الحجاب شريعة الله في الإسلام واليهودية والنصرانية
سامي عامري – مركز التأصيل للدراسات والبحوث
هوية بريس – الثلاثاء 22 أكتوبر 2013م
صدر الكتاب تحت رعاية: المؤسسة العلمية العالمية الدعوية – مبادرة البحث العلمي لمقارنة الأديان
ــــــــــ
لكثرة اعتياد الناس رؤية السفور والاختلاط والعري والفواحش من غير المسلمات وخصوصا في الغرب النصراني واليهودي، ولكثرة هجوم الغربيين على المسلمات المحجبات وعلى الحجاب كمظهر إسلامي اعتقد الناس اعتقادا خاطئا بأن الحجاب من شريعة الإسلام فقط وأنه لم يذكر إلا في القرآن الكريم والسنة النبوية ولم يأت ذكره في غيره من الكتب السماوية والشرائع الإلهية.
والحجاب فخر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ونتشرف بالانتساب للإسلام وتتشرف نساؤنا بارتدائه كتطبيق لأوامر الله عز وجل لكنه لم يكن في الإسلام وحده بل كان حقيقة واقعة وأمرا إلهيا في كل شريعة أنزلها الله سبحانه.
ولهذا أصبح الحجاب مظهرا من مظاهر الصراع الفكري بين الفكرة الإسلامية والفكرة العلمانية، وتحمل لواء الدفاع عنه الإسلام والمسلمون وحدهم بينما تنصل من الدفاع عنه بل يمكن القول أنهم انحازوا إلى فئة المعادين للحجاب كثير من الطوائف النصرانية واليهودية في مخالفة صارخة لكتبهم وشريعتهم.
وازدادت الحرب على الحجاب شراسة بانضمام فئة من المسلمين في العالم الإسلامي إلى الفرقة المعادية للحجاب ممن تربوا على موائد المستشرقين الغربيين الذين تركوا ثوابت دينهم وانحازوا لأفكار خارجة عن الدين، فكانوا أشد على الإسلام وثوابته من أعدائه الأصليين نظرا لكونهم من جلدتنا ويتحدثون بألسنتنا ولهم من مكانة الأسماء والأسر والمناصب ما ييسر لهم من ان تُفتح لهم المنابر ويسمع لقولهم العوام ويغتر بقولهم الأغمار.
ومن هنا جاء سعي الكاتب لإبراز قضية هامة ولطرح قضية هي من الأصل قضية مثبتة لا تحتاج لإثبات لكنه طرحها لأنها تكاد تندثر من دنيا الناس وهي أن الحجاب ليس قضية إسلامية فقط وليس فريضة فيه وحده بل هي فريضة على كل نصرانية ويهودية إذا كانت حقا تدعي أنها لا تزال على الديانتين وأن المعنيين بالدفاع عن الحجاب ليسوا المسلمين وحدهم بل المفترض أن يتحد معهم في نفس جانب المدافعين عنه من يدعون أنهم ملتزمون بالديانة النصرانية أو اليهودية ليكونوا صفا واحدا في مواجهة العلمانيين وخاصة ان هذه القضية ليست من الخلافيات في الكتب الموجودة الآن.
فتحدث أولا في كتابة مختصرة لكنها وافية لان الكتاب لا يناقش الحجاب في الإسلام كقضية منفصلة، فتحدث عن الحجاب كفريضة إسلامية ثم ذكر بعض الشبهات حول الحجاب في الإسلام ورد عليها ردودا قوية وموجزة للتفرغ لموضوع الكتاب الأساسي ، فذكر الشبهات الباطلة المهترئة مثل:
الحجاب شريعة رجعيّة، وأن الحجاب امتهان لكرامة المرأة، وأن الحجاب تزمّت بغيض، وأن الحجاب يمنع المرأة من التعبير عن نفسها، وأن الحجاب في القلب وليس في الملابس.
ثم بدأ الكاتب في ذكر ما ورد عن الحجاب في اليهودية من خلال الكتب التي تسمى بالعهدين القديم والجديد وسنذكر أمثلة فقط لما ورد فيهما ومن أراد الاستزادة فعليه بالأدلة في الكتاب الذي بين أيدينا.
أولا: الحجاب وأدلته من العهد القديم
– في سفر التكوين: “ورَفَعَت رِفقَةُ عَينَيها فرَأَت إِسحق فقَفَزت عنِ الجَمَل، وقالَت لِلخادِم:” مَن هذا الرَّجُلُ القادِمُ في الحَقلِ لِلِقائِنا؟” فقال الخادم: “هو سَيِّدي”. فأَخَذَتِ الحِجابَ واحتَجَبَت به.”([1])
– وورد الحجاب بلفظ النقاب جاء فى سفر إشعياء: “انزلي واجلسي على التراب أيتها العذراء ابنة بابل. اجلسي على الأرض لا على العرش يا ابنة الكلدانيين، لأنك لن تدعي من بعد الناعمة المترفهة. خذي حجري الرحى واطحني الدقيق. اكشفي نقابك، وشمري عن الذيل، واكشفي عن الساق، واعبري الأنهار، فيظل عريك مكشوفا وعارك ظاهرا، فإني أنتقم ولا أعفو عن أحد.”([2]) ودل قول الربّ – بحسب ما يؤمنون – في هذا النص لهذه البنت: “اكشفي نقابك” يعد دليلا على أن الأصل في المرأة أن تكون منتقبة ، واعتبرت الموسوعة اليهوديّة([3]) هذا النصّ دليلاً على أنّ “واجب تغطية الرأس يعود إلى الأزمنة القديمة”.
– ويعتبر أهم نص في إثبات الحجاب ما جاء في سفر العدد عند الحديث عن الشريعة المسماة: “شريعة الغيرة”؛ فيقول النصّ عن الرجل إذا شك في زنى زوجته ولم يكن معه دليل مادي لإثبات ذلك أمام القضاء فعليه أن يأخذ زوجته إلى الكاهن الذي “يكشف رأس الزوجة، ويضع في يديها تقدمة التذكار التي هي تقدمة الغيرة، ويحمل الكاهن بيده ماء اللعنة المر. ويستحلف الكاهن المرأة قائلا لها: إن كان رجل آخر لم يضاجعك، ولم تخوني زوجك، فأنت بريئة من ماء اللعنة المر هذا..”([4])، والكشف لا يكون إلا بعد ستر وجوبي وهو نص واضح الدلالة.
ثانيا: الحجاب وأدلته من العهد الجديد
على الرغم من مصادمة بولس ومن معه للعهد القديم ورغبتهم في التخلص والتملص منه إلا أنهم لم يستطيعوا التجاوز أبدا في مسالة حجاب المرأة إذ كانت من المسلمات عند أهل الكتاب في ذلك الوقت ويدل على ذلك أن الصور المنتشرة للسيدة مريم عليها السلام لم تكن واحدة منها بلا غطاء لرأسها بما يتطابق تماما مع صورة الحجاب في الإسلام .
وهناك أدلة كثيرة من العهد الجديد تدلى على وجود الحجاب وفرضيته في الشريعة آنذاك منها:
– جاء في رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس: “فكل رجل يصلي أو يتنبأ، وعلى رأسه غطاء، يجلب العار على رأسه. وكل امرأة تصلي أو تتنبأ، وليس على رأسها غطاء، تجلب العار على رأسها، لأن كشف الغطاء كحلق الشعر تماما. فإذا كانت المرأة لا تغطي رأسها، فليقص شعرها! ولكن، مادام من العار على المرأة أن يقص شعرها أو يحلق، فلتغط رأسها” ([5]).
– قال الفيلسوف والمؤرّخ “Dio Chrysostom” -وهو من معاصري “بولس”- أن النساء في طرسوس-بلد “بولس”- كنّ يغطين أنفسهن عندما يكنّ في الشارع فلا يظهر منهن شيء” وهو الحجاب كما نعرفه في الإسلام تماما.
– وعليه سارت المجامع الكنسية فقد قرر القانون الخامس في مجمع إيرلندي عقد في منتصف القرن الخامس الميلادي بقيادة القديس باتريك أن زوجة القسيس: “لا بدّ أنّ تتحجّب عندما تخرج من البيت”.
– وفي كتاب الدسقولية وهو أحد أهم المراجع للكنائس الأولى وللكنيستين الأرثوذكسية المصرية والحبشيّة اليوم وكذلك جاء في كتاب المجموع الصفوي الذي يعدّ أحد أهم المراجع التشريعيّة للكنيسة الأرثودكسيّة المصرية، فقد جاء فيهما إلزام بأمر مباشر للمرأة بالحجاب: “لا تتشبهن بهؤلاء النساء أيتها المسيحيات إذا أردتن أن تكن مؤمنات، اهتمي بزوجك لترضيه وحده، وإذا مشيت في الطريق فغطي رأسك بردائك فإنك إذا تغطيت بعفة تصانين عن نظر الأشرار ولا تزوّقي وجهك فليس فيك شيء ينقص زينة وليكن وجهك ينظر إلى أسفل مطرقة وأنت مغطاة من كلّ ناحية، لئلاّ تكوني سببًا في إثارة الشهوة الرديئة في من ينظر إليها؛ فتجلب عليه الخطية لأنه يكون مخالفاً للوصيّة: “من نظر إلى امرأة ليشتهيها؛ فقد زنى بها في قلبه” ! ([6]).
فأين موقف النصارى الرجال والنساء من هذه النصوص التي تؤكد يقينا على ان موقفهم السلبي بل المؤيد للعلمانيين في معركة الحجاب بين الإسلام والعلمانية ليس موقفا دينيا وليس فيه أدنى التزام بتعاليم دينهم التي يقولون أنهم ينطلقون منها.
وفي النهاية: جزى الله الكاتب الكريم خير الجزاء على هذا الكتاب الشيق والنافع والذي يسلط الضوء على نقطة مهمة في التشغيب العلماني على الثوابت الإسلامية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سفر التكوين 24/64- 65 ترجمة كتاب الحياة، وفي ترجمة (الفاندايك): (فأخذت البرقع وتغطت).
[2] سفر إشعياء 47/1-3.
[3] “The Oxford Dictionary of the Jewish Religion“
[4] (سفر العدد5/18-19).
[5] رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس (11/4-10).
[6] متّى (5/27).