هل الجنس تناسل أو تواصل؟
ذ أشرف سليم*
هوية بريس – الثلاثاء 30 يوليوز 2013م
لا شك أن السؤال استفزازي، ومدغدغ جوانح اللاهثين إلى استكشاف عوالم الجنس المسكوت عنها في مجتمعاتنا ،و كاشف واقعا موجودا تعبر عنه حالات الجنوح والميلان نحو اللذة والمتعة والشبق الجنسي، وإطلاق العنان للغريزة الطبيعية دون ضبط وإلجام للفورة الجنسية العارمة . إن هذه القضية حساسة ومؤثرة في السلوك الفردي لدى الإنسان، وقد تعد قاصمة الظهر لأخلاق المجتمع، ومبعثا للتفسخ بشتى أنواعه، فدائما ترافق الحديثَ عن الجنس الإثارةُ وإيقاظُ الغريزة والتسربلُ بلباس الورع والتقى والعفة تارةً، أوِ الادِّثار بلباس فض الكبت الجنسي، والهيجان على المقيدات التي تصفد النزوع نحو إباحة الحديث عن الجنس علنا جهارا دون قيد أو شرط تارة أخرى.
صار من المغيبات الحديث العفوي عن الجنس، بل حراما يستحق فاعله التعزير، كون ذلك يشكل هدما للقيم والفضائل،و إذا سُومح الحديث عنه وجب، الاختصار والاتحاد على أن موضوع الجنس فطرة بشرية، وجب ممارستها داخل مؤسسة الزواج وكفى، وأي زيادة على ذلك فهو مبعث لإثارة الفتنة والشهوات.
لكن هذه النظرة لا تحل المشكلة، بل تزيدها تفاقما وتناسلا، بدليل ما نراه من شيوع واضح لمظاهر الجنس في الحياة العامة :في أحاديث الناس وسلوكاتهم وبعض أفعالهم الشاذة التي تعبر عن ضمأٍ جنسي واضح، وعن ثقافة جنسية منعدمة، فصرنا نرى حالات شبهَ علنية،حتى في شهر رمضان، تفجر مكبوتاتها الجنسية الدفينة، سواء بالدخول في علاقات غير شرعية بين الجنسين، أو الشروع في أفعال جنسية شاذة كاللواط أو السحاق أو زنا المحارم، ويصل الأمر خطورةً حين الاغتصاب، وهو فعل جنسي فيه إكراهٌ من أحد الجانبين على الآخر، للرضوخ للكبت الجنسي الدفين.
ثمة حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي أن مجتمعنا جاهل بالثقافة الجنسية، ويتعامل مع الجنس تعاملا حيوانيا، ويفتش عن تضاريس جسد الآخر فقط ضاربا عرض الحائط الجانب الروحي والعاطفي والوجداني في الجنس، ومن ثم تدب مشكلات نفسية وأسرية تِلْوَ الجهل الصارخ بالجنس.
إن ثقافة (حشومة) لم تكن دائما تجيد الطرح، وساهمت في هذا الجهل الجنسي، وفي مظاهر الكبت التي بدأت تطالعُنا بها بعض وسائل الإعلام، فأن تسمع اغْتصاب الأب لأحدى بناته،أو شخصا متزوجا لأحد الأطفال، أو هروبَ أحد الزوجين من فراش الزوجية، أو مغامرةَ عجوز أرملة أو مطلقة مع فتى، شغفها حبا وعشقا،و العكس أيضا مع عجوز كهل بلغ السن منه عثيا … فكلها أنموذجات للفشل الجنسي، وللأزمة النفسية التي تخلفها عدم إشباع نهم النفس من الأسئلة التي تراود فكر الإنسان عن الجنس، منذ مرحلة بلوغه، إلى اكتماله واقترانه، وممارسته الفعلية لذلك، لكن تكون النتيجة سيئةً حين نرى تلك الأنموذجات الحية .
أعجبتني عبارة للدكتور خالد المنتصر، رغم اختلافي البين معه، حين قال:الجنس تواصل لا تناسل، بمعنى أن مفهوم المجتمع تِلقاء الجنس أنه وسيلة للتوالد وتكثير النسل، وليس وعاءً روحيا ووجدانيا وعاطفيا يتماهى فيها جسدان رغبةً لا قسرا، ومن هنا يمكن أن نخرج بأن مشكلات مجتمعنا الجنسيةَ نابعةٌ من هذه الفكرة، أغلبية أفراد مجتمعنا لا يتمثلون هذه القولة، سواء حين يمارسون الجنس داخل مؤسسة الزواج أو خارجها، الذين ينقضون الشرع ويتمردون عليه، بممارسة الجنس خارج إطار الزواج، يسعون إلى نهمهم الشبقي، فتكون ممارستهم لا تجاوز الجسد، ولا تصل إلى الروح، فتكون ممارستهم أشبهَ بالتناسلية، حتى وإن ادَّعى البعض ممارستهم له خارج إطار الزواج بالتماهي الروحي والعاطفي، لكن غالبا هذا الوجدان يجب أن يكون ممزوجاً بالقيم التي تربت عليها النفس، فتأبى ممارسته خارج إطار الزواج، حفاظا على سمو النظرة الروحية إلى الجنس الوجداني التواصلي .
صار بعض الدعاة بمختلف مشاربهم الفكرية، إسلاميةً أو علمانيةً.. يدعون إلى المَتْحِ من معين الثقافة الجنسية، وإدخالها إلى المناهج الدراسية، وعدم الغَضَاضَة من الإجابة عن أسئلة الأطفال حول بعض الأسئلة التي تشوب الجنس،فالإسلام لم يغيّب الثقافة الجنسية من تشريعه، انظر إلى القرآن كيف تناول قصة يوسف عليه السلام،مع امرأة العزيز، بنوع من البوح عن سرائر أنفسهما الجنسية، وانظر كيف أن كتب الصحاح تبين لك كيفية مجامعة النبي صلى الله عليه وسلم لزَوجه بأدق تفاصيلها وحيثياتها، حتى إن عائشة رضي الله عنها بُهِثَتْ إلى نساء الأنصار، حين قالت رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمور دينهن.
سلاح الجنس سلاح فتاك، يستثمر فيه المتربصون بالإسلام أموالا كثيرة، من خلال إنشاء قنوات تلفزيونية،او مواقع إباحية تشهر سهامها صوب مريديها، وهذه حقيقة لا تنكر، فالمغرب يحتل رتبا متقدمة في زيارة أفراده هذه القنواتِ والمواقعَ الإلكترونية، مما جعل بعض أبناء جلدتنا يستثمرون في مثل هذه الأشياء للأسف، ويستقطبون فتيات صغيرات السن لعرض خدماتهن الجسدية، سواء للباحثين عن اللذة الجسدية التناسلية أو عرض أجسادهن في القنوات والمواقع الجنسية الإباحية.
حين يعي مجتمعنا أن الجنس ثقافة، وعلم، وبه يمكن أن تدوم العشرة الزوجية فحينها لن يجد هؤلاء المتربصون موطئ قدم في قيمنا وثقافتنا، أما حين يترعرع أطفالنا على الكبت الجنسي منذ الصغر، ويتأفف الأستاذ عن الإجابة عن أسئلة تلميذه الجنسية البريئة، أو الأستاذة مع تلميذتها البريئة، وكذلك الحال مع الوالدين، فحينها ستبقى هذه الصورة التي نجدها، من شتات أسري صدقوني إذا قلت لكم أن نسبة الفشل الجنسي طاغية فيه، أو تولية شبابنا وجوههم شطرَ المواقع الإباحية، ومواخير الدعارة، وشيوع العلاقات التي سأسميها علاقات التناسل لا التواصل، سواء في الزواج أو خارج الزواج، وذلك لغياب ثقافة التواصل الجنسي التي تنبني على الوجدان الروحي من كلا الجانبين، والذي يأبى ممارسته إلا في أرضيته المناسبة، وهي حتما الزواج .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ مادة اللغة العربية.