حنان «الأعاجم» وظلم ذوي القربى من «العربان»؟
د. محمد وراضي
هوية بريس – الإثنين 19 أكتوبر 2015
أصبح الكل على علم بتدفق آلاف المواطنين المضطهدين من أبناء الدول العربية على الدول الغربية منذ عقود. بحثا عن مصادر الرزق، أو بحثا عن الإيواء كلاجئين سياسيين فارين من طغيان قادة بلدانهم الماضين في تكميم الأفواه، ما دام الاستبداد وسيلتهم الوحيدة لابتزاز مقدرات شعوبهم بدون ما رادع! ولفرض ما يحلو لهم فرضه على مواطني بلدانهم بدون ما مساءلة تذكر؟
وبما أن عدم الاستقرار كنتيجة للطغيان هو السائد! وبما أن الشعوب قد ثارت وانتفضت للتخلص من حكام متجبرين! وبما أن النزعة النرجسية عبارة عن مرض نفسي، لم ينج من الإصابة به، لا زعيم هنا، ولا قائد هناك. فكيف نتوقع مواجهة حكامنا المصابين بداء العظمة للثائرين ضد سياساتهم الجائرة؟ هل يقررون التنازل عن سلطاتهم المطلقة، كاستجابة منهم لمطالب شعوبهم العادلة؟ أم إنهم سوف يمضون في تعنتهم الشديد، حتى لا يسمع ركز ولا همس لما يسعى المنتفضون إلى الحصول عليه؟ حيث إن تعنتهم الذي سجله العالم المتحضر -كتحرك همجي كان من المفروض أن يتجاوزه العصر- ترجمة للجوئهم إلى أقصى حدود العنف الذي يمكن تصور خطورته التي تنعكس آثارها المدمرة على الأبرياء؟
هكذا واجه الطاغية التونسي شعبه قبل أن يلوذ بالفرار! وهكذا واجه الطاغية الليبي شعبه قبل تعرضه للموت الزؤام! وهكذا واجه الطاغية رئيس اليمن عبد الله صالح جماهير بلده الثائرة قبل أن يصبح اليوم معينا للثوار الحوثيين الذين أجمع العربان من المحيط إلى الخليج على إفنائهم بشتى الوسائل! وهكذا واجه الطاغية ابن الطاغية بشار الأسد، جماهير سوريا المنتفضة ضد جبروته لاجتثات جذور الاستبداد في بلد، حوله حزب البعث الحاكم منذ عقود إلى نموذج لدكتاتورية تحيلنا على دكتاتورية هتلير ومسولوني وفرانكو ولنين وستلين في قمة طغيان هذين الأخيرين تحديدا، حيث يقول الأول عام 1920م: “نحن لا نستطيع أن نأخذ بآراء المخبولين والأغبياء الذين يطالبون بالحرية، فنحن في ظل دكتاتورية البروليتاريا، لا نستطيع أن نمنح المواطنين حريتهم السياسية، خشية أن يستخدم أعداء الشيوعية هذه الحرية في القضاء علينا”. وحيث يقول الثاني عام 1938م: “إن منح البورجوازيين (الطبقة الوسطى في المجتمع) الحريات العامة، لا يعدو أن يكون سماحا لهؤلاء البورجوازيين بالكيد لنا، والتآمر علينا، وتقويض نظامنا. ولهذا فإننا لا نمنح الحرية إلا للطبقة التي نحكم باسمها”!
ونفس الخوف من الحرية نجده لدى الحكام المصريين الاشتراكيين العلمانيين، حيث يقول جمال عبد الناصر: “لقد مهدنا طريق الديمقراطية السليمة، من أجل أن تكون الحرية للشعب كل الشعب. ولا حرية لأعداء الشعب! من أجل أن تكون الحرية الديمقراطية للشعب كله. لا للطبقة الرأسمالية. ولا للطبقة الإقطاعية. ولا للرجعية”! والحرية التي يتحدث عنها هي التي أعادها السيسي ومعه الفلول بعد انقلابه التاريخي المشهور على ثورة شعب مصر المقهور؟
أما د.منيف الرزار، الأمين العام الأسبق لحزب البعث العربي السوري فيقول: “إن الحرية في الثورة الاشتراكية القومية ليست للإقطاعيين وللرجعيين وللمتآمرين على الثورة…”. ثم يضيف: “الحرية في الثورة لا تنحصر في نطاق الحريات الفردية. ولكن ألا يجب أن تكون هناك حريات “جماعية” للطبقات المستفيدة من الثورة”؟
مما يعني أن الحرية لدى الأنظمة الاشتراكية العربية خطر محدق بالشعوب، حيث إن لقادتها وحدهم حق التصرف كما يحلو لهم على جميع الأصعدة، مدعمين بحاشيتهم وبجلاوزتهم الذين يؤيدون بدون ما تحفظ كل ما يأتونه أو يفعلونه.
ونفس ما تمثله الحرية من خطر على الأنظمة الاشتراكية، تمثله كذلك على الأنظمة الليبرالية الرأسمالية. وكل ما هنالك من فوارق بين الطرفين، يتمثل في الديماغوجيات التي يتفنن كل منهما في دغدغة عقول وعواطف الجماهير بها في مسمى المناسبات الوطنية والدينية.
وهكذا يكذب العربان كحكام طواغيت، ما أراد أدباء النهضة ومفكروها ترسيخه في عقول أخلافهم الذين هم اليوم، عرضة لقنابل عنقودية، ولأسلحة كيماوية سامة، ولبراميل متفجرة تأتي على الأخضر واليابس! فقد أصبح ما كان يتغنى به محمد عبد الوهاب من شعر وطني قومي مجرد أحلام، لم تتحول ولو في لحظة تاريخية ما إلى وقائع محسوسة على الأرض، وإلا فما نصيب فحوى هذين البيتين البليغين من الصحة؟
نحن شعب عربي واحد***ضمه في حومة البعث طريق
الهدى والحق من أعلامه***وإباء الروح والعز الوثيق
وأين يكمن ما قرع به أحمد شوقي آذان حكام مصر وحكام غير مصر لما قال:
زمن الفرد يا فرعون ولى***ودالت دولة المتجبرينا
وأصبحت الرعاة بكل أرض***على حكم الرعية نازلينا
وهل صحيح ما أخبر به نفس الشاعر في بائية له حين قال:
وما الشرق إلا أسرة أو قبيلة***تلم بنيها عند كل مصاب
والواقع الحالي المعيش في حدود الدول العربية جميعها، غابت عنه اللمة! وحضرت أو غلبت عليه التفرقة والتشرذم في أبشع صورهما! حيث أصبح الحكام أضحوكة، وملايين الفارين إلى الغرب بمختلف الطرق والوسائل، مجلبة للتعاطف والرحمة والشفقة. فحيث يرتفع وعيد الحكام، لمحو آثار الإرهاب والإرهابيين -ناسين إرهابهم الذي مارسوه ويمارسونه- ترتفع أصوات قوم عيسى في دول أوروبية وأمريكية لاتينية. فبريطانيا مستعدة لاستقبال 20 ألف لاجئ سوري خلال أربع سنوات! وفرنسا مستعدة لاستقبال نفس العدد! والبرازيل ترحب بالوافدين المضطهدين القادمين إليها من العراق وسوريا! وعبرت فنزويلا عن قبولها باستقبال 20 ألف لاجئ! ولم تتخلف فلندة ولا السويد عن الوعد بتقديم مساعدات مالية للدول التي تستقبل المكرهين على مفارقة بلدانهم من فرط طغيان حكامها الماكرين! ولم يتخلف البابا عن امتداح المستقبلين للمهجرين قسرا من طرف دول غربية وغيرها، من باب الأخوة الإنسانية! ولا تخلف خطباء من جنسيات مختلفة في “مؤتمر دولي لحماية الأقليات في الشرق الأوسط” عن التقدم باقتراحات من أبرزها: وجوب تفعيل السياسة الديمقراطية والحريات العامة لمواجهة الإرهاب في مختلف صوره. إنما كيف تتم مواجهته في كل من سوريا والعراق، حيث تتحرك فرق إسلامية مدججة بمختلف أنواع الأسلحة، نقصد الفرق التابعة، وغير التابعة لمسمى “دولة العراق والشام”، أو لمسمى “داعش”. مع التأكيد على أن هذه المنظمة لم تحمل السلاح إلا لمواجهة الإرهاب الرسمي في الدولتين.
وبما أن الحكام الطغاة متخوفون من فقدان كراسيهم الوثيرة. وبما أنهم حتى لا يفقدوها، وجدوا لهم حليفا هو نفسه الغرب الذي بكى واستبكى بخصوص الوضع الإنساني للمهاجرين طلبا لحماه أو لحمايته، فقد سارعوا -ونموذج من نماذجهم هو وزير الخارجية الأردني- إلى تقديم الإسلام في صورة لا تخفي رغبتهم في الانفلات من اتهام أنظمتهم بممارسة الإرهاب الرسمي! هذا الذي ولد الإرهاب في مرحلة الحرب الباردة، ليستمر في تفريخه، والإمساك بالديمقراطية في بلدان غير عربية بعد سقوط جدار برلين آخذ في التزايد!!!
فكيف إذن يتم للغربيين كعناصر في التحالف ضد الداعشيين وغيرهم من منظمات إسلامية مقاتلة هنا وهناك، أن يساهموا في اجتثات جذور الإرهاب؟ هل بمقدورهم من الجو التمييز بين الداعشيين وبين الثوار السوريين المؤيدين من طرف الولايات المتحدة وحلفائها؟ ثم هل بمقدورهم التمييز بينهم وبين الجيش السوري المنظم؟ وقضاؤهم على الداعشيين إن هو حصل، فمن هو الطرف أو الأطراف التي تستفيد منه؟ والمدة الزمنية التي سوف يستغرقها الإرهاب الداعشي تحديدا، أو لا تشكل فرصة لنظام الطاغية في دمشق كي يستعيد أنفاسه ويلملم جراحه وصفوفه؟ ومهادنة الإرهاب الرسمي الأسدي، أو لا يمثل تراجعا عن المواقف السابقة المؤيدة للانتفاضة الشعبية لمجرد انطلاقها بحماس منقطع النظير؟ وهل ما أراد الغرب الإقدام عليه، والذي يحاول جر الروس إلى صفه لإنجاز عملية القضاء على الإرهاب -ووجود ضباطهم وجنودهم على أرض سوريا وجود مؤكد- هل ترحب الروس وإيران كداعمتين لنظام دمشق بالمشاركة في الحلف الذي جعل له كهدف أسمى محو الداعشيين لتحرير دولتين من خطر تفعيل النظام الإسلامي المحتمل؟ أم إن كل محاولة للقضاء على الإرهابيين في العراق وسوريا، سوف تحصد لا شك أرواح آلاف الأبرياء. هذا إن نحن أدخلنا في حسابنا الحاضنة الشعبية التي هي بالنسبة للثوار كنسبة الماء بالنسبة للأسماك في الوديان والبحار؟ بينما يواصل الطيران الحربي العربي إفناء الحوثيين ومعهم حاضنتهم التي لولاها ما قاوموا حتى الآن حملات عسكرية لحلف يخيفه ما يتصوره من مستقبل مخيف في نظرهم لليمن السعيد؟ وإن نحن أضفنا التدخل العسكري للحلفاء العرب على الأرض بدل الاقتصار على دك الخصم الأقوى بالطيران، أو لا يتضاعف عدد اليمنيين المتعرضين لهجومات ذوي القربى من العربان الذين قال شاعرهم ذات يوم:
“وظلم ذوي القربى أشد مضاضة***على المرء من وقع الحسام المهند“.