تشومسكي: نموذج المثقف العاقل
ذ. يونس الناصري
هوية بريس – الجمعة 18 أكتوبر 2013م
لا يستطيع المرء أن يخفي إعجابه بعالم الرياضيات واللغويات والسياسات العالمية، المفكر الفهامة نعوم تشومسكي؛ الرجل الذي أدهش العالم منذ عقود بثقافته الواسعة، وعقله الوافر، وشجاعته منقطعة النظير؛ ذلك الرجل الملتزم بمبادئ الإنسانية وضوابط الكينونة البشرية، المدافع عن حق المظلومين المضطَهدين في العالم بأسره؛ إذ ما فتئ يهاجم سياسة بلاده الداخلية والخارجية، وسياسة الصهاينة العدوانية، بلا خوف أو تردد، وسرد أمثلة ذلك يطول.
لقد صدع مرات عديدة بالحق الذي اطمأنت إليه نفسه، مخالفا أصدقاءه وأبناءَ جلدته، الذين يقدمون مصالحهم الخاصة على البوح بالحقيقة، اتباعا لشهواتهم وتغليبا لعصبيتهم العمياء على الإسلام وأهله، وقد كانت القضية الفلسطينية -التي تملص خوفا من الدفاع عنها كثيرٌ من العرب المسلمين- من أشد المعارك التي خاضها ضد اليهود.
ومن آخر ذلك مشاركته في المؤتمر الدولي الذي نظمته جامعة فلسطينية حول اللغويات والأدب بعد وصوله مساء الخميس 18 أكتوبر/تشرين أول 2012م، وعقد قبل المؤتمر اللغوي مؤتمرا صحفيا قصيرا قال فيه: ” إنه كان ولا زال متضامنا مع الشعب الفلسطيني، ومؤكدا على ضرورة إنهاء الحصار اليهودي المفروض على قطاع غزة؛ ليعيش الشعب الفلسطيني بسلام وحرية “.
وبعد الانقلاب العسكري في مصر، وقف الرجل برأس شامخة وهمة عالية، مستنكرا الحدثَ، واصفا إياه بالانقلاب الصريح البين، ومستشنعا كل المجازر الفظيعة التي ارتكبتها أيادي الغدر الملوثة بدماء الشهداء إن شاء الله، ومبينا التواء سياسة دولته تجاه مجريات مصر، وتقديمها رجلا وتأخيرا أخرى، حرصا على مصالحها الشخصية.
إن عقل تشومسكي الرياضي وما عنده من احترام لأبسط حقوق الإنسان، لا يسمحان له بأن يخالف المنطق ولا التاريخ، كيلا يصغر في أعين باقي العقلاء، ويُزدرى به من كل جانب كما ازدُريَ بكثيرين؛ لذلك خرج مؤخرا بكلام واضح خطير – بعد استقراء لمجمل ما حدث بعد انقلاب 30 من يونيو- توقع فيه عودة الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي، واندحار الانقلاب الطائش الذي أصبح لسان حاله يقول:
لا تحسبوا أن رقصي بينكم طرب — فالطير يرقص مذبوحا من الألم
وشنع على حسنين هيكل موقفه المخزي وتلويثه لتاريخه لما دعم الانقلاب، كما ذكر في ثنايا كلامه أنه اتُّهمَ بحبه لمرسي وأنه عميل إخواني -كما اتهم أوباما وأخوه وكل من أنكر الانقلاب- ثم أكد أنه لا عيب في أن يُحَبَّ أولُ رئيس عربي مسلم شرعي منتخب بإرادة شعبه، مع إصرار تشومسكي على أنه ليس مسلما فسيف سيكون إخوانيا؟ إلا أنه يكره من يقولون ما لا يفعلون.
فمتى يستيقظ مثقفونا من غفلتهم؟؟؟