السنة النبوية روح القدوة المثالية*
د. عبد الله الشارف
هوية بريس – السبت 15 غشت 2015
لا شيء أنفع للمحافظة على المقومات الذاتية للمسلم وأصالته، والارتقاء بسلوكه وأخلاقه، وتحقيق أمنه وسعادته في الدنيا والآخرة، من سنة الرسول محمد صلوات الله وسلام عليه وعلى آله. ولقد ضلت البشرية ولا زالت، عندما ظنت أن الأمن والسعادة يمكن جلبهما وتحقيقهما اعتمادا على العقل وحده، فتكسرت معاول الفلاسفة والعباقرة ومدعي الحكمة، على صخور الحقيقة الشماء، وخارت قواهم من فرط البحث والتنقيب، وأنهكهم الكبر والعجب والغرور، فحالت حجب النفس بينهم وبين المعرفة الصحيحة. وهل لغير الخالق القدرة على الإحاطة بطبيعة الإنسان وجلب المنافع له ودفع الأضرار عنه؟
ولما كانت خِلقة الرسول صلى الله عليه وسلم، في أحسن تقويم وأفضل وضع وأعدله، وأكمل صورة وأبهاها، وكانت شخصيته صلوات الله عليه، مثالا للصفات الحسنة والأخلاق السامية، فإن جميع ما يصدر منه من حركات وسكنات، وأقوال وأفعال، يسير وفق الاعتدال والاستقامة والوسطية، ويهدف إلى معاني الاستخلاف، كما يهدف على معاني العبودية في أبهى وأجمل صورها وتجلياتها.
ولقد بين الإمام أحمد بن تيمية أن ” طريقة أهل السنة، اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ”عليكم بسنتي” إلى آخر الحديث. فهم إنما سموا بأهل السنة لهذا المعنى، وسموا أهل الجماعة لأن الجماعة هي الاجتماع، وضدها الفرقة، نسبة إلى الأصل الثالث وهو الإجماع، ويقصد به الإجماع المنضبط وهو ما كان عليه السلف الصالح إذ بعدهم كثر الاختلاف، وافترقت الأمة”1.
وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عماله بتعلم السنة والفرائض واللحن أي اللغة، وقال إن ناسا يجادلونكم- يعني بالقرآن- فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله”2.
” وقال الأوزاعي رضي الله عنه: اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم”3.
“وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ”4.
إن أبا بكر رضي الله عنه عندما يخاف على نفسه أن يقوم بعمل أو يسلك مسلكا يكون العقل وحده فيه قائدا، فإنه ينطلق من قناعة راسخة مفادها أن سنة من لا ينطق عن الهوى أولى بالاتباع والاسترشاد، حتى في أدق الأمور.
هذا ويستفاد أيضا من قول أبي بكر رضي الله عنه: “…إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ” أن تمام العقل مشروط بتمام السنة والهدي النبوي، أي كلما كان المسلم أعلم بالسنة، وأحفظ لها وأحرص على فعلها وممارستها، كان عقله أقرب إلى التمام والكمال والفكر الصحيح. ولذا نفى الله العقل عن المشركين والكافرين، قال تعالى: ”وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير”5. وقال أيضا: ”تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون”6.
فنور العقل من نور السنة، وظلامه من ظلام الكفر أو الجهل أو البدعة. ”قال أبو عثمان الحيري: من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة”7.
كما أن المسلم الذي لا يحرص على اتباع السنة وتعظيمها، يوشك أن يقع في البدعة، خاصة إذا كان إلى الجهل أميل. كما أن نور السنة إذا دخل القلب وسطع في جوانبه، بدد كل ما فيه من ظلمة الضلالات والبدع، فكذلك ظلام البدعة إذا تمكن من القلب نفى عنه كل ما له علاقة بنور السنة.
” قال سفيان الثوري رحمه الله: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها. وقال الفضيل بن عياض: من جلس إلى صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإيمان -أو قال الإسلام- من قلبه”8.
وخلاصة القول، إن إقامة السنة ومراعاتها والحفاظ عليها، يجعل الإنسان المسلم يحيا دائما في حال من الوعي الداخلي، واليقظة الشديدة وضبط النفس. ثم إن الانضباط السلوكي وفق تعاليم الرسول صلوات الله وسلامه عليه، المبثوثة في سنته الغراء، يقوي إرادة المسلم ويضاعف من طاقاته العقلية والروحية، فيغدو أكثر نشاطا وفاعلية ونفعا، وأقدر على القيام بوظيفة الاستخلاف. وهكذا من خلال إقامة السنة والحفاظ عليها، ومن خلال ذلك الانضباط السلوكي وفقا لمبادئها وتعاليمها، تصبح شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم متغلغلة في كيان المسلم، ومِؤطرة لسلوكه وحياته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- أحمد بن تيمية؛ مجموع الفتاوى، ج3/ص157.
2- الشفا بتعريف حقوق المصطفى ن الجزء الثاني ص:9.
3- عبد الرحمن أبو بكر السيوطي: ” الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع” تحقيق مصطفى عبد القادر عطا/ دار الكتب العلمية بيروت لبنان 1408/1988/ ص:12-13.
4- الشفا، المرجع السابق ج 2/ص:12.
5- سورة الملك، آية:10.
6- سورة الحشر، آية:14
7- أبو بكر جابر الجزائري؛ “هذا الحبيب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم “، المكتبة العصرية صيدا، 1420-1999، ص:366.
8- السيوطي: الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع”، دار الكتب العلمية، بيروت 1408-1988؛ ص:19.
* د. عبد الله الشارف؛ “القدوة بين الاتباع والابتداع”، مطبعة الخليج العربي، تطوان المغرب، 2007، ص:10، وما بعدها.