ثقافة القراءة واقتناء الكتب.. والاعتداء على حقوق الطبع بالتصوير الإلكتروني
هوية بريس – د. البشير عصام
الإثنين 28 شتنبر 2015
أعرف من الناس من يذهب مع أسرته إلى مطعم، ينفق فيه في الوجبة الواحدة ثمن ثلاثة كتب أو أكثر.
وليس الإشكال في هذا، فهو من أمور العادة التي الأصل فيها الإباحة..
ولكن الإشكال أنك إذا عرضت عليه اقتناء كتاب نافع، تذمر من غلائه، وتبرّم بثمنه، واحتج على جشع الناشرين، وطمع المؤلفين، وطالب بتصوير الكتب ونشرها على الشبكة مجانا، وتحدث عن كتمان العلم وخطره، ونحو ذلك من الكلام.
والحال أن الطعام يمضي وينقضي أثره بعد دقائق معدودات، وأن الكتاب يبقى نفعه سنوات بل عقودا مديدة إلى ما شاء الله!!
وقُل في غيرِ أنيق الطعام من ”التحسينيات”، ما قلتُه آنفا في الطعام، فإنما هو مثال لن تعدم له نظائر كثيرة..
والحق أنني أعذرك إن لم تهتم لأمر القراءة..
وأعذرك إن استوى في عينك الكتاب والكباب، والعلم والهضم، والورق والمرق، والقلم واللّقم.. أو فاق -في معاييرك- الثاني من هذه الأولَ منها..
وأعذرك إن كان الكتاب عندك فضلة من فضلات الحياة، تستغني عنه بسؤال جوجل، ومذاكرة الفيس، وثني الركب أمام اليوتيوب، مع كثير من التعالم والضجيج والدعوى ..
لكنني – بعد عذرك – أرجوك أن تكفّ ثرثرتك التي تُظهرها في زي النصح ..
واعلم أن الناشرين لا يرفعون الأثمنة إلا لركود السوق بسبب كثرة أمثالك ممن لا يرفعون بالقراءة رأسا، ولا يقيمون لاقتناء الكتب وزنا (ومع ذلك فإنني أرى أن أثمان الكتب عندنا ليست كبيرة في قيمتها الذاتية، ولا بالمقارنة مع أثمانها في دول الغرب).
واعلم أن ما تتأكد حاجة طالب العلم إليه من الكتب – وذلك هو الكتب الأصول التي تقوم عليها العلوم – موجودٌ مطبوعًا بثمن معقول، ومبذولٌ مصورًا لمن عجز عن الأول؛ وأن كثيرا من الكتب العصرية التي تمجُّها المطابع اليوم، ليست من هذه الأصول. فلستُ أجد لك رخصة في تقحّم حقوق أصحابها.
واعلم أن الكتّاب والأدباء والشيوخ في بلادنا يحتاجون إلى أعمال جانبية أخرى يطلبون من خلالها الرزق، فلا يمكنهم التفرغ للكتابة. ولا شك أن الإبداع يضمر حين تجد المبدع مهموما بأمور حياته اليومية، وأنت تضنّ عليه بدريهمات لا تكلفك شيئا، وقد تنقذه -حين تجمع إلى مثيلاتها- من بؤسه الذي لا تعرف منه شيئا، وتجعله أكثر تأليفا، وأوفر نشاطا.
وإن كان نظرك إلى فعل شيوخ الأمة المتقدمين: فقد كان للعلماء أوقاف دارّة يأخذون منها، وكانت لهم مناصب في القضاء والإفتاء والتدريس، تغنيهم عن سؤال الناس. ثم إن الحال اليوم غير الحال أمس، وابدأ بنفسك فخذها بزهد المتقدمين وتقشفهم وكفافهم، قبل أن تطالب غيرك بذلك!
وإن كان نظرك إلى الغرب الذي يُعد اليوم قدوة في باب القراءة والنشر، فاعلم أن حقوق الطبع عندهم محمية محفوظة بسلطة القانون، وأن من أدبائهم وكتابهم من يصبح ثريا ببيع مؤلفاته المطبوعة، بل بكتبه الالكترونية فقط (فإنها عندهم ليست بالمجان). أما الذين يعيشون منهم بريع الكتب والأبحاث والمقالات، متفرغا للإبداع، فحدث عنهم ولا حرج! والأسر الغربية تخصص لاقتناء الكتب ميزانية مخصوصة، والخزانات العامة تقتني من جديد الإصدارات نسخا كثيرة، وسوق الكتاب رائجة، وحالهم في هذا المجال -لمن يتأملها من بني جلدتنا- مؤلمة حقا!!
والكلام يحتمل البسط الكثير، ولكن يكفي من الوجع قليلُه الذي يوقظ الضمائر!!
والله المستعان.