لغتي مصدر قوتي
عبد المجيد مدني
هوية بريس – السبت 24 أكتوبر 2015
منذ أن قرأت مضامين بعض مداولات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي كما تم نشرها في بعض المنابر الإعلامية وأنا في حيرة من أمري حول الدوافع التي تجعل بعض المتشدقين بالفرنسية لا يكلون تعبا في فرضها كلغة تدريس في الوقت الذي تجاوز فيه قطار العلم الجامعات والمدارس الفرنسية وأصبحت الترجمة وسيلتهم للحاق بالركب.
كان على اللجان المشاركة في المداولات أن تنظر إلى حقيقة مفادها أن أي انزياح عن الخط الهوياتي قد يدخل التعليم المغربي في دوامة التبعية والتخلف. فإذا كان التعليم الفرنسي عاجزا عن مواكبة التطور العلمي والصناعي ويتطلع إلى الإنجليزية لتعويض النقص الحاصل، فإنه من الغباء تقليد التعليم الفرنسي المتخلف، في الوقت الذي ينبع هذا الأخير من مصادر دولية، عوضا عن الإقبال المباشر على المعرفة من مصادرها الأصلية. لذا ينبغي أن ينفتح التعليم المغربي على التجارب الدولية الناجحة ولنا في التعليم الفنلندي والكوري الجنوبي خير مثال.
هناك اليوم دول صاعدة سيكون لها شأن كبير في المستقبل القريب كالصين التي أصبحت تتربع على عرش بعض الصناعات التكنولوجية، لا سيما تلك المتعلقة بالإنارة المتلألئة وبالتالي حان الوقت لإعادة النظر في تدريس اللغة الصينية في المغرب نظرا لأهميتها الاقتصادية. فالسياحة المغربية لا تستطيع أن تنفذ إلى السوق الصينية إلا عن طريق التسويق باللغتين الإنجليزية والصينية. ونفس الأمر ينطبق على الدول الناطقة بالروسية والإسبانية. وفي هذه الحالة يصبح تكوين موارد بشرية تتقن اللغات الأجنبية الحية ضرورة اقتصادية وسياسية ملحة.
المسألة الثانية تتعلق بالأمن الثقافي المغربي. فمن شأن الانزياح عن الخط الهوياتي الأمازيغي العربي أن يجعل البلد عرضة للاختراقات الثقافية، لا سيما أن الساحة الدولية تعج بالعروض الثقافية المنافسة والمغرية. وآنذاك سيكون من الصعوبة بمكان الحفاظ على المكتسبات. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، قد توظف الورقة الفرنكفوية لإثارة الفتنة في البلد وكذلك لاستقطاب المغاربة من لدن التيارات الثقافية المختلفة. فقد يقود الحنين إلى التعليم باللغات العربية والإنجليزية والأمازيغية بعض الأشخاص إلى الارتماء في أحضان مجموعات تتضارب مصالحها الإستراتيجية مع مصلحة بلدنا المغرب. وبناء على ذلك، وجب اتخاذ الحيطة والحذر وتبني مقاربة وسطية ترضي الجميع. فإذا تم تبني مبدأ الاختيارية سيكون الجميع في مأمن عن كل الانزلاقات ولما لا يفتح الباب في وجه اللغات الرسمية الوطنية نحو التطور ولا يجب حصرهما في الجانب الهوياتي فقط.
ومع مرور الوقت ستتوسع ووظائف هاتين اللغتين الدستوريتين وسيساعدها في ذلك الكم الهائل من المترجمين المغاربة والباحثين، علما أن هناك عددا مهما من المترجمين المغاربة يعملون ضمن منظومة الأمم المتحدة مما يعكس مستوى الكفاءة العالية التي يتمتع بها المترجم المغربي.
ليس العيب في اللغة الفرنسية وإنما يكمن الخلل في محاولات فرضها بالقوة على فئة لا تريدها أن تعوض لغتها الوطنية. ومن الأفضل أن ينتبه المسؤولون عن التعليم إلى ضرورة احترام الاختيارات الشعبية حتى لا يحس المواطن بالغبن أمام “الحتمية اللغوية” وتبني مبادئ العدالة اللغوية لينالوا رضا هذه الفئات المستهدفة نظرا لأهمية اللغة الوطنية وتأثيرها على وجدان متكلميها.
لقد برهن المغاربة أن الأمازيغية بإمكانها أن تعيش جنبا إلى جانب أختها العربية دون مشاكل. سواء أكان المغربي ناطقا بالأمازيغية أو العربية فهذا لا يهم فالمهم أن يعمل الجميع على تطوير الثقافة المغربية بكل تجلياتها دون إغفال لشريحة معينة. ولحد الآن لا أفهم لماذا يصر البعض على الإبقاء على هيمنة اللغة الفرنسية على المشهد الإداري المغربي ضدا على الإرادة الشعبية. وإن كان لابد للفرنسية من الهيمنة، فمن الأفضل أن تمر العملية عبر استفتاء شعبي ديمقراطي كما هو معمول به في الدول المتقدة وآنذاك سيصبح السجال اللغوي غير ذي جدوى.
إن التطرف في الانحياز إلى الفرنسية ستكون له تبعات على الأمد البعيد قد تعصف بالثقافة المغربية التي هي في حاجة اليوم إلى من يطورها وينميها حتى لا يتحول المجتمع المغربي إلى صورة مشوهة للأصل الفرنسي. فهذا أمر مرفوض وضرب من ضروب الغباء. قد يحترمني الفرنسي عندما أكون له ندا وقد يحتقرني عندما أكون تابعا له لأنني لا أقف معه في نفس المساحة. وبالتالي فإن الاستقلالية الثقافية عن الشرق والغرب هي صمام أمان الثقافة المغربية.