الأصالة تنقد المعاصرة في انتخابات 4 شتنبر
ذ. إدريس كرم
هوية بريس – الإثنين 07 شتنبر 2015
لا أعتقد أن المؤسسين لحزب الأصالة والمعاصرة عندما اختاروا تركيب اسم الحزب من أصلاء، متواجدين في البوادي أو محسوبين عليها فكريا وإنتاجيا، وما تعنيه من محافظة، وتشبث بالتاريخ والهوية؛ ومعاصرين قاطنين بالحواضر أو محسوبين عليها فكريا ومهنيا، وما يعني ذلك من تخارج وغربنة، وتعلق بالمجهول، ونزوع نحو الانسلاخ مما هو وطني وديني وموروث حضاري وقيمي، للحصول على رضا الغزاة قدماء ومحدثين.
أصلاء مرتبطين بالماضي، أو هكذا ينظر لهم، كانوا دائما شوكة في قدم كل من أراد غزو المغرب واحتلاله، أو المس بمقدساته الدينية والوطنية على مر الدهور والأعصار، وعصريين حداثيين مهووسين بما هو غربي، باعتباره الخلاص من الدونية، عملوا كل ما بالوسع والطاقة لقلب النظام من أجل قلب المجتمع، وإصلاحه وفق المطلوب منهم القيام به، ولما خابت مساعيهم في ذلك، وفشل تطبيق النظريات المعتمدة، لعدم ملاءمة تلك المفاهيم لواقع الحال، فكانت المغامرات، التي تركت مآسي ودمار في النفوس والأبدان والأوطان، حملت أوزارها لمن لم يقدر الدفاع عن نفسه.
ونظرا للتغيرات التي عرفها العالم، والتي فرضت على الحداثيين من المغامرين إعادة تلبيس أهدافهم وتجميلها، وصياغتها صياغة لائقة بإشهار يخفي العيوب والمساوئ، على شاكلة تحرير المرأة من هيمنة الرجل، لوضعها تحت هيمنة المسلعين، والمفترسين من المستثمرين، والباحثين عن الربح، ولو بالإتجار في البشر.
أقول لم يكن المؤسسون للحزب يتصورون أنه سيأتي يوم، يقوم فيه الموسومون بالأصالة المحشورون به قصرا أو طمعا، لتكثير سواده، أو قطع الطريق على الذين يريدون أن يجعلوا منهم متراسا، لتوقيف زحف المعاصرة، الحاملة لعواصف الحداثة، التي لا مفاصلة لها مع ما هو أصيل، باعتباره من الماضي الذي لا يمكن إبقاؤه سوى في المتاحف، ومتاجر الأنتيكات، الخاصة بجلب السياح والفرجة على الغرابة، بإنقاذ الموصوفين بالمعاصرة من الذين تغربنوا وتعصرنوا، ثم تعلمنوا، ثم تحدثنوا، وأصبحوا يطالبون بالتشريع للحرية الفردية، التي لا تحدها حدود، ولا يضبطها ضابط، شعارهم هو دمر ثم دمر، حتى لا يبقى ما يحول دون التبعية للغرب والحصول على رضاه، الذي يشبه الكبريت الأحمر في النذرة والقلة، والملاءمة مع المطلوب عالميا، ولو كان العالم بلا دول آسيا، وإفريقيا، وأمريكا، اللاتينية، التي لا تقر المثلية، ولا تدمير القيم والأخلاق وأساليب التعايش والتساكن وتبادل الأدوار والمصالح التي راكمتها الإنسانية عبر القرون والأزمان، لصالح مرضى الذوق، وفاشلي التكيف مع الضوابط الاجتماعية، والمحددات القيمية والدينية.
وإنها لعمري مسألة تحار الأفهام في حلها، إذ كيف يصدق أن ينهض المرشح للتدمير لإنقاذ مدمره الساعي للقضاء عليه، ولإعطائه الكلمة الفصل، وتبويئه المكانة الأولى في التنافس الانتخابي في رابع شتنبر2015 ولإشراك المعاصرين في ما لم يهتموا به، من أمر الأصلاء، الفائزين في البوادي والهوامش، الذين تبوؤوا المكانة العددية الأولى من حيث عدد المستشارين الجماعيين، بعدما أخفقوا في تحقيق التفوق أو على الأقل ترجمة الحضور الجماهيري الذي يحلوا للإعلام نسبته إليهم، وذلك في المهرجانات المخلة بالحياء والمبذرة للأموال والطاقات، والمروجون لما يرفضه الأصلاء من قيم وأخلاق، الداعون للتطبيع مع المخدرات والمسكرات والقمار، والعري والتدريج، الذين خنسوا ولم يظهر لهم أثر في الصناديق الانتخابية، في المدن ومقرات الجمعيات المطالبة بالمناصفة والمماثلة، مما يطرح التساؤل حول عددهم، ومرجعيتهم، ومحركيهم، ومموليهم، والسر في عدم اهتمامهم بالشأن الوطني.
ربما لأن وطنهم خارج المغرب بسبب تبعيتهم الفكرية وارتباطهم المعرفي الوهمي أو الحقيقي الذي لا تقره لهم تلك المراجع لأنها تعتبرهم أهالي مستعمرات دورهم تقديم الخدمة، وليس ممارسة السيادة.
فهل يكون في هذا الواقع ما يدفع لأخذ الذين أرادوا جعل الأصالة مطية للمعاصرة، لتسهيل تفكيك بنيات المجتمع، وتحقيق ما عجز الغزو الفرنسي على تحقيقه بالحديد والنار، والمناورات والدراسات والإغراءات والإكراهات، بدء من تقديم الحماية للمواطنين، لإضعاف الدولة قبل مائة سنة، إلى تقسيم المغاربة وطردهم من أراضيهم لتسليمها للمعمرين أثناء الاحتلال، إلى نفي الملك محمد الخامس الذي رفض الانقياد لمشاريع التبعية والهيمنة، وأخيرا وليس آخرا فضيحة الصحفيين الفرنسيين، وقبلها ما وصف به ممثل فرنسا في الأمم المتحدة المغرب، ووو..
فهل من معتبر؟