بداية الإفلاس في مهرجان «البيرا والكاس»
د. رشيد نافع
هوية بريس – الإثنين 05 أكتوبر 2015
علينا أن نكون في قمة الحذر والحيطة، والخوف والمتابعة والملاحظة، والنصح والتوجيه والتوعية والتربية لأجيالنا، فإنهم يصارعون المخاطر، ويتعرضون للمتالف، وتحيط بهم المخاوف.
إن من ينظم مهرجانا للخمر تحت مسمى “البيرا” في مملكتنا المغربية المسلمة حفظها الله من مكر الماكرين، لم يغير من الحقائق شيئا ولو سموها بغير اسمها لأن النتيجة واحدة، سكر وعربدة وتشويه منظر الحياة، وإساءة لرونق الجمال، وتعكير لصفاء الوجود، إنها تصور الإنسان في أحط أشكاله، وأرذل أحواله، يوم يتخلى عن عقله، ويتنكر لفكره، ويتنصل من رجولته، ويبيع حياءه، ويقتل عفته، وينكس أعلام شرفه، يوم ينتقل من الإنسانية المكرمة إلى الحيوانية المهملة، والبهيمية السائمة بفعل أم الخبائث.
إن هذا المهرجان بوابة عظمى للدخول إلى سوق القبائح، وميدان الفضائح، إنه مفتاح لقفل الشهوات؛ فقد ثبت في الصحيحين في حادثة الإسراء أنه صلى الله عليه وسلم قال: “وأتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر، قيل: خذ أيَّهما شئتَ، فأخذت اللبن فشربتُ، فقيل لي: هُديت للفطرة أو أصبت الفطرة أما إنك لو أخذت الخمرَ، غوت أمتُك“، وفي بعض روايات ابن جرير رحمه الله أن جبريل قال: “أما أنها ستحُرم على أمتك، ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا القليل“.
يعيش هذه الأيام كل مواطن مغربي في قلبه مثقال ذرة من غيرة على محارم الله ومحارم المسلمين غصة ألم وحزن اعتصرت القلوب بعد ما شاهد وسمع من أخبار يندى لها الجبين وبعد ما قتل الحياء والحشمة والغيرة في قلوب الكثير من الناس عن مهرجان “البيرا” في نسخته الأولى الذي كانت ستحتضنه مدينة الدار البيضاء رئة مملكتنا المغربية الحبيبة وعلى مدى شهر كامل وإن كان ولابد من مهرجانات فتراث الأجداد حافل بالعطاء والذين هم والله براء من هذا الجنون والمجون، أم أنه إعلان للتبعية وتوهان الذات والإفلاس؟؟؟!!!
والعجيب الغريب الدول الغربية المتحضرة تقاومها أشد المقاومة، وتنشئ الجمعيات العديدة للتحذير منها، والسعي في نهي المجتمع عنها، لما علموا فيها من المضار الخلقية والاجتماعية والمادية، ولقد سبقهم الإسلام في ذلك فحذر منها غاية التحذير، ورتب عليها من العقوبات الدنيوية والأخروية ما هو معلوم لعامة المسلمين، بل ما أعظم الفرق بين امتثال المسلمين لامتثال النهي عن الخمر بكلمة واحدة من ربهم جل وعلا: “فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ” (المائدة:91)، وبين محاولات الغرب وأهله وما بذلوه من وسائل كلفتهم ميزانيات ضخمة من أجل نهي الناس عن الخمر لأنهم أدركوا مفاسدها!
لقد تفنن المروجون للرذيلة والسكر في زماننا المعاصرِ في إنتاج أنواع الخمور، واستخدمَ العقلُ لتدمير العقلِ، وكان تصدير الخمور بأنواعها المختلفة وإحياء مهرجانات ترويجية للحرام أحد الوجوه الكالحةِ لجاهلية القرن العشرين ومع ذلك كلِه يبقى النصُّ القرآني عظيماً وشاملاً في حرمته لكل ما خامر العقلَ وغطاه وإن لم يذكر بنصه “البيرا كما يزعمون”، وجاءت نصوص السنةِ النبوية شاملةً في التحريم للخمر وجميع أنواع المسكرات لقوله صلى الله عليه وسلم: “كل مسكر خمرٌ، وكل خمرٍ حرام” رواه الإمام مسلم.
وهذا المهرجان والعياذ بالله مما ينذر بشؤم عظيم، ويهدّد النعم التي أنعم الله بها علينا في وطننا المغرب بالزوال، فنحن ليس بيننا وبين الله نسب حتى لا نبالي بعصيانه، أو أننا بمنأى عن أخذه وعذابه.
وها أنذا أتوجه بسؤال لنواب الأمة والمستشارين والمسؤولين:
أين أنتم عن مهرجان البيرا هذا؟؟؟ أم أنه ينظم في مدينة شبيهة لمدينتنا كالبيرا المستوردة المروج لها في مهرجانهم، أم أنكم لم تسمعوا به بعدُ لكثرة مشاغلكم؟؟؟!!! أين كانوا عن موعد هذا المهرجان “باعتبارهم من الحريصين على الدين ومصلحة المواطن طوال هذه المدة لحين الإعلان عليه ضدا فينا وعلى خلاف إرادة الشغب المغربي المسلم الأبي”؟؟؟
أين هم من المعاملات الربوية التي تحكمنا وتحكمهم ونخرت اقتصادنا وكبلته؟؟؟
أين هم من صور القمار والميسر التي لا تخفى عليهم بالتأكيد وصارت تدخل كل بيت من خلال الإعلام ويشارك فيها شريحة عريضة إلا ما رحم ربك؟؟؟؟
أين هم من كثير مما هو مخالف لشرع الله كفيلم “الزين اللي فيك” وأخواته وبالْعلاَّلي الطَّاي طاي كما يقال في المثل المغربي: “على عينيك أبْنْ عدِّي”؟؟؟؟
من دون لف ولا دوران أقول إن الأمر واضح وضوح الشمس، هدف النواب والمستشارين وغيرهم من كل هذا: هو الخروج بما يحفظ ماء الوجه أمام الناخبين والشعور بأنهم حققوا شيئا ما ولو كان بعيدا إلى حد ما عما يتوقع منهم ويراد، حيث الدور الأساس المنوط بالنواب هو الرقابة والمتابعة والتشريع “أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله“، والاهتمام بالموضوعات التي ترتقي بحياة المواطن وتحل مشكلاته والصعوبات التي يواجهها ومنها الجريمة، ليس هذا الذي قام به النواب الكرام هو دورهم فحسب، بل دورهم أيضا العمل على إلغاء تصاريح المحلات التي تبيع الخمور أو في الفنادق، حيث «الرقابة» التي هي في صميم عملهم مع علمنا أنهم ليسوا مسؤولين عن سلوك الناس وهذا يتماشى مع دستور دولتنا المنصوص عليه أنه “الإسلام”.
إن مهرجانا كهذا ما هو إلا دعوة لتعطيل العقل وتدمير الصحة وتفشي الجريمة والعاقل الذي لم يخامر عقله بيرا ومثيلاتها يدرك حجم الأضرار الصحية والنفسية والاجتماعية وهذه بعضها:
– إتلاف الجهاز العصبي المركزي والجهاز التنفسي، وإصابة القلب والدورة الدموية بالأمراض المزمنة، والتهاب الكبد والبنكرياس والكلى، والاكتئاب، والشعور بالقلق وعدم الاستقرار، والإحباط، وتبلد الإحساس وانفصام الشخصية، ومن أعظم مضار المسكرات أنها تفسد العقل والمزاج والجو العام.
وفي الختام
كنت أحسب أن مهرجانات الخمر والبيرا والعُري، يروج لها أعداء الإسلام، لتخدير الأمة، وإهدار أعز وأغلى طاقاتها، وشل جهودهم، وتغييب عقولهم. لكن بفضل من الله وحده ثم يقظة وتصدي من لم يذهب عقله بخمورهم، هالهم فشل جميع خططهم في تحقيق أغراضهم للنيل من المسلمين، فقاموا بتغيير خططهم بإقامة مهرجانات للبيرا وغيرها وهذه المرة في بلد إسلامي والزج بكميات رهيبة من جميع أصناف البيرا، إلى بلدنا حسداً من عند أنفسهم، يريدون للأمة المغربية خاصة والإسلامية عامة أن تتورط بهذه السموم فيبعدوها عن غاياتها العالية إلى سفاسف الأمور، فلا تخرج منها إلا بعد لأيٍ وشدائد.
ها هو أحدهم يقول لمروجي البيرا: عليكم أن تهتموا باستدراج الشباب والطلبة بوجه خاص ولا خشية من ارتفاع الثمن، فالمهم أن يصل الصنف في البداية إلى الشباب ولو مجاناً، وبعد ذلك سيحصل الشباب على الثمن بأي طريقة نعم بأي طريقة!!!
أعَلِمْتِ أمتي ومنها الشباب كيف يخططون لتدميرك، والقضاء عليك وقد أنعم الله علينا في مملكتنا المغربية بنعم كثيرة على نقص لا يخلوا منه البشر، فإن لم نشكر هذه النعم ونصونها عن العابثين، ونقوم بما أوجبه الله علينا من إنكار المنكر كلٌ بحسب وسعه وطاقته بالطرق الشرعية من غير فتنة أو إفساد فإننا نخشى أن يعمنا عقاب الله وغضبه.
والذي عليه أهل الحق والعقول الراجحة، من العلماء والباحثين والدعاة والقضاة وذوي الفطر السوية هو التحذير من هذه المهرجانات الباطلة دون تشنيع على ولي الأمر، وتوظيفها لإثارة الدهماء وإشاعة الفوضى! أو الوقوع في ما يغضب الله أو ما يوجب الفتن ونحن لا نشعر فنكون من الذين قال الله عنهم: “بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار“.
إن الخمر والمخدرات خطر أكبر يهدد مجتمعنا المغربي المسلم، وهي أكبر عدو، إنها أشد فتكاً من الحروب والكوارث، فهي تضيع الدنيا والدين، وتورث الحسرة في الدارين.
والله المسؤول أن يصلح الراعي والرعية وأن يهدينا لأقرب من هذا رشداً.