واجب البيان والإصلاح.. ودور متطرفي بني علمان في تكميم أفواه العلماء
د. توفيق الغلبزوري
هوية بريس – الثلاثاء 13 أكتوبر 2015
صمت العلماء: وسكوتهم وعزلتهم عن الجهر بإصلاح ما فسد من أوضاعنا؛ هو الذي جعل البغاث بأرضنا يستنسر، والهر يحكي انتفاخا صولة الأسد، وأصبح يتكلم في أمر الشريعة الدقيقة التخصصية كل لكع بن لكع، وكل من هب ودب، وكل من تزبب قبل أن يتحصرم، وكل من طار ولما يريش، وكل من لا يعرف من العلوم الشرعية كوعا ولا بوعا، ولا نقيرا ولا قطميرا، وليس منها في ورد ولا صدر، ولا في العير ولا في النفير؛ فيحسب كل سوداء تمرة وكل بيضاء شحمة، فيتكلم في غير فنه فيأتي بالعجائب والغرائب.
ثم إن متطرفي بني علمان خططوا لترهيب العلماء وتخويفهم؛ لأجل تكميم أفواههم فلا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، ولا يكون لهم رأي ولا موقف، ولا يصححوا ما ينبغي تصحيحه وتقويمه مما اعوج من الأفكار والسلوك، وهو مقتضى النصيحة الواجبة في الدين، وذلك ليخلو لهم الجو كما قال الشاعر: خلا لك الجو فبيضي واصفري، وقد نجحوا في ذلك للأسف الشديد إلى حد بعيد كما هو مشاهد، فكلما تكلم عالم بما يجب عليه، هاجوا عليه كالزنابير الهائجة، وأرسلوا عليه كل ما يملكون من وسائل إعلام وصحافة وجمعيات ومنظمات، وحزبوا عليه الأحزاب، وسعوا إلى التحريض عليه، والوشاية به إلى أولي الأمر، والتهويل من أمره، والتحذير من خطره على الأمن الروحي والاستقرار زعموا، وأنه يريد إحداث فتنة في المجتمع، وأنه يدعو إلى الحقد والكراهية، وسلقوه بألسنة حداد أشحة على الخير، وقذفوه بالكذب والبهتان وتحريف كلمه عن مواضعه، وتشويهه بالباطل في سمعته، وتهديده في مكانته ووظيفته، فينزوي المسكين خائفا يترقب، منكسرا مهيض الجناح إلى ركن غير شديد، وهو المخلص الصادق الذي يريد الإسهام في خير بلده وصلاحه وإصلاحه، وفق ما أمر به الشرع من التعاون على البر والتقوى، وعدم التعاون على الاثم والعدوان الذي تتعاون عليه التيارات التخريبية الهدامة.
ولكن لا ينبغي أن يصد هذا الإجلاب بخيل ورجل الشيطان علماء الأمة على القيام بواجبهم الذي من أجله أنزلتهم الأمة هذه المنزلة، وبوأتهم هذه المكانة، وإلا فلا معنى لحملهم أمانة العلم، وتحملهم وصبرهم في سبيل التواصي بالحق المعطوف عليه التواصي بالصبر؛ لأن الداعي إلى الحق لا بد له من أذية الذين في قلوبهم مرض، ولا مناص له من الصبر والثبات على الحق، سنة الله في المرسلين والعلماء الناصحين المصلحين، بل قد يكون هذا العلم وبالا عليهم ولعنة إذا لم يعملوا به، ولم ينشروا الحق الذي أمروابه، ويبلغوه وبينوه للناس بغير إحجام ولا تردد ولا تلجلج ولا تجمجم ولا تغمغم، كما أمرهم الله تعالى بذلك، فقال: “وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لَتُبَيِّنُنَّهُ للناس ولا تكتُمونه“، وقال عز وجل: “إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم“. والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.