التجارة السياسية باللاجئ السوري في أوروبا
ذ. طارق الحمودي
هوية بريس – الخميس 17 شتنبر 2015
الذي لم يعرفه بعض الناس إلى الآن أن هؤلاء الرؤساء والسياسيين لا تحكم تصرفاتهم ولا خطاباتهم أخلاق فطرية أو قيم إنسانية، بل تحكمهم الحسابات المصلحية القومية، ومن ذلك ما انتشر في بعض المواقع من مديح عطر للسيدة «ميركل» التي صارت الأم الحنون على اللاجئين السوريين، ولم ينتبهوا إلى أن هذا ليس حنانا بل لؤما وخبثا سياسيا.
فألمانيا منذ سنوات وهي تستنجد بدول منطقة اليورو للحصول على يد عاملة مناسبة، لكن الاستجابة كانت ضعيفة ولذلك رفعت بصرها إلى خارج أوروبا، وأتيحت لها فرصتها الذهبية في اللاجئين السوريين، وفي تمثيلية اجتمعت على وضع السيناريو المناسب لها كل الدول الاوروبية، أعلنت ألمانيا ما جعل الناس ينظرون إليها على أنها حامية القيم الأوروبية
فهل صارت ميركل في رمشة عين رائدة الإنسانية والحريصة على حياة الإنسان وقد استقبلت البارحة قائد الانقلاب الدموي في مصر السيسي تحت ضغط شركة رأسمالية هي سيمانس. (راجع صحيفتي lefigaro:20/08/2014وle monde 21.08.2014).
فليست رحمة ولا إنسانية بل مصلحة سياسية وقومية، فألمانيا تتطلع إلى استغلال حالة اللاجئين السوريين لاستعمالهم في مصانعها ومعاملها وأشغالها العمومية -كما نبهت عليها المتطرفة اليمينية الفرنسية ماري لوبين- في مقابل لقمة عيش هنية وغرفة مكيفة بهية، ثم تربي لهم أولادهم تربية ألمانية بلا هوية، هكذا يهندسون، والسم في العسل يدسون، لكن من يدري لعل السحر ينقلب على الساحر.
هذه هي حكومة ميركيل كغيرها، ولمن أراد أن يعرف حكومة ميركل:
1- فحكومة ميركيل تتعاقد مع الكيان الصهيوني بتزويدها بأحدث الأسلحة آخرها غواصة قادرة على حمل صواريخ برؤوس نووية، مع تورطها في مجازر بغزة حيث قتل المئات.
2- حكومة ميركيل تمنع الاعتراف بدولة فلسطين من جهة واحدة، بدعوى أن الأمر يسوى بين طرفي النزاع!!!
3- حكومة ميركيل تستقبل قائد الانقلاب الدموي المتوحش في مصر السيسي حيث قتل المئات.
4- حكومة ميركل تتكتم على فضائح قائمة بأسماء شركات ألمانية ساعدت النظام السوري المتوحش على بناء ترسانته الكيميائية التي قتل بها مئات الأطفال السوريين، بدعوى أن ذلك قد يضر السياسة الخارجية، ويخالف الدستور الألماني.
5- حكومة ميركيل جكومة تمارس السياسة ولا يجوز لها أن تمارس الأنشطة الإنسانية.
وهل نسينا موقفها في الشهر الماضي فقط مع فتاة لاجئة فلسطينية لم تسو وضعية أسرتها في ألمانيا منذ أربع سنوات!!! موقف دعا جهات عاقلة إلى انتقادها؛ إذ تحدثت ميركيل مع فتاة صغيرة بلغة رجل السياسة الصارمة: «السياسة أحيانا قاسية. أنت الآن تقفين أمامي، وأنت شخص لطيف جدا، لكنك تعرفين أن اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان يعدون بالآلاف والآلاف، وإذا قلنا لهم جميعا يمكنكم أن تأتوا، وأن نقول لللاجئين من إفريقيا أن يأتوا، وأن يأتي الجميع. لا يمكن تصور هذا»، كلام دفع الفتاة الفلسطينية إلى البكاء.
هل نسينا أو أننا لا نتابع ما الذي تغير عند ميركل هل كانت تعني السوريين أيضا أم لا؟ أو إنها سياسة المصلحة القومية؟ فهكذا هي أخلاق الساسة الغربيين الأخلاق عندهم أخلاق السياسة التي تنفع البلاد ولا تضرها.
فليستفق بعض إخواننا من الغفلة وليعرفوا أنه لا فرق بين الحكومات العربية والغربية، فالسياسة جامعة وقوانينها واحدة، سوى أنها تأخذ شكل الإناء الذي توضع فيه، ولا تنسوا أن الألمانيين احتفلوا عند سقوط القدس بيد الإنجليز رغم أنهم كانوا حينها أعداءهم السياسيين لكنهم حلفاء العقيدة والتاريخ!
ومثلها جدها هتلر الذي أباد آلاف الأبرياء ومع ذلك أظهر مناصرة القضية الفلسطينية مع أن العرب عنده جنس حقير فقط طعنا في الإنجليز.
أكتب هذا لتصحيح الخطأ وتنبيه من أبهره فعل ميركيل، وإلا فحال اللاجئين يؤلم قلوبنا ونتابع قصتهم بحزن ولا مزايدة على أحزانهم، فحينما لا يجد الأنصار طريقة لمؤاخاة إخوانهم المهاجرين في بلاد المسلمين وتتخلى حكومات المسلمين عن إيواء اللاجئين السوريين مسلمين كانوا -للأخوة- أو غير مسلمين -للذمة والرحمة- فلا تستغرب من تعلقهم بأية قشة ولو كانت غاشة؛ حينما لا يجد اللاجئ السوري محلا له في قلب أخيه فكيف يجد له مكانا في بلده؟!
حينما تخلينا عن اللاجئين السوريين قام الغرب يزايد ويتاجر بقضيته مع نبتة من الإحساس بالمسؤولية الإنسانية وسط غابة من النظرة البراغماتية «واللي ما فيه ساير كتّر منّو» كما يقول المثل المغربي في بعض المدن.
حينها تقطر المستشارة الألمانية ميركل إنسانية ويعرض رئيس وزراء فينلاندا بيته في شمال فنلندا الباردة ثم أخيرا يدعو رئيس المعارضة الصهيونية «يتسحاق هيرتصوغ» الحكومة باستقبال اللاجئين لأنه لا يليق باليهود أن يتخلوا عن السوريين!!!
يا سلام فهل من مصفق لهذا اليهودي!
لسنا ننكر أن في أوروبا فئة صادقة لا تزال فطرة الخير في قلوبهم ممن ترق قلوبهم رحمة وتفيض عيونهم دمعا لما يرونه من أحوال المستضعفين، لكنك كلما اقتربت من المؤسسات السياسية تختفي هذه الفطرة، وتجد أنواعا أخرى من البشر من الدوغمائيين المنفعيين الباردين الذي يحسنون الكلام لا الأفعال فإن فعلوا فلحاجة في نفس السياسي.
أتذكر حينما بدأت حملات الغرب ضد الجمعيات الإسلامية الكبرى العاملة في بلاد المسلمين وغيرها بعد احداث 11 شتنبر والتي كانت تستطيع القيام بمسؤولية اللاجئين كلهم، فقد كانت صلة الوصل بين الأنصار والمهاجرين، ولكن الغرب -هذا الغرب نفسه- قطع هذه الصلة، وجمد أرصدتها، وقبض على كثير من أصحابها، وضيق على عملها، وهو اليوم من يتقاسم الأدوار على منصة المسرح، بعضهم يضيق.. والآخر يوسع.. ونحن نصفق..
فنسأل الله أن يلهم إخواننا السوريين العقل والثبات، حتى إذا دخلوا بلدان هؤلاء قبضوا على دينهم ولم يسلموه، وحرصوا على هويتهم حتى يفتح الله بينهم وبين عدوهم وأن يوصلهم الله سالمين حيث يظنون أنهم يجدون الأمان، فوالله إنا لنفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم، نفرح حينما يقع بصرنا على دموع ليث ماجد وهو يحتضن طفليه وهو يحس حالة طمأنينة لطالما بحث عنها، ونحزن حينما نفجع بصورة الطفل الصغير الميت على الشاطئ.
أكتب هذا لأن بعض العلمانيين والملاحدة جعلوا هذا مطية خبيثة للطعن في ديننا مستعملين أقبح أنواع السخرية، بل وصل الأمر ببعضهم إلى أن يقول عن الفنلندي: «لقد أتعبت من بعدك من الخلفاء»، وكتب آخر: «ارتفعت إنسانيتهم حينما انخفضت درجة تدينهم»..
فما هذا السخف والسفاهة؟! ألا يعلم هؤلاء أن فنلندا ثاني أكبر مصدر لتكنولوجيا الصواريخ لإسرائيل بعد الولايات المتحدة الأمريكية؟!!! والتي تسهم في قتل الفلسطينيين واستقرار اليهود في الأرض المحتلة!
وإني لأشم رائحة خبيثة في كل هذا، فحينما تخلى الغرب عن السوريين لبشار يحرقهم حرقا ويجوعهم هل كان حينها كما يظن فيه اليوم؟ ألم يكن يستطيع التدخل عسكريا لدفع الظلم عنهم؟ وهو الحلف الأطلسي القوي الذي تجوب جيوشه العالم والذي استطاع أن يسقط النظام الصربي النصراني حينما اقترب المجاهدون من فعل ذلك قبله؟!
أليس هو الغرب نفسه الذي لم يشترط على إيران خروجها من سوريا وآثر مصلحته الوطنية المحلية والعالمية على كل ذلك؟!
لا ينظر إلى تصريحات آحاد السياسيين وإن كانت صادقة منزوعة من سياقها، فالقوم في حرب سياسية ونفسية واجتماعية مع روسيا، وفنلندا مع الدول الإسكندنافية من الدول القريبة من روسيا، ومن الطبيعي أن يكون موقف الغرب إيجابيا ما استطاعوا في مقابلة الموقف السلبي الروسي وألمانيا النموذج فهي سيدة أوروبا اليوم.
هذا وغيره يؤكد على أنه ينبغي النظر إلى ما يحدث بعين بصيرة وأن لا ننخدع ولا ننجر بعيدا عن الحقائق الثابتة، والله تعالى يقول عن أئمة الكفر والملأ منهم: «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم».
صحيح أن فيهم من القلة من تدمع أعينهم للحق وشكرنا واصل لكل غربي على تعاطفه الصادق، وندين كل استغلال سياسي لقضية اللاجئين السوريين سواء كان استغلالا عربيا أو فارسيا أو غربيا أو روسيا..
أرجو أن يكونوا صادقين أرجو!
ولست أدعو إلى الطعن في النوايا بل الحذر من الخبايا في الزوايا!