ورقة السويد آخر حرب دبلوماسية بالوكالة تستخدمها الجزائر
هوية بريس – زبير علي الزبير
الأربعاء 07 أكتوبر 2015
بمنطق التخويف واحتكار الفكر وثقافة حقوق الإنسان، بدا موقف السويد تجاه قضية الصحراء المغربية غريبا بعض الشيء وينطوي على قدر من المبالغة في توظيف اعترافها بالجمهورية المزعومة، وبجر المغرب إلى خندق من المحاور والمفاوضات ستحمل لا محال انعكاسات وتدابير طارئة على ملف الصحراء المغربية دوليا.
بالملموس، هل اتخاذ حكومة السويد قرار الاعتراف بالبوليساريو كدولة سيطرح عدة عراقيل داخل الأمم المتحدة لتحريك ملف الصحراء المغربية؟
أو سيكون مأزق جديد في مسيرة البحث عن الحل النهائي للنزاع المفتعل وخاصة تزامنا مع الحملة المنظمة الحالية التي يشنها الاتحاد الإفريقي ضد الحكم الذاتي الذي تبناه المغرب؟
لنقف بعض الوقت عند لغة الديمقراطية والحقائق والأفكار والرأي الحر الذي تتبناه دولة السويد، ونُلقي الضوء على كيفية فهم السويديين لمصالحهم ومسؤولياتهم، تجاه العالم العربي وخاصة شمال إفريقيا منه. “لم تصبح الديمقراطية حقيقية في السويد إلا بعد أن عاش السويديّون زمان سالف اتّسم بالظلم والقهر، أصبحوا اليوم ينعمون بحريّة اختيار قادتهم ويتمتّعون بحماية قانونيّة لكافة حقوقهم. لكن طريق السويديّين إلى الديمقراطيّة كان طويلاً. ففي يومنا هذا، تُعتبَر السويد من الدول الحديثة، المتقدّمة والديمقراطيّة التي تتميّز بأعلى المعايير العالميّة من ناحية مستوى الحياة والرفاهيّة. ومع ذلك، يكفيك أن تعود بالتاريخ قليلاً إلى الوراء لتجد نفسك أمام أمّة من الفلاحين الفقراء معدومي الحقوق والمحكومين من الأنظمة المستبدّة.
إن التحوّل الذي أعطى للشعب السويدي السلطة والقدرة لم يَحدث بين ليلة وضُحاها بفعل ثورة ما، بل تدرَّج على مدى مئات السنين وتأثّر بعوامل اجتماعيّة واقتصاديّة ودينية عديدة ومختلفة.
فالنظام الحكومي السويدي سلطته كلها منبثقة من الشعب ودستورها يرتكز على أربعة قوانين أساسية؛ أداة الحكومة؛ قانون التعاقب؛ حرية الصحافة؛ حرية التعبير.
يوجد حاليا ثمانية أحزاب ممثلة في البرلمان “حزب المحافظين (Moderaterna)، والحزب الديمقراطي المسيحي (Kristdemokraterna)، وحزب الشعب الليبرالي (Folkpartiet Liberalerna)، وحزب الوسط (Centerpartiet)، وحزب الخضر (Miljöpartiet de Gröna)، والحزب الاشتراكي الديمقراطي (Socialdemokraterna)، وحزب ديمقراطيي السويد (Sverigedemokraterna) وحزب اليسار (Vänsterpartiet)”.
تعيش السويد خلال الخمس سنوات الأخيرة انقسامات سياسية كبيرة، زادت حدتها منذ انتخابات 2010 عندما استطاعت أحزاب اليمين المتطرف دخول البرلمان فيها.
في عام 1995 انضمت السويد الى الاتحاد الأوربي، فأصبح في السويد مستوى أخر للحكومة، المستوى الأوربي. فالسويد مشمولة بمنظومة القواعد السائدة في الاتحاد الأوربي بصفتها عضواً في مجلس الاتحاد الأوروبي.
كل هذه المعطيات والمستندات تدفعنا نتساءل:
ماذا بوسع السويد أن يفعل؟؟
وكيف على الحكومة المغربية أن تتصرف؟؟
باختصار شديد، لديهم نظام ملكي ولنا نفس النظام؛ لديهم حكومة منتخبة ولنا مثل الشيء؛ لديهم ديمقراطية ولنا نفس النهج؛ لديهم ثمانية أحزاب لدينا كذلك ثمانية رئيسية ممثلة؛ لديهم ثقافة الفيكا أي شرب القهوة ولدينا الشاي المغربي، لكن الذي نغفله أن للسويد مصالح كبيرة ومتشابكة مع العالم العربي، لكنه رغم ذلك يظل أقل اللاعبين الأوربيين تأثيرا في الساحة العربية وخاصة شمال إفريقيا منه.
فالسويد يتعامل بواقعية مع الحالة السياسية في مصر، انفتح على الحكومات السابقة ولم يقطع علاقاته مع المكون السيادي الحالي في القاهرة حيث لم يبخل في التعاون الصحي فيما يتعلق مثلا بصناعة الأدوية. وقد فعل الأمر مثله مع حكومة الجزائر، سفير السويد بتونس هو منجز السياسات الاستراتيجية بالمنطقة، الفراغ الدبلوماسي لازال سيد الموقف بين الرباط وستوكهولم.
مسألة المصالح، كما تتبين، تتجاوز الحسابات السياسية. التنافس الدولي والإقليمي الشرس على ليبيا في المرحلة الراهنة يدفع بالسويد لامحالة إلى نيل حصته من الكعكة المغاربية. فبدعم من الجزائر وبتنسيق مع جبهة البوليساريو، وفي الوقت الذي يرغب فيه الحزب الاشتراكي الحاكم في جعل السويد حاضرا ومساهما في صنع القرارات الدولية والإقليمية فيما سمي بالنموذج السويدي، وهذا هو منطق البرلمان السويدي وإعلامه حاليا. تم، وبصورة مفجعة وبعين من العداوة والكراهية من الحكومة الجزائرية وبدون اعتبار حجم الخسائر المحتملة في المنطقة المغاربية مقابل مكسب وقوف السويد مع محور الجزائر تندوف، اللجوء إلى أسلوب الاقتحام الديبلوماسي الذي تعتمد حكومة الجزائر عليه في سياساتها الخارجية. هذا الأسلوب الذي يُخيم على الفكر السياسي الجنرلاتي في الجزائر والذي تفتخر وتتغنى به في جميع المحافل من خلال بعض المفكرين وأساتذة جامعيين ومراكز للأبحاث الاستراتيجية والسياسية كأن وزارة خارجيتها سلطة مستقل كما هو حال السلطة القضائية بألمانيا أو سويسرا.
وهذا في رأيي أمر صحيح من جانب أخر، فالخارجية الجزائرية هي ثكنة عسكرية مستقلة عن باقي المؤسسات الأخرى في الوطن الشقيق والبلد المجاهد، بلد المليون والنصف شهيد.
فالملاحظ، أن تداعيات وتصريحات الحكومة الجزائرية على هامش الدورة 70 للأمم المتحدة وعلى لسان وزيرها في الخارجية ضد الصحراء المغربية، جاءت خصيصا لتحث المجتمع الدولي من جديد على وجود مستعمرة إفريقية، ولتضع علامات استفهام كثيرة وراء استمرار الحرب الإعلامية والدبلوماسية التي تشنها حكومة الجزائر ضد المغرب. ولا يمكن أن يكون هذا التصعيد من طرف واحد، بقدر أن تكون هناك أطراف دخيلة مشاركة فيما تتطلع إليه استراتيجية الجزائر بالمنطقة ككل، حيث استغل وجوده السيد الوزير رمطان العمامرة، بنيويورك، لممارسة مزيد من المناورات، وخاصة بعد لقائه بوزيرة الخارجية السويدية مارغوت فالستروم، عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، هذا الاخير الذي يتبنى النموذج السويدي الذي ذكرته من قبل ، والذي يخيم على الفكر السياسي الاشتراكي في السويد، حيث ترغب السويد في ترجمته أبعد عبر الحضور في مجلس الأمن، فهي تطمح تولي مقعدا دائما في مجلس الأمن لتمثيل صوت السلام وحق الأقليات وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
وحسب مصادر إعلامية وسياسية سويدية تحتاج هذه الأخيرة تأييد ودعم من قبل الدول الأفريقية لهذا الغرض.
فالذي يجري الأن هو أن الحكومة الجزائرية تريد من السويد قبول الاعتراف بالجمهورية المزعومة وبأدوار مختلفة من خلال خبرة السويديين الواسعة في نشر السلام وحماية حقوق الإنسان ونصرة القضايا العادلة مقابل دعمها داخل الاتحاد الإفريقي وهي دعوة كذلك لتمكين السويد من رعاية مصالحها وتسويق صناعتها وخطوط تجارتها بوساطة جزائرية في شمال إفريقيا وجنوب الصحراء.
في حين المجتمع الأوروبي الذي تنتمي إليه السويد حريص على التوازن والاعتدال في قضية الصحراء المغربية تماشيا مع الشرعية الدولية ومصالحه في شمال إفريقيا؛ هذا الاعتدال يدعم الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب كحل نهائي لأنه يتناسب مع منظومة القواعد الديمقراطية السائدة في الاتحاد الأوروبي ومطابق لما تطمح به قواه السياسية ومنظماته الحقوقية والمدنية .
الولايات المتحدة الأمريكية، وفي مواقع عديدة، تريد المغرب في صفها، هو في معظم الأحيان إلى جانبها في قضايا مختلفة كمحاربة الإرهاب ونشر النموذج المغربي في الإصلاح والأدوار الاستراتيجية في القارة الإفريقية وحل النزاعات في مالي وليبيا والمسجد الأقصى والتطرف الديني حيث يتم إقرار النموذج المغربي المعتدل لقضايا الشأن الديني في الوقت الحاضر على مستوى أوسع في أوروبا وجنوب الصحراء في الوقت الذي كانت تُقر سابقاً بطريقة عشوائية.
فحسب تصريحات السفير الأمريكي الأسبق إدوارد غابرييل ” السويد تتحرك ضد مصالحها وعليها مراجعة موقفها”، مما يدل على أن لغة أمريكا جاءت هادئة إلا أنها حازمة، ما يوحي باحتمال تصاعد الموقف الأمريكي ضد الموقف السويدي في قضية الصحراء المغربية إلى ما هو أكثر من ذلك إن هي الحكومة بستوكهولم استمرت في تصعيد الأزمة.
فالتاريخ خير دليل على ذلك، حين رحل الجنود الإسبان من جزيرة ليلى شمال المملكة في جنح الظلام عام 2002 بعد التدخل الأمريكي المباشر والحازم ضد أطماع مدريد.
زد عن ذلك أن الرباط وعلى لسان قائدها الأعلى للقوات المسلحة الملكية الملك محمد السادس صرح قائلا ” الصحراء قضية وجود وليست مسألة حدود. والمغرب سيظل في صحرائه والصحراء في مغربها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها “.
فالسقف واضح لإنهاء النزاع المفتعل بالصحراء المغربية وعلى الحكومة السويدية إعادة النظر في مبالغة توظيف اعترافها بالكيان البولساريو، لأن الظروف الدولية والإقليمية تفرض على السويد ذلك.
ولن تستطيع لا السويد ولا غيرها من فرض أساليبها على سيادة المغرب على مناطقه الصحراوية، وإنما من الأفضل أن تبقى في وسط الشرعية الدولية، لآنها خارج هذه المساحة لن تستطيع مواصلة الحرب الدبلوماسية الجزائرية بالوكالة الممنهجة من سياسة جنرالات الجزائر تجاه المغرب. فعلى السويد الالتزام بقواعد الاتحاد الأوروبي الذي تنتمي إليه، هذا الأخير الذي نوه بالنموذج المغربي في الإصلاح الديمقراطي والجهود التي تبذلها المملكة في مجال حقوق الإنسان من خلال شهادات هيآت وشخصيات فاعلة ولها وزنها داخل المنظومة الدولية من مثل الأمين العام لجهاز العمل الخارجي الأوروبي آلان لوروي، ببروكسل مارس 2015، حيث أكد في تصريح له أن الاتحاد الأوروبي معجب جدا بحجم الإصلاحات الديمقراطية التي انخرط فيها المغرب خلال الأعوام الأخيرة.
على الحكومة المغربية، وفي رأيي المتواضع، لتحقيق تقدما ملموسا في حماية مصالح المغرب داخل الحكومات الأوربية وخاصة نصرة قضيتنا العادلة الصحراء المغربية بصفة رسمية أمام الرأي العام الأوروبي ومنظماته الحقوقية ومجتمعاته المدنية، يتوجب عليها التفكير في عمل منظم ومُؤطر لإعداد وتشكيل مجموعات الضغط من أبناء ونساء ونخب الجالية المغربية المقيمة في أوروبا، فإنه من المنطقي أن تتم صيانة المصالح وإعداد الآراء الاستشارية وضمان حقوق الوطن في بلدان التوتر أي انطلاقا من المهجر، وليس من المغرب. فمثلا المجتمع المدني والحقوقي السويدي يغلب عليه الطابع النسوي، لهذا يتطلب من المرأة المغربية ومؤسساتهن التحرك في هذا الاتجاه، كما يتوجب على القادة السياسيين المغاربة أن يعوا الانقسامات السياسية الكبيرة التي تعيشها دولة السويد خلال العقود الأخيرة وتدعم المعارضة السياسية السويدية داخل البرلمان وتعمل على ربط علاقات اقتصادية وثقافية من خلال إحداث جسر للتواصل وخلق رؤية مستقبلية واضحة ودقيقة لتحقيق مصلحة البلدين.
كما يتوجب على الدولة المغربية اللعب على وتر مجلس التعاون لدول الخليج وأصدقائنا العرب فيه لأن السويد لها علاقات اقتصادية وتجارية كبيرة في المنطقة وتخشى فقدانها.
فالمسار السلمي الذي ينعم به المغرب من الداخل لا ينفي أن وطننا الحبيب يمر من منعطف حاسم ولا يمكن لأي طرف الجزم أو التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه أموره من الخارج.
لذا يبدو لنا أن الوقت قد حان لكي يتجه اهتمام الدولة المغربية بنخب الجالية لإحداث لجان الدعم داخل صفوفها، وذلك من أجل تلبية توقعات التحديات الدولية المنتظرة من جهة ولتسليط الضوء على الإمكانات التي توفرها الجالية للبلد من جهة أخرى، وبالتالي السماح لهذه النخب والطاقات الوطنية في الخارج كي تصبح بطاقة رابحة في كل رهان يتعلق بالمصالح السياسية والاقتصادية للدفاع عن بلدنا المغرب. فالمهمة وإن كانت صعبة، خصوصا مع وجود إكراهات وطنية وشبه دولية، فعلى صناع القرار بالبلد أن يدركوا أن الجالية المغربية هي مشروعا سياسيا كاملا واستراتيجية واضحة لا يمكن الاستغناء عنها في دعم العلاقات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والدينية، والثقافية بين المواطنين المغاربة داخل الوطن وبين شعوب العالم، وأيضا هي من تعزز دور المغرب السياسي أوروبيا وعالميا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باحث في شؤون الهجرة، رئيس حركة الوسيط للجالية، الناطق الرسمي لـ”المؤسسة المحمدية لمغاربة أوروبا”.