شذرات ربيعية (ح7)
ربيع السملالي
هوية بريس – الإثنين 07 شتنبر 2015
* خاطبتها (متعمّدا) باسمها المجرّد دون تلك (د.) التي تسبق اسمها فغضبتْ وقالت: من فضلك لا تناديني باسمي مجرّدا، فقلت لها: سأناديك أختي لكن لا تنتظري مني أن أناديك (دكتورة) فورِمَ أنفها، وانتفخت أوداجها وارتعدت فرائصها وصرخت في وجهي: لا تناديني على كلّ حال!.. فتركتها في مكانها تعاني وتكابد صَلَفَ هذا المكابر الذي هو (أنا) والذي لا يعرف للناس قداسة ألقابهم!..
ثم تذكرت ما كنتُ قرأته عن هذه الألقاب التي أصبحت تُعبد من دون الله/ كما في كتاب أباطيل وأسمار لشيخ العربية محمود شاكر ص.77.78، وتغريب الألقاب العلمية للعلاّمة بكر أبي زيد، ومقدمة كتاب “المشوق إلى القراءة” للباحث علي العمران (ص:15.16)، وكتاب عاشق لعائض القرني (ص:243)..
وقد أحسن هذا الأخير حين قال: لقد كان أبو بكر الصّديق يُدعى باسمه مُجرّدا سهلا، وكذلك عمر وعثمان وعلي وسعد، فهل نقص قدرُهم لنقص الألقاب، أو خفّ وزنهم لحذف الأوصاف؟ لا وربي، فهم في العيون والقلوب وبطون الكتب وعلى رؤوس المنابر، وفي حلبات المجامع! فالحذر من الإسراف المُتهالك على أوسمة الألفاظ، والإخفاق في عالم الذّات! وذكر البحّاثة بكر أبو زيد في رسالته (التغريب) أنّ الإمام المُحدّث أبا إسحاق السِّبيعي قال له شخص: أأنت الشّيخ أبو إسحاق؟ فقال لا أنا أبو إسحاق! أمّا أبو فهر فهو يتساءل بمرارة وهو يردّ على الدّعي لويس عوض في كتابه أباطيل وأسمار: ما هي هذه الإجازات؟ وكيف مُنِحتْ؟ ولمن تُمنح؟ وعلى أيّ أساس؟!
قال ربيع ولله درّ ابن رشيق حين قال:
ممّا يزهدني في أرض أنـدلـس***أسـمـاءُ مقـتـدر فـيـها ومـعـتـضـد
ألقاب مملكة في غير موضعها***كالهرّ يحكي انتفاخا صولة الأسد!
………………………………
* حاولتُ مرّة أن أفجّر طاقاتي ومواهبي في مجتمع يعجّ بالأميّة والتّخلّف فوشى بي ابن سلول واعتقلني أبو جهل وضربني أبو لهب وهدّدوني بالسّجن والنّفي والقتل! بعدما ألصقوا بي تهمة (إرهابي متطرّف خارج عن القطيع)… ومن بعد إطلاق سراحي التزمتُ الصّمت وصرتُ حِلْسَ بيتي لا أبرحه إلاّ لضرورة ليس لي منها بدّ!
………………………………
* لا أذكر آخر مرّة رأيت فيها من يحمل كتابا بين يديه في الأماكن العامّة أو الحافلة أو العيادات، لكنني أذكر جيّدا أنّ ذلك كان من أكثر من عشر سنوات! قبل أن تظهر هذه الهواتف الذّكية التي تُستعمل بأيادٍ غبيّة في الغالب!.. هذه الهواتف التي فرّقت جماعتنا، وأبعدتنا عن أسرنا، وأسرفت في دفعنا عن كتبنا وتواليفنا التي كنّا نسكن في بواطنها اللّيالي ذوات العدد… بل قد جعلت منّا كائنات بلا روح تجلس السّاعات الطّوال عاكفةً على (العبث) كفيلسوف ضائع لا يعرف المغزى من وجوده..!
ولعلّ من المفيد أن أسجّل هنا ما كنت قرأته عند بعض المُحدَثين، فربّ كلمة مختصرة ينفع الله بها خلائق لا نشعر بوجودهم فيكون لنا الأجر والثّواب، في هذا الشّهر الفضيل: فإنّك كلما قرأت فُتحت أمامك آفاق واسعة من المعرفة، والتجارب، والدراية، فكل سطر له معنى، وكل كلمة لها رمز، وما عليك إلا أن تكون قارئا ذكيّا يوظف المعلومة، ويجيد تخزين المعرفة في ذاكرة اكتسبت الوعي من المران، وحفظت الفوائد بالمراس، افتح كتابا نافعا وكأنك فتحت مدينة، وطالع ديوانا مفيدا وكأنك طالعت قارة، إنما المهم أن تقرأ، وأوصيك دائما أن تقرأ، ولو قبلت نصيحتي لقلت لك: اقرأ!
………………………………
* جلستُ قبل أسابيع إلى أستاذنا الشّيخ الأديب محمّد بن إدريس بلبصير (الضّرير) الذي يبلغ من العمر سبعين سنة، فتجاذبنا أطراف بعض الأحاديث، ثمّ ناقشنا تغريدتي الموجودة في كتابي [الأفكار ص:124]: (ما كنت أراه صوابًا وأتعصّب له إذ كنتُ ابنَ عشرين، أصبح عندي لا يُساوي قُلامةَ ظُفر وقد تجاوزتُ الثّلاثين)! فقال لي حفظه الله: صدّقني يا ولدي ربيع حين تصل إلى الخمسين إذا كان في العمر بقيّة، ستضحك بمِلْء فيكَ عن أكثر ما تراه وتعتقده الآن -في ثلاثينياتك وحتى في أربعينياتك – أنّه عين الصّواب الذي لا يجوز التّراجع عنه قِيد أنْمُلة! فقلتُ له: إذن ما قيمة قراءتي واجتهادي واعتقادي الآن إذا كان الحالُ كما وصفتَ؟! فضحك واثقا ثمّ قال بصوت كمعزوفة تهفو إليها أذناي: قراءتك واجتهادك وتجربتك في الحياة هي قائدك إلى السّخرية من حماس الشّباب وتهوّره! لذلك قال السّلف: رأي الشّيخ أحبّ إلينا من مشهد الغلام!
………………………………
* بعضُ من ابتلاهم اللهُ بالغباء يَعتقدونَ أنَّ الأديبَ الذي يحدّثُ النّاسَ عن نفسِه مُوغل في (أناه) ومسرفٌ في (نرجسيته)، ومبالغ في حبّه لذاته!.. وهذا كلام باطل لا يقوله إلاّ جويهل ضائع لم يتشرّف من قبل بدراسة الأدب وتذوّق فنونه!.. وكم كان يجول بخاطري أن أكتبَ عن هذا الفهم السّقيم والظّلم العظيم الذي يرمي به من لا خلاق لهم غيرهم من النّاس، حتّى إذا كانت ليلة العيد قبل أيّام جعلتُ أطالع بعضا من مقالات الشّيخ الأديب (علي الطّنطاوي) فإذا بي أجد ما كنت سأقوله فارتحت ارتياحا واطمأنّت نفسي إليه اطمئنانا.. وحمدتُ الله حمدا كثيرا أن كفاني مؤونة الكتابة، إذ إنَّ قلمي ليس كقلم الطّنطاوي ولا نصيفه، واحترام القرّاء وثقتهم له ليس كاحترامهم وثقتهم بربيع السّملالي!
فدونكم قوله غير منقوص كما في كتابه: (“من حديث النّفس”؛ ص:89 / تحت مقالة / عيدي الذي فقدته): ولا تقولوا إذا سمعتم حديثي: هذا رجل لا يتكلّم إلاّ عن نفسه. فكذلك الأدباء كلّهم؛ لا يتكلّمون إلا عن أنفسهم، ولكنّهم إذ يصفون أحلامَها وآلامَها يصفون أحلامَ الناس كلِّهم وآلامهم، فهم تراجمةُ العواطف، وألسنة القلوب، وصدى الخواطر، حتى ليقول القارئ إذ تمرّ به آثارُهم: ما هذا؟ إنَّ في هذا التعبير عمّا أحس به؛ إنه وصف لي أنا وحدي… وما هو له وحدَه؛ إنّه وصف لكل نفس بشرية. ألا ما أعظمَ فضلَ الأدباء على الناس! ولكنّ النّاس لا يشكرون!
………………………………
* لا يوجدُ لا في القُدامى ولا في المُحدَثين من تكلّم عن الكتاب بطريقة أدبية طويلة بديعة كأبي عُثمان عمرو بن بحر الجاحظ، في مجلده الأول من كتاب الحيوان.. وكلّ من جاء بعدَه فهو عالة عليه في هذا الباب!.. فلله أبوه ما أفصَحَه وما أطولَ نفسَه في الكتابة النّثرية!
………………………………
* قال لها: لم أقرأ لأحدٍ من قبلُ يكتبُ بهذا الإبداع الذي تخطّينه بيمينك، وهذه الرّوعة التي يمتاز بها قلمُك الثّرّ! فشعرت بزهو وافتخار وكاد العُجبُ والغرور يفتكانِ بما تبقّى في وجهها من حياء! ثمّ اكتشَفَتْ بعد ذلك أنّ هذا المُجاملَ الغالي (من الغلو) لم يقرأ كُرّاسةً ولا كتابًا ذا بالٍ طولَ حياتِه!
………………………………
* من خصالي الجميلة في (الفيس بوك) قَبول طلب صداقة كلّ من يضع في صورته الرّمزية علاّمة العربية أبا فِهْر محمود شاكر، والحذف المباشر لمن يضع الظّالم المبير عبد الفتاح السيسي أو الدّجال الأثيم عدنان إبراهيم!
………………………………
* الرّوائي الذي يقمع (الآخر) في رواياته ولا يعتني إلاّ بـ(أناه) عبر بطله الذي يتّفق مع توجّهه، روائيّ فاشل ذو أفق ضيّق وتفكير محدود وتصّورات إقصائية! ولو اتّخذ له حِرْفةً أخرى بدل الكتابة لرحم نفسه ورحم القارئ معه!.. ولله درّ دوستويفسكي الذي يجعل النّفس الإنسانية في رواياته -على اختلاف مشاربها- تعبّر عن ذاتها وتجادل عن تصوّرها في الوجود ونظرتها للكون والحياة! دون قمع أو إبعاد مؤمنا بالتّعددية الفكرية وثقافة الاختلاف! غير جاعل من نفسه حكما على شخوصه وأبطاله الذين ارتضاهم لأعماله الإبداعية!
لذلك كان لزاما على الرّوائي أن يدرس الأديان والمذاهب وعلم الاجتماع والفلسفة.. وينغمس وسط بيئته ما وسعه الانغماس لأنّ الكتابة على الشّيء فرع عن تصّوره! هامش: الماركسي الخبيث حيدر حيدر في روايته (وليمة أعشاب البحر) جعل صوت بطله يعلو ورؤيته تنتصر على المخالف المسلم الذي مارس عليه قمعا فكريا واختار له اسم (الحاج محمد) مصورا إياه بطريقة بشعة سيئة تجعل المتلقي ينفر منه ومن إسلامه!