توثيق الروايات في فضل عشر ذي الحجة وفقهها
الشيخ حماد القباج
هوية بريس – الجمعة 11 أكتوبر 2013م
الرويات:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: »ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر. فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال: ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا رجل خرج (يخاطر) بنفسه وماله (في سبيل الله) فلم يرجع من ذلك بشيء«.
رواه البخاري (969) وأبو داود (2438) الترمذي (757) وقال: “حسن صحيح غريب” والدا رمي (1773) وابن ماجه (1727) وأحمد (1968) و(3139) و(3228) وعبد الرزاق (4/376 و8121) والبيهقي (8392) وفي الصغرى (1419) كلهم من طريق الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.
ورواه الدارمي (1776) عن القاسم بن أبى أيوب (وهو ثقة والسند صحيح) عن سعيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: »ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى.. الحديث بتمامه.«
قال: “وكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يقدر عليه“.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
»ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام: عشر ذي الحجة؛ فأكثروا فيهن من التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد«.
رواه أحمد (5446) وعبد بن حميد (807) من المنتخب، وابن أبي شيبة (4/332) من طريق يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عمر به. ويزيد هذا ضعيف، لكن تابعه موسى بن أبي عائشة عند أبي عوانة في صحيحه، وقد صححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند (5/68).
تنبيه: الحديث رواه خالد بن يزيد عن مجاهد عن ابن عباس، فجعله من مسند ابن عباس وهذا خطأ، كذا أخرجه الطبراني (11116). ورواه معمر عن يزيد عن مجاهد مقطوعا، وقال في آخره: “وهي العشر الذي أتمه الله لموسى”، أخرجه عبد الرزاق في المصنف (4/376-8119).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
» ما من أيام أحب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام، قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا من خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع حتى تهراق مهجة دمه«.
رواه أحمد (2/161) بسند فيه أبو عبد الله مولى ابن عمرو وهو مجهول، لكن رواه أيضا في (2/167) بسند آخر ضعيف؛ علته إبراهيم بن المهاجر، وهو لين الحفظ، فيتقوى أحد السندين بالآخر، فالحديث ثابت عن عبد الله بن عمرو.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
»ما من أيام أحب إلى الله أن يُتَعبّد له فيها من عشر ذي الحجة؛ يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر«.
رواه الترمذي (758) وابن ماجه (1728) وابن الأعرابي في المعجم (938) والبيهقي في الشعب (3480) وابن عدي في الكامل (8/326-327) مختصرا. قال الترمذي: “هذا حديث غريب”. قلت: أي ضعيف، لكن شطره الأول ثابت بما سبق. وانظر الضعيفة (5141).
وفي الباب: عن عبد الله بن مسعود، وجابر بن عبد الله، رضي الله عنهم.
الأول: رواه الطبراني (10455) وقال الهيثمي في المجمع (4/16): “رجاله رجال الصحيح”.
والثاني: رواه أبو يعلى في مسنده (2086) وقال الهيثمي: “فيه محمد بن مرزوق العقيلي؛ وثقه ابن معين وابن حبان وفيه بعض كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح، ورواه البزار”.
وفي الباب أيضا عن ذر بن عبد الله رحمه الله مرسلا: أخرجه عبد الرزاق في المصنف (4/375-8118) بسند صحيح عنه.
فقه الروايات:
دلت هذه النصوص على فضيلة الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة وأن العمل الصالح فيها (كالصلاة والصيام والعمرة والذكر والصدقة والدعوة إلى الله..) أعظم أجرا منه في غيرها.
فالصحابة كان متقررا عندهم أن أفضل الأعمال بعد الفرائض الجهاد في سبيل الله، وفي ذلك أحاديث، منها:
عن أبي ذر رضي الله عنه قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال:»إيمان بالله، وجهاد في سبيله«.
رواه البخاري (26 و1519) ومسلم (83).
والجهاد هو أعلى ما في هذا الدين وأرفعه؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
» رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد«.
رواه أحمد (5/230 و236) الترمذي (2616) وقال: “حسن صحيح”. وابن ماجه (3973).
ومع هذا كله، كان العمل الصالح الذي يعمله المسلم في هذه العشر؛ من صلاة وصيام وصدقة.. ونحوها، أفضل من الجهاد، وأكثر أجرا منه، إلا مسلما خرج للجهاد في سبيل الله، وأنفق في ذلك ماله كله، فقُتل.
فما أعظمها من غنيمة، وما أنفسها من هدية ربانية، والحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. فعلى المسلم أن يكثر من الأعمال الصالحة في هذه الأيام: كما في الحديث السابق:
»فأكثروا فيهن التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد«.
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم:
»أنه كان يصوم تسع ذي الحجة«.
رواه أبو داود (2437).
وقد رغب في صيام التاسع منها وقال:
»أحتسب على الله أن يكفر بصيامها السنة الماضية والتالية«.
رواه مسلم.
وعن عمر رضي الله عنه قال:
»ما من أيام أحب إلي أن أقضي فيها شهر رمضان من أيام العشر«.
رواه البيهقي (4/472-8395).
قال الحافظ ابن حجر:
“والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة؛ لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهي: الصلاة و الصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره“.
فتح الباري (2/585).
وقال ابن الملك:
“لأنها أيام زيارة بيت الله، والوقت إذا كان أفضل كان العمل الصالح فيه أفضل“.
تحفة الأحوذي (3/501).
واليوم العاشر منها هو يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر، وفيه يقول نبينا صلى الله عليه وسلم
»أفضل الأيام عند الله يوم النحر«.
رواه أبو داود (1765) وصححه الحاكم، وقال ابن القيم: “إسناده صحيح” التبيان (ص 19).
وقد جعله الله تعالى لهذه الأمة عيدا:
عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال:
» قد أبدلكما الله خيرا منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى«.
رواه أبو داود (1134) وصححه ابن حجر في بلوغ المرام رقم (523).