السلفيون والانتخابات.. من هو الأصلح؟
ذ. إبراهيم الطالب (مدير أسبوعية السبيل)
هوية بريس – الثلاثاء 01 شتنبر 2015
لا أحد ينكر أن السلفيين بعد الحراك العربي أصبحوا مشاركين في الممارسة السياسية ترشحا وتصويتا، وتختلف حدة هذه المشاركة حسب البلدان، واللافت للانتباه بالنسبة للمتابعين أن المشاركة تكون من منطلق ديني شرعي مسؤول يحتاج فيه الأتباع إلى فتاوى من شيوخهم وهذا ينسجم مع منهاج الدعوة السلفية عبر العصور.
إلا أن هذه الفتاوى تبقى قاصرة عن الوفاء بالغرض في موضوع المشاركة والهدف منها، نظرا لما تعرفه السياسة من تشعبات وغموض وتنوع يكتنف كل فقرات اللعبة السياسية.
ويحتد هذا القصور عندما يكتنف الفتوى عموم يُبقي الأتباع في حيرة عندما يحاولون تحديد من هو الأصلح، الأمر الذي يظهر أن المسألة السياسية عند السلفيين لا زالت تحتاج إلى تعميق بحث وتكميل تأصيل، وسبر واقع وتتبع حال.
الحالة المغربية لا تعد استثناء مما سبق، حيث كثر الكلام بين السلفيين عن كيفية تحديد الأصلح خصوصا، بعد بيان الشيخ الدكتور المغراوي الذي اعتبر التصويت في هذه الاستحقاقات بمثابة الشهادة التي على المسلم أن يدلي بها ما دامت الانتخابات تمر في جو من النزاهة والشفافية.
فكيف يمكن أن يستفاد من كتلة الأصوات السلفية في دعم الإصلاح والمصلحين دون أن تستغل من طرف الفاسدين وأعداء الدين؟
وكيف نمنع صعوبة التحيز إلى العدالة والتنمية بوصفها أكبر حزب ذي مرجعية إسلامية، من التأثير على أصوات السلفيين حتى لا يتم دعم مرشحين في أحزاب مثل الاتحاد الاشتراكي المعادي لانتشار التدين والعمل بالشريعة الإسلامية، والمحارب لما تبقى منها في المنظومة القانونية كالإرث والولاية والتعدد، أو مساندة مرشحي «البام» خصوصا البارزين منهم، الذين يحتلون منصب العمدة أو رؤساء المجالس لأن نجاحهم دعم لقوة الحزب وتقوية لموقعه الأمر الذي يعطيه قوة في الدفاع عن إيديولوجيته ومخططه، ومادام حزب «البام» يصرح قادته بدعم فصل الدين عن السياسة ومحاربة أسلمة المغرب ومساندة إغلاق دور القرآن وحرب التيارات الإسلامية، وتشجيع موازين واستضافة أعداء الإسلام أمثال القِمْني المصري، أما حزب الاستقلال فمع الحمى الشباطية لا داعي لصرف الحروف في التنبيه على فساده، فلا يعقل والحالة هذه، أن ندع كلمة الأصلح بعمومها وإطلاقها تهدر قوة الكتلة السلفية، لتسقط أصواتها في صالح أحزاب تعدي منهج السلف وعقيدة السلف وشرعة السلف وتاريخ السلف.
ومما يزيد في الإبهام وطول الوسطى، أن الواقع السياسي المغربي ليس كغيره، إذ ليس للأحزاب ولا للمجالس النيابية قدرة على تسيير الشأن السياسي بكل حرية، إذ لم يعد يخفى حتى على المواطن العادي أن تدبير المجال السياسي موزع بين حكومة منتخبة وحكومة ظل، وأن حزب «البام» هو امتداد لحكومة الظل في المساحات التي تشتغل فيها الحكومة المنتخبة، ناهيك عن الأحزاب الإدارية، بل حتى الأحزاب التاريخية صارت أداة لعرقلة العمل الحكومي والحيلولة دون نجاح تجربة الحزب ذي المرجعية الإسلامية.
فكيف يمكن للسلفيين أن يَدَعوا الجدل يستغرقهم حول مفهوم الأصلح ويشتت قوتهم، وهم على بعد أيام قليلة تفصلهم عن موعد الاستحقاقات؟
فهل الأصلح هو من سيقدم لقضايا السلفيين حلولا، ويفسح المجال لهم في العمل بعد الانتهاكات من طرف السلطات لحقوقهم، هذه الانتهاكات التي عززها وأيدها بل طالب بها حزب «البام» حيث ترافع نوابه في البرلمان وبقوة من أجل الإغلاق الفوري لجمعيات السلفيين؟
أم أن الأصلح هو من يهتم بحماية المال العام ويتفانى في خدمة الصالح العام، ويسهر على تدبير الشأن العام بنزاهة ومصداقية ونظافة يد بغض النظر عن انتمائه الحزبي وإيديولوجية حزبه؟
قد يقول بعض المتدخلين في النقاش، إن الانتخابات الجماعية ليست كالانتخابات التشريعية، لأن المرشحين فيها يقتصرون على تدبير الشأن المحلي وليس لهم علاقة بسن القوانين الذي تحكمه توجهات الأحزاب وقناعات رموزه وإديولوجياتهم.
فهل يمكن من الناحية العملية أن نفصل بين إيديولوجيات الأحزاب وتدبير المجالس الجماعية؟
بطبيعة الحال الجواب: لا، فالأحزاب تستمد قوتها من حضورها في تدبير المجالس الجماعية، فإذا كانت الأحزاب قوية في المجالس المحلية غالبا ما تكون قوية في المجالس النيابية، ثم كيف يمكن فصلهما وكل قياديي الأحزاب يترشحون في الاستحقاقات الجماعية ويكونون على الدوام على رأس قوائمهم الانتخابية؟
فلنتخيل أن مرشحا في دائرة ما هو الأصلح لكن اسمه يوجد ضمن لائحة على رأسها قيادي من حزب «البام» أو الاستقلال أو الاشتراكي، أي أمثال شباط والعماري ولشگر، لكن الأصلح عندنا في القائمة يوجد في المرتبة السابعة، فلو تبعنا قاعدة الأصلح وتركنا عمومها دون تخصيص وإطلاقها دون تقييد، وصوتنا عليه، فإن النتيجة ستكون هي دعم السلفيين لأمثال لشگر والعماري وشباط لأن الأصلح لن ينجح في نظام القائمة، حيث ستحتسب الأصوات لصالح الأوائل فيها فقط.
إذاً كيف يمكن للسلفي العادي في البادية بل حتى في المدينة أن يعرف الأصلح مع هذا التشعب وهذا العموم؟
ثم كيف يمكن أن نجتزئ الفعل والتأثير السلفي ما دمنا سنشارك في العملية السياسية، ونجعل هذا الفعل وهذا التأثير قاصرا مهلهلا، يمكن -إن لم يكن من الراجح- أن يصب في خدمة أعداء الدين؟
نعلم كما يعلم غيرنا أن الانتخابات آلية لإخضاع الأغلبية غير المنظمة لقوة وتسيير الأقلية المنظمة، وليست تعبيرا عن إرادة الشعب كما يحلو لجلهم أن يدعي، فأغلب الشعب لا يُلقي بالا للتصويت، بل حتى من يشارك فنسبة مهمة منهم تفعل مقابل المال أو مقابل المصلحة الشخصية، ولن تكون الانتخابات بشكلها الفوضوي المليء بالثقوب أداة للإصلاح، لكنها تبقى لها قوة الأمر الواقع، وصولة القرار المفروض، ووسيلة فريدة للتدافع في مجالها، أما التدافع بين الحق والباطل فمجالاته متنوعة مختلفة بتنوع واختلاف مناحي الحياة.
إننا لسنا في هذا المقال نروج للعدالة والتنمية، رغم أننا نرى أنها الأولى بأصوات السلفيين، لوضوح موقفهم من الفساد والمفسدين ودفاعهم اللامشروط عن قضايا السلفيين ودور القرآن، رغم الغبش والتلون الذي هو جزء من ممارسة السياسة اللادينية أو المخالفة للأخلاق الإسلامية، لكن قصدنا هو التنبيه إلى خطورة هدر أصوات كتلة مهمة من أبناء الشعب، كتلة لا زالت على مر العقود تسهم في الإصلاح وتقويه، وتحارب الفساد وتضعفه، وهذا من الأمانة التي جعلها الله في أعناق كل المصلحين.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.