حزب الله… من أسطورة تموز إلى فضيحة القصير
هوية بريس – إحسان الفقيه
الأربعاء 16 شتنبر 2015
“الثورة الفاضحة”.. هو أنسب وصف تُنعت به الثورة السورية، والتي أسقطت الأقنعة، وكشفت الغطاء عن المستور، وأخرجت ما وراء الكواليس.
حزب الله اللبناني الشيعي، إحدى الجهات التي فضحتها الثورة السورية، وكشفت عوارها.
عودوا بالذاكرة يا قوم، إلى الماضي القريب، عندما كانت الخطب النارية العدائية ضد الكيان الإسرائيلي، والتي يلقيها الخطيب المُفوّه حسن نصر الله، تدغدغ العواطف، وتُشبع وجدان المشاهد، والذي وجد ضالته المنشودة في ذلك البطل الذي أطلقوا عليه “صلاح الدين القرن العشرين”.
كيف لا، وصواريخه توجه إلى الكيان “الإسرائيلي” المحتل؟ هكذا نظر كثير من الناس في مختلف الشعوب الإسلامية إلى نصر الله وحزبه، فاكتست الشرفات كما زجاج السيارات بصور الزعيم وحزبه.
وأما الذين حذّروا آنذاك من الخديعة الكبرى، وأكدوا على حقيقة حزب الله وعداوته الحقيقية لأهل السنة، كانوا هم الطائفيين الحاقدين.
* اليوم نتساءل جميعا: أين صواريخ حزب الله؟ لماذا كفّ حسن نصر الله عن (الجعجعة) ضد إسرائيل؟ أين ذهبت كتائبه؟ لماذا لم يعد يتحدث عن محو إسرائيل وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر؟
عفوا فالرجل مشغول عن العدو الإسرائيلي، حيث زجّ بكتائبه إلى داخل سوريا، لقتال الثوار، ومنْع سقوط نظام الأسد الدكتاتوري القمعي، فلا وقت ولا نية لديه، ليرسل بعض صواريخه إلى تل أبيب.
حقيقة عداء حزب الله مع “إسرائيل”:
كانت “الرسالة المفتوحة للمستضعفين” التي أعلن فيها حزب الله توجهاته السياسية والفكرية عام 1985م، بمثابة الوثيقة الأساسية الرسمية التي اعتبرها الجميع تُحدّد أيديولوجيته.
في هذه الوثيقة، دعا حزب الله إلى تحرير فلسطين المحتلة كاملة من النهر إلى البحر، وإزالة إسرائيل من الوجود.
ولكن ما هو موضع هذه الوثيقة من الواقع العملي لحزب الله تجاه إسرائيل؟
* بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، أعلن حسن نصر الله في “بنت جبيل” أمام مائة ألف جنوبي، أن حزبه لن يشارك في أي عمل عسكري ضد إسرائيل من أجل تحرير فلسطين.
* وفي تفاهمات يوليو 1993م، وأبريل 1996م، تعهّد حزب الله بعدم ضرب أهداف إسرائيلية داخل فلسطين المحتلة ابتداء.
الأمر الذي يعني أن تحرير فلسطين والقضاء على الكيان “الإسرائيلي” خارج استراتيجيات حزب الله، وليس كما أعلن في الوثيقة.
* الأمر أكد عليه سابقا حسن روحاني الرئيس الإيراني الحالي والأمين العام لمجلس الأمن القومي سابقا، حيث قال: حزب الله مقاومة تقتصر على الأراضي اللبنانية”.
إنها إذن التُقية السياسية التي مارسها حزب الله بزعامة حسن نصر الله، والذي كان يلعب على عاطفة الشعوب الإسلامية ومكانة القدس لدى المسلمين، تماما كما فعلت إيران التي صنعته في لبنان، باعتباره ذراعا عسكرية لها في المنطقة ينفذ أجندتها.
أكذوبة حرب تموز 2006م:
تلك الحرب التي روّجها إعلام حزب الله على أنها انتصار ساحق على العدو الإسرائيلي، لم تكن سوى رد فعل على العدوان الصهيوني، ولم تتحقق على إثرها أي نتائج واقعية على الأرض لصالح لبنان أو فلسطين، إنما كان المُنتفع منها إسرائيل وإيران.
المكاسب “الإسرائيلية” من حرب 2006م:
إسرائيل من خلال هذه الحرب سوقت كعادتها للأخطار التي تتهددها وتحيق بها ومن خلالها تتلقى الدعم وتحقق المكاسب، يقول الكاتب والحقوقي الجزائري أنور مالك: “السياسية الإسرائيلية دائما تستثمر في التهديدات والمخاطر الخارجية على الوجود اليهودي من أجل كسب الدعم الدولي فقط، وفي هذا السياق نذكر مثلا أن جوناثان غولدبرغ رئيس تحرير صحيفة “ذي فوروارد” اليهودية قال: وحدة الرأي العام اليهودي والأمريكي في دعمه إسرائيل ناجمة عن المحرقة، وعن فكرة أن “إسرائيل” من دون دعم تواجه خطر الموت”.. من كتاب صدر عن مركز أميّة اشترك فيه مجموعة باحثين..
* لقد ربحت “إسرائيل” من هذه الحرب حماية حدودها بقوات دولية “اليونيفيل”، وبذلك قطعت الطريق على المُقاومين وأمّنت حدودها ضد العمليات التي كانت تنفذها المقاومة الفلسطينية في الداخل الإسرائيلي عن طريق لبنان.
ولم تكن قصة مزارع شبعا سوى ملف قديم تم إخراجه للوجود بعد الانسحاب أحادي الجانب من القوات “الإسرائيلية”، والذي وضع حزب الله وحليفه السوري في مأزق، تمثل كما يقول الباحث أحمد فهمي في كتابه “حزب الله.. وسقَط القناع”:
“في أن مبرر التواجد العسكري السوري في لبنان هو حمايته والحفاظ على استقراره كدولة محتلة، وكان الحزب يتخذ من احتلال الجنوب اللبناني مبررا لاحتفاظه بالسلاح…، وفجأة تلاشى الاحتلال وتلاشى معه أساس الوجود السوري وأساس المقاومة نفسها، وكان لابد من البحث عن مخرج سريع للأزمة المحدقة، فتم إخراج قصة مزارع شبعا من الملفات القديمة”.
فأصبحت لبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي بها مقاومة دون احتلال (حزب الله)، وفي سوريا أرض محتلة دون مقاومة (الجولان)، ما دفع (حازم صاغية) الصحفي والناقد والمعلق السياسي اللبناني إلى أن يقول:” فليتوجه حزب الله إلى الجولان، بهذا تعم الفرحة الجميع، سوريا تتحرر، والحزب يمارس شوقه إلى الشهادة، ولبنان تستأنف حياة طبيعية”.
فلم يكن حسن نصر الله يوما مستهدفا من قبل إسرائيل، والتي لم تحاول اغتياله رغم معرفة تحركاته، فحزب الله بالنسبة إلى إسرائيل هو حارس الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، والقضاء عليه يعني أن تبقى هذه المنطقة رخوة، قابلة لاستقدام الجماعات الجهادية التي تبحث عن نقاط تماس مع العدو “الإسرائيلي”.
مكاسب إيران:
إيران هي أحد أبرز الأطراف الرابحة من حرب 2006، فهي حرب كان حزب الله يديرها بالوكالة عن إيران، في ظرف كانت تمارس فيه الضغوط الدولية والأمريكية على الملف النووي الإيراني، ومن ثم كانت إيران بحاجة إلى استخدام ذراعها العسكري في لبنان (حزب الله) لفك هذا الضغط عن طهران.
* العلاقة بين حزب الله وإيران معلومة للجميع منذ نشأته، وقادة الحزب لم يتوانوا في الانتساب لإيران وإظهار الولاء والانتماء والتبعية لها:
قال الناطق السابق لحزب الله “إبراهيم الأمين”: نحن لا نقول إننا جزء من إيران، نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران”.
وقال محمد حسين فضل الله المرشد الروحي لحزب الله: “إن علاقة قديمة مع قادة إيران الإسلامية بدأت قبل قيام الجمهورية الإسلامية، إنها علاقة صداقة وثقة متبادلة، ورأيي ينسجم مع الفكر الإيراني ويسير في نفس سياسته”.
كما قال حسن نصر الله: إننا نرى في إيران الدولة التي تحكم بالإسلام والدولة التي تناصر المسلمين والعرب. وعلاقتنا بالنظام علاقة تعاون، ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه، كما إن المرجعية الدينية هناك تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا”.
ويؤمّن مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشؤون العربية والإفريقية محمد صدر، على كلام نصر الله قائلا: ” السيد حسن نصر الله يتمتع بشعبية واسعة في إيران كما تربطنا به علاقات ممتازة”.
سوريا الفاضحة:
بعد أن كفّ حسن نصر الله وحزبه عن الجعجعة ضدّ “إسرائيل” -نظرا لأنه يتحرك في فلك السياسة الخارجية الإيرانية والتي لا تنشغل إلا بإقامة الهلال الشيعي وتصدير ثورتها المشؤومة- بدأ قناعه بالتشقق، وأدركت الجماهير المؤيدة للحزب وزعيمه أن تلك الحرب كانت تنفيذا لأجندات خاصة.
وزال القناع كلية عن وجه نصر الله وحزبه، بعد اندلاع الثورة السورية، وتوجه كتائب الحزب إلى سوريا لقمع الثوار والحفاظ على الحليف السوري.
* يقول الدكتور محمد السلمي: “يلعب حزب الله اللبناني دوراُ محورياً في الصراع القائم في سوريا ويسهم بشكل مؤكد في تماسك النظام السوري أمام عمليات الثوار في عدة مدن ومحافظات سورية، وبالتالي نجد أن الحزب، كما هو حال الجيش النظامي السوري، يستهدف في معظم المعارك التي ينفذها الثوار والمعارضين وليس داعش والجماعات الإرهابية الأخرى التي يرى كثيرون أنها، بدورها، تقاتل الثوار السوريين، وتتحاشى التصادم مع الجيش السوري والمليشيات الشيعية المرتبطة بإيران”.
* تدخل حزب الله في سوريا عسكريا، فيما يعد خروجا صريحا عن السياق الوطني في لبنان، فكيف لحزب أن يتناول ملفا خارجيا بهذا الحجم دون الرجوع إلى الحكومة اللبنانية؟
السبب بالأساس أن لبنان قامت على ركيزة تجميع الطوائف بدلا من انصهارها، فرَعت الدولة المؤسسات الطائفية والتي توسعت في نشاطاتها إلى هذا الحد المخيف، عن حزب الله أتحدث.
كان لحزب الله الدور الأبرز في عدم صمود (القصير) ثم سقوطها، بعد أن أحرقوا أهلها أحياء، وسفكوا دماءهم وانتهكوا أعراضهم، ورفعوا الشعارات الطائفية على مآذن المساجد.
وكالعادة مارس نصر الله كذبه المعهود، حين ادّعى أن تدخل الحزب في سوريا لمواجهة التكفيريين الإرهابيين والحفاظ على العتبات المُقدّسة، وحماية العمق اللبناني.
* لقد كشف نصر الله عن طائفيته المقيتة، وعن خروجه عن السياق الوطني، عندما دعا بحسب ما قال الباحث اللبناني فادي شامية “خصومه في لبنان (أي أهل السنة) إلى التقاتل معه على الأرض السورية تحت عنوان: (دعونا نتقاتل هناك ونحيد لبنان)، وهي دعوة لا يمكن لأي نظام في العالم مهما بلغ من الضعف ألا يعتبرها اعتداء عليه وعلى سيادة البلد الذي يحكمه”.
للتذكرة:
قال ضابط استخبارات “إسرائيلي” لصحيفة معاريف في سبتمبر 1997م: العلاقة بين “إسرائيل” والسكان اللبنانيين الشيعة غير مشروطة بوجود المنطقة الأمنية ولذلك قامت إسرائيل برعاية العناصر الشيعية، وخلقت معهم نوعا من التفاهم للقضاء على التواجد الفلسطيني، والذي هو امتداد للدعم الداخلي لحركتي حماس والجهاد”.