دلالة سبّ الشرطة للدين وركل المواطنين أمام البرلمان
ذ. إدريس كرم
هوية بريس – الجمعة 09 أكتوبر 2015
شاهدت الفيديو المتداول منذ أول أمس عن تصرفات ضابط الشرطة ضد شباب تجمعوا أمام البرلمان قبيل افتتاح سنته التشريعية الأخيرة، للتعبير عن انزعاجهم من كيفية التعامل مع ضحايا أحداث مشعر منى بالسعودية، حيث قامت الشرطة بتفريقهم بطريقة لا يجمل السكوت عنها، من طرف من له غيرة على وطنه ومواطنيه ومقدساته، خاصة ما قام به الضابط المسن المشرف على العملية من سبّ لدين المغاربة.
ولما لم يشف ذلك غليله بدأ يدفعهم ثم يركلهم ولما شعر بأن ركلاته أقل عنفا بسبب تقدم سنه وخوفه من سقوط طربوشه، نزعه من فوق رأسه وأعاد الركل من جديد والتفوه بألفاظ نابية لا تليق برجل أمن مسن، ناهيك عنه كأب أو جد إن كان، ورئيسا لشرطة شباب يتعلمون منه بيداغوجية فك الاحتكاك بين الشرطة المواطنة ومجال تكليفها، طبقا لروح الدستور، ومقتضيات العصر.
المثير في التصرف الموثق بالصورة والصوت هو أنه يحيلنا لبداية القرن العشرين عندما ظهر البوليس في الموانئ لأول مرة كي يراقب الأسواق لصالح جمع ما فرض على الدولة من غرامات من قبل فرنسا جراء هزيمتها في معركة إيسلي وبعدها لاسترجاع القروض التي قدمت للمخزن من أجل الإصلاحات التي لم تجر بسبب فساد البطانة الحاكمة، وأساليب سرقة الدائنين.
وكان البوليس في الأغلب الأعم مكون من مجندين جزائريين عرفوا بـ”الواسطة”، أي الذين ليسوا بفرنسيين ولا جزائريين خلص، حسب التوصيف الاستعماري وقتها، وإنما هم في طريق التفرنس هوية ودينا بعدما فُرنسوا سياسيا وتوطينا، وسموا فرنسيين من الدرجة الثانية، ولم يعد الدِّين يشكل لهم قيمة تقتضي الاحترام والتوقير، بل أصبح وسيلة من وسائل الإذلال والاحتقار والتعنيف، ترافقت مع الركل بأسفل الحذاء لإظهار صفائحه الدالة على انتمائهم للفيف الأجنبي للمستعمرات، وفق طريقة كانت تعلم للبوليس وقتها، كي تذل المتعاملين معهم من المواطنين وتمسهم في مقدساتهم، وتدفعهم للسخرية منها للقضاء على روح القوامة والشهامة والرجولة في النفوس البتي أبت الاستسلام وإلقاء السلاح وعلى رأسها الدين الإسلامي.
وتظهر أيضا امتيازات حامل الحذاء العسكري، وما يمكن أن يفعله بالغير دون حسيب ولا رقيب، باعتبار أنه في حماية دولة قوية غازية، أخضعت المغاربة، وأذلت دولتهم، واستولت على مواردها المالية، وعلى المواطن إحناء الرأس وتحمل الضرب على قفاه، وهو ما فعله الشرطي بالشابة في الفيديو، من غير مروءة ولا حياء، وهي في سن حفيدته، بل لو كان احترم شعار المملكة لما رفع عليها يده، لأن الدين الذي سبّه يمنع ذلك حيث يقول الحديث: “لا يذلهن إلا ذليل”.
إنها لمهزلة حقا تبين أن ما فعله الغزو الفرنسي والإسباني بأخلاق منتسبي الإدارة المتوارثة عنهم لم تنفع فيهم المواعظ ولا القوانين، ولا حتى العقوبات، ولن تنفع مادام المجتمع لم يستعد ضوابطه الاجتماعية وقيمه الدينية الحقيقية التي تعطي لكل ذي حق حقه، من غير حيف ولا ميز، أو تفريط أو خوف.
فإذا كان ضابط الشرطة أمام جنوده يهين المواطنين بسبّ دينهم وضربه للشباب بقاع حذائه والبنت على قفاها وإزالة خمارها ووصفها بأقدح النعوت دون ما يوجب ذلك الغلو الذي يعاني العالم من تبعاته، فإنه يدل على أن المجهودات المبذولة من أجل مصالحة المجتمع مع تصرفات مثل هذا الشرطي ما تزال بعيدة عن تحقيق المبتغى منها لوجود من يعرقلها بمثل هذه التصرفات التي تحيل على الماضي الاستعماري الذي كان فيه البوليس في خدمة الأجنبي ضدا عن المواطن والوطن ومقدساته، باعتبار ذلك الأجنبي مصدر السيادة.
وبعد الاستقلال ولحد الآن ما تزال جيوب تلك العقلية تتخذ لبوسات مختلفة، تغذيها أطاريح أثبت التاريخ أنها واهية كبيت العنكبوت، أمام استعادة المجتمع عافيته قمة وقاعدة، ولن يحجمها إلا ما سلف قوله من استعادة المجتمع روح فضائله، التي أبان التشبث بها في مواجهة بعض الابتزازات الدولية نجاعة مذهلة، جعلت المبتزين يخنسون ويقلبون المجن لمن خطط لهم هجماتهم، للحفاظ على بعض المصالح بذل خسرانها جميعا.
ليكن في هذا السلوك الشائن، الصادر عمن وكل له حماية الدين، والمواطن، وكرامته رجلا أو امرأة من أية إهانة، في مناسبة افتتاح البرلمان من قبل عاهل البلاد الذي ينبني أمره كله على حماية الملة والدين، وكرامة المواطنين الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل الحرية والاستقلال، والدفاع عن الشرعية عندما امتدت لها يد البغي والعدوان التي أدخلت للبلاد عادةَ سبّ الدين، للتوصل إلى ركل المواطنين والاعتداء على رموزهم الوطنية والدينية، رافعة شعار: “بن يوسف لعرشه والاستعمار لقبره”، والذي تحقق بعد ثورة الملك والشعب، وإن كان ترك بعض الدخن الذي لا يلبث بين الفينة والأخرى أن يثير شررا ويشعل نارا للإيهام بأن هناك حاجة لإطفائيين، لكن الآمال كانت دائما تخيبهم والدعوة تتجدد بكنس وإطفاء رماد ذلك الدخن حتى ينقطع أثره، والله يتولى الصالحين.