والحقيقة أن العكس تمامًا هو الصحيح: نحن نتأهب الآن لسايكس بيكو جديدة ستفتت المُفَتت وتقسم المنقسم وترسم حدودًا جديدة في قلب الحدود القديمة، ما لم تتمخض الثورات العربية عن قيادات ونخب ووعي شعبي يدير دفة التاريخ إلى وجهة مغايرة تمامًا لما تندفع إليه المقدمات بجنون.
أما القوميين فاعتبرهم الباحث ياسر من كوكبٍ آخر، مع أن القضية بالنسبة لهم (من المفترض) مثل الماء للسمك، واليساريون الذين يثيرون المسألة على صفحات السياسة العالمية ليسوا من يساريي بلادنا، وإنما ينتمون للنصف الغربي من الكرة الأرضية، وهم يعون تمامًا أن الموضوع رأس حربة لليمين المتطرف المتوغل في ردهات الحكم الأمريكية والأوروبية.
أما الليبراليون وخاصة المنتمون منهم للنظم الحاكمة القديمة في الوطن العربي، فوفق الباحث نفسه فقد ظنوا أن إغلاق حدودهم على أنفسهم، ورفع شعارات شوفينية من نوعية: مصر أولًا، وسوريا أولًا، والخليج أولًا… هو المبدأ الاستراتيجي الأمثل لسياسات بلادهم، حتى فوجئوا أخيرًا أن هذا المبدأ عينه هو الذي سيدير الدائرة عليهم…
ودعا الباحث “ياسر نجم” في بحثه إلى اعتماد الأسس العلمية المعرفية للخرائط، والتحليل المنطقي للمخططات بقدر الإمكان، ثم مضاهاة تأثير ذلك على الواقع السياسي كما نراه ونعايشه جميعًا.
وحتى يوسع الدائرة ويوفي البحث حقه حاول الباحث استقصاء مخططات التقسيم التي تم الاعلان عنها، والمقارنة بينها. وسنوردها في هذا الملف حسب الترتيب الزمني نبذة عن مخططات التفتيت التي تهدف إلى إعادة رسم خريطة العالم الإسلامي.
خــطــــة أودد يينــون: 1982
إذا حاولت أن تبحث على النت عن صورة لأودد يينون، ففي الأغلب لن تجد له إلا تلك الصورة التي يظهر فيها خلف أرييل شارون، بينما يحتسي الثاني شرابًا فيما يبدو أنه احتفال.
الرجل شديد الغموض، نادر الظهور، والمعلومات عنه شحيحة للغاية، لكن المؤكد أنه قد عمل لفترة طويلة في المخابرات والخارجية الصهيونية، وأنه العقل المدبر للعديد من استراتيجيات حزب الليكود الذي يهيمن على الحكم حاليًا في الكيان الصهيوني.
نشر يينون خطته في مجلة (كيفونيم) وترجمتها (اتجاهات)، عدد فبراير 1982، والمجلة هي الإصدار الرسمي لقسم المعلومات بالمنظمة الصهيونية العالمية، وكان عنوان الخطة المنشورة بالعبرية: “استراتيجية لإسرائيل في الثمانينات”.
لكي نستوعب تمامًا إطار الخطة، يجب أن نستعرض سريعًا الأحوال الإقليمية والعالمية في ذلك الوقت، في أوائل سنة 1982، كان الاتحاد السوفيتي ما زال قائمًا، يحتل أفغانستان، يهيمن على شرق أوروبا، ويناطح أمريكا في حرب باردة، “إسرائيل” عقدت اتفاقية السلام مع مصر وسلمت معظم سيناء، الحرب العراقية- الإيرانية كانت في أوجها، وكذلك الحرب الأهلية اللبنانية.
لبنان كان واقعيًّا مقسمًا لـ5 دويلات آنذاك، ما بين شمال في أيدي المسيحيين التابعين لسليمان فرنجيه بتأييد من سوريا، وشرق يحتله الجيش السوري، ووسط يسيطر عليه الجيش اللبناني، ومحاذاة نهر الليطاني التي تهيمن عليها منظمة التحرير الفلسطينية، وجنوب موالٍ للكيان الصهيوني بقيادة ميليشيات سعد حداد (رغم الأكثرية الشيعية).
فكرة انقسام لبنان تلك كانت تروق جدًا للصهاينة بشرط إعادة توزيع الأقسام لتحقق لهم أكبر قدر من الأمن، بعد التخلص من الجيش السوري ومنظمة التحرير.
من هنا، نبتت في ذهن يينون فكرة (لبننة) العالم الإسلامي كله، فهي تقريبًا الطريقة الوحيدة التي قد يتمكن بها شعبٌ صغير مثل الشعب اليهودي من حكم مساحة تمتد من النيل للفرات، بالإضافة للمصلحة العقدية المادية في التقسيم الطائفي للمنطقة.
رأى ييون فائدة أخرى في إرساء شرعية دولة “إسرائيل”، بما أن كل طائفة ستكون لها دولة، فوجود دولة يهودية يصبح مبررًا تمامًا من الناحية الأخلاقية.
اعتبرت الخطة أن أهم محاور الاستراتيجية المستقبلية للكيان الصهيوني عقب الانتهاء من لبنان، يجب أن تتركز على تقسيم العراق إلى 3 دول: شيعية/سنية/كردية، ومن بعد لبنان والعراق، مصر وليبيا والسودان وسوريا والمغرب العربي وإيران وتركيا والصومال وباكستان.
استمد يينون واقعية مخططه من إشكالية أن الحدود العربية الحالية غير قابلة للدوام؛ مما يجعل الدول العربية أشبه ببيوت مبنية من أوراق اللعب:
-الحدود وضعتها دول استعمارية دون اعتبار لهويات الشعوب وتوجهاتها ورغباتها.
– معظم الدول العربية تضم عدة طوائف غير منسجمة.
– الحكم تستحوذ عليه طائفة بعينها (في بعض الأحوال الطائفة الحاكمة أقلية مثلما هو الحال في سورية والعراق ولبنان والبحرين).
– توجد صراعات على الحدود بين عدة دول عربية.
– تصارع الأيديولوجيات بين الإسلاميين والقوميين والوطنيين سيصعد الصراعات الداخلية في كل دولة.
لم يرسم يينون خرائط لمخططه، ولكنه رأى سوريا مقسمة لـ4 دويلات: سنية في دمشق، وأخرى في حلب، ودرزية في الجنوب، وعلوية على الساحل، وتصور أن المغرب العربي سيُقسَّم بين العرب والبربر، أما الأردن فاعتبرها وطن المستقبل للفلسطينيين بعد سقوط مُلك الهاشميين، وأما الخليج العربي فوصفه بـ(قصور على الرمال):
– نخب حاكمة في أبراج عاجية.
– السكان أغلبهم من جنسيات أجنبية.
– جيوش ضعيفة.
من المهم هنا استعراض ما كتبه يينون عن رؤيته لمصر بتفصيل أكثر:
– نظام حكم عقيم مفلس بيروقراطي وغير كفء.
– تكدس سكاني.
– شح موارد.
– تخلف علمي.
– نخب ثرية وأغلبية مطحونة فقيرة محرومة من الخدمات الأساسية.
– بطالة.
– أزمة سكن.
– اقتصاد يشهر إفلاسه في اليوم التالي لتوقف المساعدات الخارجية.
– يمكن إعادة البلاد لوضع النكسة في ساعات.
في كلمة واحدة، وصف يينون مصر بالدولة (الهشة)، الأقباط المنعزلون المتقوقعون جاهزون للاستقلال بدويلتهم في الصعيد، بالنسبة لسيناء، كشف يينون عن حقيقة علمية مهمة، ألا وهي تطابق التكوين الجيولوجي بين سيناء ومنطقة الخليج، أي أنها تحوي نفس الكنوز النفطية، مما يعني إضافة ثروة اقتصادية مهولة إلى جانب البعدين الديني والاستراتيجي، وبالتالي حتمية عودة سيناء لحكم الصهاينة طبقًا للخطة.
هذا يفسر جزئيًّا حرص للكيان الصهيوني البالغ منذ اتفاقية السلام حتى الآن على بقاء سيناء صحراء قاحلة لا تنمية فيها، ولا تعمير باستثناء الشريط السياحي الساحلي، المصيبة أن هذا ما كان يفكر فيه الصهاينة منذ بدايات اتفاقية السلام، وفي الشهور الأولى لحكم مبارك، بينما يحاول قادة مصر أن يقنعونا أن عهد الحروب قد ولى، وأننا في مرحلة تطبيع وسلام مع للكيان الصهيوني، والمصيبة الأعظم أن يكونوا هم أنفسهم مقتنعين بهذا.
الكارثة الأكبر أن يينون قال أن كل ما سبق لن يحدث لمصر باستخدام قوة عسكرية أو صراع مسلح، بل هو على يقين أن أداء النظام الحاكم في مصر سيسوق البلاد لذلك الانهيار من تلقاء فساده وسوء إدارته بدون أي تدخل مباشر من الصهاينة.
بعد 4 شهور من نشر هذا المخطط، قامت “إسرائيل” بغزو لبنان ولم تخرج إلا بعد 18 سنة، أبادت وطردت خلالها الفلسطينيين هناك، وفعلت ما يكفي لإخراج الجيش السوري..
الإشكالية أن لبنان ما زالت حتى يومنا هذا مقسمة فعليًّا، وإن احتفظت بوحدة حدودها السياسية. أما العراق، تم إنهاك جيشها في حربه مع إيران، وما أن انتهت تلك الحرب حتى بدأت أولى خطوات تقسيمها بغزو صدام حسين للكويت في سنة 1990.
ماذا فعلت الدول العربية وعلى رأسها مصر لتجنب مقدمات خطة يينون المنشورة منذ أكثر من 30 سنة؟
لا شيء سوى إعداد المسرح لتنفيذها بشكل أو بـآخر.
مخطط تفتيت العالم الإسلامي
د. محمد عمارة
في مقدمة القضايا التي تشغلني هذه الأيام، بل منذ أعوام، مخطط إعادة التفتيت لأقطار الأمة الإسلامية. حيث بدأ الاستعمار تفتيت العالم الإسلامي باتفاقية سايكس بيكو 1916م، التي كان تنفيذها المقدمة لإسقاط الخلافة الإسلامية 1924م، وإزالة رمز الوحدة الذي ظل قائمًا منذ ظهور الإسلام وحتى ذلك التاريخ.
ومنذ سقوط الخلافة الإسلامية تبعثر العالم الإسلامي إلى كيانات قطرية هزيلة، يقترب عددها من الستين، لكن قيام الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي 1948م، قد فتح الباب لمرحة أكبر وأخطر، في تفتيت عالم الإسلام؛ فالمستشرق الصهيوني برنارد لويس، قد دعا -منذ قيام إسرائيل- إلى إعادة تفتيت بلاد المسلمين، على أسس دينية وعرقية ومذهبية، وذلك بإضافة أكثر من ثلاثين كيانًا سياسيًّا جديدًا، حتى يقترب عالم الإسلام إلى تسعين كيانًا؛ وذلك “لضمان أمن إسرائيل”!!.
لقد بدأ تنفيذ هذا المخطط منذ خمسينيات القرن العشرين -وكتب عنه موشيه شاريت- رئيس وزراء الكيان الصهيوني في مذكراته 1954م، يقول: “إن تقوية الميول الانعزالية للأقليات في العالم العربي، وإذكاء النار في مشاعرها، وتوجيهها للمطالبة بالاستقلال والتحرر من الاضطهاد الإسلامي، هو عمل إيجابي، يدمر الاستقرار في تلك المجتمعات”.
وفي ثمانينيات القرن العشرين نشرت المنظمة الصهيونية العالمية “استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات”، وفيها تفصيل لمخطط هذا التفتيت، ولقد جاء في هذه الاستراتيجية -عن العراق مثلاً-: “إن العراق أقوى من سوريا، وخطره العاجل على إسرائيل أكبر؛ ولذلك فإن تفتيت العراق أكثر أهمية من تفتيت سوريا”.
أما مصر، فقالوا عنها: “إنه إذا تفتتت مصر تفتت الباقون، وهذا هو الضمان الحقيقي لبقاء إسرائيل”.
وفي 1992م عُقدت ندوة متخصصة في الكيان الصهيوني حول الأقليات في العالم العربي، وجاء في توصياتها: “إن هذه الأقليات هي شريكة إسرائيل في المصير، وهي حليف لإسرائيل في مراجعة الإسلام والقومية العربية”.
وطوال هذه العقود الستة نشأت مؤسسات لإحياء لغات ميتة؛ كي تحل محل اللغة القومية -كما صنع اليهود!- وتحركت مؤسسات كهنوتية لتتحول إلى مشاريع دول وكيانات سياسية -كما صنعت الحركة الصهيونية!-، وانخرطت “لوبيات” طائفية وعرقية في نشاط محموم، وتحالف استراتيجي مع دوائر الاستعمار الغربي -والأمريكي بوجه خاص- كما سبق وصنعت الصهيونية؛ وذلك لتغيير خريطة وطن العروبة، وعالم الإسلام.
إن المخطط مكتوب ومنشور بكل اللغات، وتنفيذه قائم على قدم وساق أمام أسماعنا وأبصارنا، ونحن طوال هذه العقود نكتب، ونخطب، ونحاضر؛ لننبه قومنا إلى خطره المدمر لنهضتها، بل لوجودنا، ومع هذا يتهمنا عملاء الغرب -من الصهاينة العرب والمتأمركين- بأننا ضحايا “نظرية المؤامرة”!
فهل نفيق قبل أن نفاجأ بالكيانات الطائفية والعرقية، فهي تطالب -في ظلال حراب الاستعمار- “بحق” تقرير المصير؛ لتغيير خرائط وطن العروبة، وعالم الإسلام، كما سبق وفوجئنا بمخطط إقامة الكيان الصهيوني، الذي لم ننتبه له إلا بعد فوات الأوان؟!
خرائــط برنـارد لويــس: 1992
مرت 10 سنوات على خطة يينون، جرت فيها مياهٌ كثيرة، ما خططه لمنطقة الشرق الأوسط، حدث في مناطق أخرى من العالم، سقط الاتحاد السوفيتي وتفكك إلى 15 دولة، امتد التقسيم لتشيكوسلوفاكيا في شرق أوروبا، وبدأ تفتيت يوغوسلافيا السابقة إلى 4 دويلات، خروج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان قبل سقوطه لم يؤد إلى استقرار، بل إلى حرب أهلية حامية الوطيس بين المجاهدين، تشكلت المقاومة ضد الكيان الصهيوني، حزب الله في جنوب لبنان وحماس في فلسطين، قامت الانتفاضة ضد الاحتلال الصهيوني.
تصدعت القومية العربية تصدعًا مدمرًا بعد غزو الكويت وحصار العراق ومشاركة أمريكا مع عرب مسلمين في قتال عرب مسلمين بشكل مباشر للمرة الأولى، ثم تواجدها العسكري غير المسبوق في دول الخليج لحماية النفط والعروش، ولكن إلى جوار مقدسات المسلمين أيضًا، مما استفز بعض المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي.
في هذه الأجواء، خرجت خرائط برنارد لويس، والحقيقة أن له خريطة سابقة أصدرها في سنة 1974، ولكنها كانت تستهدف نهش أطراف الاتحاد السوفيتي أما الخرائط الجديدة، فقد اختصت الشرق الأوسط، وبدت وكأنها نموذجا معدلا لخطة يينون، في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية.
يقوم مشروع برنارد لويس أيضًا على تقسيم المنطقة طبقًا لخطوط عرقية طائفية لغوية، ويتطرق للبننة (نسبةً للبنان) وكذلك الحرب العراقية الإيرانية، عندما زود الغرب كل الأطراف بالأسلحة الفتاكة لكي يظل القتال مستمرًا لأطول فترة ممكنة قبل أن يدرك المتصارعون كم كانوا أغبياء.
ويعتبر برنارد لويس غزو العراق للكويت النهاية الفعلية لسيطرة العرب على سلاح البترول، فلن تتمتع بعده أية دولة نفطية بالاستقلال أو القوة، وكلمة السر هي (التحكم من الخارج)، دون الحاجة لاحتلال عسكري على الأرض إلا بالقدر الذي يحمي موارد البترول إذا تعرضت لخطر مسلح.
بمقارنة خريطة لويس مع خطة يينون، نجد أنهما اتفقا على محو الدولة اللبنانية من الوجود وتقسيم العراق لـ3 دويلات: سنية وشيعية وكردية، وضم سيناء لـ”إسرائيل”، ولكن برنارد لويس اختلف مع يينون في الآتي:
– استبعد تقسيم مصر، (على أن تضم إسرائيل سيناء كما في خطة يينون).
– استبعد تقسيم سوريا.
– ركز لويس أكثر على منطقة شرق الخليج العربي: إيران وأفغانستان وباكستان وكيفية تقسيمها، وقد ذكر يينون ذلك ولكنه لم يتطرق للتفاصيل.
خطة برنارد لويس لا تكتفي بخرائط صماء تستغل الصراعات الطائفية والعرقية، ولكنها اشتملت أيضًا على إشعال 9 حروب في المنطقة، وعاشرتهم حرب البلقان في أوروبا التي توقع أن تمتد لشرق البحر المتوسط، تلك الحروب ستسرع عجلة تقسيم المنطقة، وبعد التقسيم تنشب حرب أخرى كبرى عربية-إيرانية بمجرد هيمنة إيران على الدويلة العراقية الشيعية.
أشار لويس لدولتين فقط، ينبغي الحفاظ على استقرارهما وقوتهما واستقلالهما والاعتماد عليهما:
إسرائيل وتركيا (أيام الانقلابات العسكرية على الحكومات ذات التوجه الإسلامي)، إلا أن ذلك لم يمنعه من طرح تصور الدولة الكردية التي تقتطع جزءًا من تركيا.
من المثير للاهتمام أن لويس تكلم عن تنظيمات إسلامية مسلحة مصنوعة في بريطانيا، وأن استبداد الحكام في الدول الإسلامية سيغذي تلك الميليشيات، مما يصب في مصلحة خطط التقسيم، إذ أن الانتصارات العسكرية لهؤلاء ستساهم بصورة كبيرة في إضعاف السلطة المركزية، ومن ثم تؤدي إلى سقوط الدول القائمة فقط على جبروت النظام حيث تغيب المجتمعات المدنية الصلبة التي تحفظ نظيراتها في الغرب.
بعد 10 سنوات من نشرها، وجدت رؤى برنارد لويس الاستعمارية النفطية ضالتها في إدارة جورج دابليو بوش التي استعانت بلويس كمستشار لها قبل غزو العراق.
حــدود الــدم: 2006
في الـ14 سنة التالية لمخطط برنارد لويس (1992–2006)، تنامت بشكل متوازي تقريبًا حركات الجهاد الإسلامي متمثلة في تنظيم القاعدة في مقابل اليمين المسيحي- اليهودي متمثلًا في المحافظين الجدد بالحزب الجمهوري الأمريكي الذين وصلوا للحكم من خلال بوش الابن، والصهاينة التقليديين من أمثال شارون ونتنياهو الذين هيمن حزب الليكود من خلالهم على السلطة في الكيان الصهيوني.
وبالتالي كان أهم ما شهدته تلك السنوات:
– انتفاضة سنة 2000 في فلسطين.
– أحداث 11 سبتمبر.
– غزو أفغانستان.
– غزو العراق.
المختلف في رؤية بيترز أنه لم يقصر تصوراته على هيمنة الكيان الصهيوني والمطامع الاستعمارية النفطية والتقسيمات العرقية الطائفية وحسب، لكن الأهم عنده كان تفتيت السعودية وإيران وباكستان باعتبارها منبع الشرور (نتيجة طبيعة صراع المرحلة بين اليمين الإسلامي واليمين المسيحي اليهودي).
بدأ رالف بيترز مقاله الشهير بالحديث عن الحدود التي توفر الأمن للكيان الصهيوني ثم جعل الأولوية الثانية لدولة الأكراد، ورأى توحد سنة العراق مع سنة سوريا في دولة واحدة (حدودها متطابقة إلى حد كبير مع المساحة التي تسيطر عليها داعش حاليًا)، على أن تمتد دولة أخرى علوية من ساحل سوريا لساحل لبنان، وبالطبع دولة شيعية في جنوب العراق، أما السعودية، فقد أراد أن يقسمها كالتالي:
جزء في الشمال ينضم للأردن، الحجاز يستقل كدولة مقدسات ونموذج إسلامي من الفاتيكان، (وبالتالي يتم انتزاع الهوية الإسلامية للسعودية)، السواحل الشرقية تذهب لشيعة العراق، جزء في الجنوب الغربي يندمج مع اليمن، وبذلك، لا يتبقى للسعوديين إلا نجد، وعاصمتهم الرياض في قلبها.
كذلك يريد بيترز أن يعطي إمارات الخليج لشيعة العراق، بينما تصبح دبي بمفردها دولة مستقلة دون توجهات سياسية، وعاصمة للبيزينيس واللهو في المنطقة على غرار إمارة موناكو وعاصمتها مونت كارلو في أوروبا.
طبعًا ضم شرق السعودية وإمارات الخليج لجنوب العراق في دولة شيعية موحدة كفيل بتعظيم الهيمنة الإيرانية، وهو ما لا يريده بيترز، لذلك يوصي باستفزاز نعرات قومية (عربية- فارسية) تخلق حزازات ونوعًا من التنافس بين إيران والدولة الشيعية العربية، على أن تحيط الدولة الشيعية العربية بالخليج كالكماشة بعد انتزاع غرب إيران وضمه لها، مع إضعاف إيران أكثر بانتزاع جزء آخر منها لصالح أذربيجان وجزء لكردستان وجزء لبالوشستان التي ستُقتطع من باكستان الحالية، (سكان الأجزاء المشار إليها واقعيًّا بالفعل ينتمون لتلك العرقيات: الإيرانيون في الشمال الغربي أكراد، وفي الشمال أذربيجانيين عرقيًّا، وفي الجنوب الشرقي بالوشستانيين، وهم من أهل السنة ولا ينتمون للمذهب الشيعي).
لقد أثبت العالم العربي عجزه عن التحليل المنطقي للمستقبل، «حتى أولئك الذين يتصايحون للتحذير من مخططات الأعداء، يفعلون ذلك بناءً على أوهام يتخيلونها وأساطير يتداولونها، وليس على أساس معرفي علمي. لذلك، يحبذ الخبراء الصهاينة نشر استراتيجياتهم المستقبلية علنًا لتوعية أكبر عدد ممكن من اليهود والإسرائيليين بها، دون أدنى قلق من اطلاع العرب عليها، فإمكانية تصدي حكوماتهم لتلك الخطط إزاء معرفتهم بها شبه معدومة».
إسرائيل شاحاك / المحلل السياسي الإسرائيلي والأستاذ بالجامعة العبرية – القدس / رئيس الرابطة الإسرائيلية لحقوق الإنسان.
خريطــة (أتلانتيك): 2008
في العام التالي لنشر (حدود الدم)، بدأ جيفري جولدبرج، وهو من المنتمين لنفس جناح رالف بيترز داخل أروقة السياسة الأمريكية، وناشط له ثقله في اللوبي الصهيوني هناك (بالإضافة لكونه جنديًا سابقًا بجيش الدفاع الإسرائيلي) في كتابة سلسلة مقالات ترسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، على صفحات مجلة (أتلانتيك) الشهيرة، حدث هذا بالتزامن مع إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي خطة غير ملزمة لتقسيم العراق، مما يجزم بأنها حملة منظمة.
ماذا غَيَّر جولدبرج في المخططات؟
– لأول مرة دولة (السودان الجديدة) في جنوب السودان (تأسست رسميًّا بعدها بـ4 سنوات).
– لأول مرة دولة (سيناء) المستقلة، (بدأت أعمال العنف المسلح في سيناء سنة 2004، وفي سنة 2013 أعلن الكيان الصهيوني عن وجود وحدة لمكافحة الإرهاب تابعة للجيش الصهيوني تعمل داخل سيناء، ومؤخرًا ظهرت دراسات عن (مراكز بحثية استراتيجية إسرائيلية) تمهد لفشل الجيش المصري في السيطرة على سيناء وأهمية تواجد عسكري دولي لحسم المعارك هناك.
– امتدت الخريطة هذه المرة لعمق أفريقيا بتقسيم الصومال.
– اعترف جلدبرج بقوة حزب الله ومركزيته في جنوب لبنان، فتصور له دولة شيعية مستقلة.
– اصطناع دولة درزية في شمال الأردن وجنوب سوريا.
أطروحات أخرى (2013-2014)
على مدى العامين الماضيين، تم عرض أطروحات أخرى لتقسيم المنطقة عبر مراكز الدراسات الاستراتيجية ومنابر الصحافة العالمية، لا ترقى هذه الأطروحات لتوصيفها بـ(المخططات) لأنها أولًا أقرب للتوقعات، وثانيًا، أنها قد جاءت في كتابات بعض المحللين، ولم تأتِ من دائرة صنع القرار، ثم أنها ثالثًا تخلو من هدف استراتيجي جامع يربط بينها.
ضمن تلك الأطروحات، أطروحة (الدولة المدينة)، النموذج الذي يُتوقع أن ينتشر في الشرق الأوسط خلال العقود القادمة: القدس- الحجاز- دبي- بغداد- مصراته- جبل الدروز، كلها مدن مرشحة للاستقلال بذاتها كدويلات ذات طابع خاص. كذلك، هناك فكرة تقسيم باكستان وأفغانستان لـ4 دول، وهناك مقال النيويورك تايمز الشهير: كيف يمكن أن تتحول 5 دول لـ14 دولة؟
بعض التوقعات تتنبأ بضربة جوية ضد إيران ترد عليها إيران وحزب الله بمهاجمة الكيان الصهيوني، وبعض دول الخليج بالصواريخ، ومع تصاعد المعارك تقوم إيران بإغلاق مضيق هرمز، يعقب ذلك تقسيم إيران وإنشاء الدولة الشيعية العربية.
تتفق معظم هذه الأطروحات على أن: مصر وتركيا والسعودية ستستعصي على التقسيم بمعناه المفهوم، ولكن يُقتطع منها: (سيناء من مصر– كردستان من تركيا– الحجاز وجنوب غرب وشرق السعودية)، يُخطط لهذه الدول الثلاث أن تنتهي إلى مصير الدول الفاشلة، أما الدول العربية التي سيتم تقسيمها إن عاجلًا أو آجلًا، فهي: العراق – سوريا – اليمن – ليبيا – لبنان.
مشروع الشرق الأوسط الكبير (الجديد)
فكرة استحداث كيان شرق أوسطي بديلا عن العالم العربي والإسلامي ليمكن من خلاله إدماج وتطبيع دولة الصهاينة في المنطقة فكرة ليست جديدة ظهرت بعد 2001م؛ فوفق الدراسة التي أعدها الدكتور وليد الهويريني بعنوان: (خارطة الدم؛ هل بدأ العم سام في تقسيم أرض الإسلام؟) فقد سبق طرح الفكرة من قبل الرئيس الصهيوني «شيمون بيريز» عام 1993م في كتابه الشرق الأوسط الجديد، حيث دعا لفكرة شرق أوسط جديد قائم على التنمية والرفاه كم يزعم، وتبنى فيه العلاقات بين الدول بناء تعاقديا قائم على المصالح المادية فحسب وبهذا يمكن تحييد الهوية الدينية والثقافية من تعامل الدول العربية مع الصهاينة.
ويرى «شمعون» أن تحول الشرق الأوسط لما يسميه السلام والأمن والازدهار لن يتم بسحر ساحر أو بلمسة ديبلوماسية، فتوفير السلام والأمن يقتضي «ثورة في المفاهيم»، إن حدود الشرق الأوسط جغرافيا في نظر الأمريكان هي حدود العالم الإسلامي من إسلام أباد إلى نواكشط، باستثناء «إسرائيل» التي يدخلونها ضمن هذا المصطلح بطبيعة الحال.
(من أكبر الأهداف العملية للمشروع ذوبان المنطقة العربية بهمومها وقضاياها في براح شاسع جغرافيا متنوع ومتفاوت في هويته الثقافية والسياسية والاجتماعية، بحيث تتوه هوية العرب وقضاياهم الملحة والمزمنة وسط هذا الخضم الهائل الاتساع، كمحيط يضمه ضمن ما يضم من شعوب وأمم، وقضايا وأزمات ومشكلات).
لقد ظهر المصطلح بشكل فاعل عندما تبناه الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن بعد ضربات 11 سبتمبر، وكانت وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس المبشر الأشهر لمشروع الشرق الأوسط الكبير ومصطلح (الفوضى الخلاقة). لقد أصبح لدى الإدارة الأمريكية يقين بأن نشر الديمقراطية على الطريقة الأمريكية هي الترياق المضاد للإرهاب، وأن العالم العربي يعيش أوضاعا شبيهة بدول أوروبا الشرقية سابقا، وبموجب هذه المقارنة فالحرب مع العالم الإسلامي ليست حربا عسكرية، بل حرب أفكار في المقام الأول، ونشر قيم الحرية والديمقراطية الغربية هو من سيستأصل ما يعتبرونه تربة منتجة للإرهاب والتطرف والعنف.
وكان دونالد رمسفيلد هو أول من دعا إلى شن حرب الأفكار في مقابلته مع صحيفة واشنطن تايمز في أكتوبر 2002م، حيث ذكر أن المعركة الأساسية مع الإرهاب هي حرب أفكار وليس حربا عسكرية، ودعا رامسفيلد لإنشاء جهاز متخصص يتولى شن هذه الحرب، وفي غشت 2003 كررت رايس الحديث نفسه في خطاب ألقته أمام المعهد الأمريكي للسلام، حيث قالت: «إن المهمة الأساسية للولايات المتحدة في المرحلة القادمة تتمثل في تكرار النجاح في الحرب الباردة عبر شن حرب الأفكار، ونشر فكر الحياة مقابل فكر الموت، والترويج للقيم الأمريكية والدفاع عنها».
وفي نونبر 2003 أدلى الرئيس جورج بوش الصغير بأول اعتراف أمريكي علني عندما ذكر بأن الولايات المتحدة ظلت تدعم الديكتاتوريات في الشرق الأوسط لأكثر من 60 عاما، وأن تلك السياسة لم تجلب لأمريكا الأمن أو تخدم مصالحها، وأعلن بوش تخليه عنها وتبنيه لسياسة جديدة قوامها نشر الديمقراطية.
وفي فبراير 2004 قدم الرئيس بوش إلى مجموعة الثمانية (G8) مبادرة مشروع الشرق الأوسط الكبير، ونشرت صحيفة الحياة اللندنية في 13 فبراير 2004 نص المشروع، ففي المقدمة تحذر الورقة من اقتراب الشرق الأوسط من الانفجار بسبب التدهور الاقتصادي والاستبداد السياسي وخطورة ذلك على الغرب ومصالحه في المنطقة، وتلخص الورقة إصلاح النواقص التي حددتها تقارير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية العربية عبر محاوير ثلاثة:
– تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح.
– بناء مجتمع معرفي.
– توسيع الفرص الاقتصادية.
وتقول ورقة المشروع ما نصه: (فالديمقراطية والحكم الصالح يشكلان الإطار الذي تتحقق فيه التنمية).
ولعل من نافلة القول لمن خبر السياسة الأمريكية أن يدرك أن هذه شعارات يراد تحقيقها بحسب الفهم الغربي لها، وفي باطنها الأهداف الحقيقية للمشروع، والتي يمكن إيجاز أبرزها في ثلاث نقاط:
– الأول: إعادة تشكيل وترتيب أوضاع المنطقة لتقبل النموذج الليبرالي عبر الديمقراطية الغربية.
– الثاني: تهيئة المنطقة للعولمة، وهيمنة الشركات الأمريكية والأوربية العابرة للقارات على اقتصاد المنطقة.
– الثالث: دمج وتطبيع دولة الصهاينة مع العالم العربي في كيان شرق أوسطي.
فالحديث الغربي عن نشر الديمقراطية والحريات في العالم العربي لا يعدو أن يكون سوى أداة لتحقيق الأطماع الاستعمارية الجديدة، ولهذا فهي تخضع في حجم توظيفها للأجندة الغربية، فالغرب عندما أراد الانقضاض على النفط الليبي قام بتوظيف شعارات الديمقراطية للتدخل العسكري في ليبيا وإسقاط القذافي، ولكنه الغرب نفسه لا يريد التدخل في سوريا من أجل الحريات والديمقراطية بعد قتل أكثر من 130.000 سوري وتشريد الملايين، فالمصلحة الغربية الاستعمارية لم تكن مع نشر الحريات، فتم وضعها في الأدراج مع تزويد كافة الأطراف المتحاربة بالسلاح بما يتيح تدمير سوريا -وهي إحدى دول الطوق- والتمهيد لتقسيمها، وهو الهدف الاستراتيجي.
ولو دققنا النظر في الأحداث التي يعيشها العالم الإسلامي منذ 11 شتنبر -لاسيما بعد الثورات- يدرك أن المخطط وإن تعثر في بعض محطاته إلا أنه يجري إجمالا كما خطط له.
ربما ظن البعض أن هذا مشروع الشرق الأوسط الكبير خاص بحكومة الرئيس بوش الصغير، وبالتالي فهذا المشروع انتهى برحيلها، ولا ينبغي الذهاب بعيدا في هذا الاتجاه.
ويجيب د. سعيد اللاوندي أستاذ الفلسفة السياسية والخبير بمركز الأهرام الاستراتيجي قائلا:
(في التاريخ السياسي للقوى العظمى.. من الصعب الحديث عن تغيير في السياسات والاستراتيجيات إذا ما تغير أشخاص الحكام، ليس فقط لأن المؤسسات -وليس الأشخاص- هي التي تصنع السياسات وتضع الخطط والرؤى والتصورات، ولكن أيضا لأن القوى الكبرى -بكم قدراتها وطموحاتها- لا تملك رفاهية التغيير السريع، خصوصا إذا ما كان الأمر متعلق بهيبة ومكانة دولة عظمى، ترى نفسها سيدة العالم و(رمانة الميزان) في النظام الدولي المعاصر (كما هو الحال في أمريكا).
ورغم أن الرئيس الأمريكي بوش وإداراته المعروفة بإدارة المحافظين الجدد هي المهندس الفعلي لمشروع الشرق الأوسط الكبير، فإن المشروع لايزال قائما ومستمرا.. فالقوة الباطشة والتهديد والوعيد كانت أسلحة بوش الإبن، في حين أن (القوة الناعمة) ولغة الديبلوماسية (التي لا تخلو من حزم وحسم) هي أدوات الرئيس باراك أوباما، لكن يبقى مشروع الشرق الأوسط الكبير هو الهدف والغاية لدى الإدارتين) اهـ.
ويقول: (يبقى أخيرا أن نعترف -اعتراف الشجعان!- بأن أمريكا وإسرائيل قد اتفقتا معا على تغيير ملامح منطقة الشرق الأوسط، إما بالقوة العسكرية، أو بالتخويف والوعيد، أو بالإقناع والمشاركة، أو حتى بالفوضى) اهـ.