الذكرى الأربعون لملحمة المسيرة الخضراء
إعداد: هوية بريس*
الأربعاء 04 نونبر 2015
حرصت دول الاحتلال قبل مغادرتها معظم أراضي المسلمين على أن تترك وراءها مشاكل وخلافات حول أراض وحدود وجزر متنازع عليها.. وقد كانت دول كفرنسا وإسبانيا وبريطانيا على درجة كبيرة من اليقين بأن مثل هاته العوائق كفيلة بأن تحول دون توحد تلك البلدان وتطورها؛ وارتفاع مؤشرات التنمية والرقي لديها؛ رغم تكاملها وتوفرها على الطاقات والموارد الطبيعية والبشرية الضرورية.
فبدل أن يتعاون الجيران أبناء البلد والدين واللغة الواحدة على ما فيه صلاح البلاد والعباد؛ أقحموا على الدخول في دوامة من الصراعات لا حصر لها؛ جعلت دولهم سوقا خصبة لترويج السلاح؛ وأوهموا أن الحل الوحيد والأوحد لحل النزاعات حول المناطق المتنازع عليها هو في الرجوع إلى الشرعية الدولية واللجوء إلى هيئة الأمم التي يحرك دواليبها محتل الأمس.
ولا يخفى أن ملف الصحراء المغربية هو واحد من تلك الملفات الشائكة؛ فرغم أن الصحراء مغربية بالتاريخ والجغرافيا والعرف.. وهي حقيقة يستحيل إخفاؤها أو تزييفها أو القفز عليها؛ لكن مع الأسف الشديد تصر الجارة الجزائر ومن ورائها إسبانيا على دعم دعاة الانفصال والترويج لأطروحاتهم البائدة الرامية إلى تفتيت هذا البلد وتجزيئه والنيل من وحدته.
حقائق تاريخية تبين مدى الارتباط بين القبائل الصحراوية والدولة المغربية
إن ارتباط الصحراء بالدولة المغربية هو ارتباط وثيق، والذي زاده وثاقة ورسوخا عدة عوامل منها: عامل الدين والعقيدة واللغة.
ويضاف إلى هذه العوامل عامل أساس زاد في إحكام هذه الروابط بين ملوك الدولة العلوية خصوصا، وقبائل الصحراء المغربية، يتمثل في عامل البيعة الشرعية.
والبيعة هي عقد يلتزم فيه طرفاه بما التزما به، فطرف يلتزم بتقديم الطاعة والولاء والامتثال في المنشط والمكره، وفي العسر واليسر.
وطرف يلتزم بالعمل على تطبيق شريعة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وسنعرض بعض البيعات المقدمة من القبائل الصحراوية لبعض الملوك العلويين، ثم نورد بعض الظهائر أو الرسائل التي ولي بها بعض قوادهم للإسهام في سير الحياة، والعمل على إرسائها على الشكل المرغوب فيه.
بيعات القبائل الصحراوية لملوك الدولة العلوية
1- بيعة قبائل أهل الساحل والقبلة، ودليم وبربوش والمغافرة ووادي مطلع وجرار وغيرهم من قبائل معقل، للمولى إسماعيل العلوي وكان ذلك سنة 1089 هـ عندما غزا صحراء السوس، فبلغ أقا، وطاطا، وتيشيت، وشنجيط، وتخوم السودان، آنذاك وتزوج المولى إسماعيل الحرة خناثة بنت الشيخ بكار المغافري. (انظر “الاستقصا”؛ 6/82).
2- بيعة السلطان عبد الرحمن بن هشام بمبادرة أحد الشيوخ الأعلام من صحراء شنجيط ابن طوير الجنة الطالب أحمد المصطفى الشنجيطي التشيني توفي في 1266هـ/1850م، وهو مؤلف رحلة حجازية باسم (رحلة المنى والمنة) فيتحدث فيها عام 1254هـ عن زيارته للسلطان مولاي عبد الرحمن في القصر السلطاني بمراكش، ويذكر عنه: “ولم يبق شيء من أخبار أرضنا وبلادنا إلا وسألني عنه” ثم قال: “وقلت له: يا سيدي، أخبرني شيخي -قدس الله روحه ونور ضريحه- أنه في الحديث: “من مات ولم يدخل تحت بيعة سلطان مات ميتة جاهلية”، والآن أمدد لي يدك أبايعك -فمد يده نصره الله- فقلت له: أبايعك على سنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
3- بيعة لمولاي عبد الرحمن أيضا للشيخ البكاي بن محمد بن المختار الكنتي توفي في 1282هـ/1869م.
وجاءت صيغتها عند مطالع رسالة بعث بها البكاي إلى تلامذته بفاس ومكناس ومراكش، فيعلن فيها ببيعته للسلطان أبي زيد بن هشام، ويشرح لمخاطبيه مزايا إمامته ويحثهم على طاعته.
وقد ورد في الفقرتين الآخرتين من هذه الرسالة: “فعصمنا الله بولايتهم، ونجانا ببيعتهم، أن نكون تحت ولاية العجم وبيعتهم، فإنه قل من بقي من العرب ليس في بيعة العجم، فضاع عزهم، وفسد دينهم، وطاحت دنياهم، إلا من كان منهم بالمغرب في بيعة أهل البيت: هؤلاء الشرفاء الإسماعليين منذ مد الله تعالى في مددهم ومددهم، وبارك في عددهم وعددهم، فاشكروا فيهم نعمة الله بهم، يزدنا ويزدكم من فضله، ولا تكفروها، فيتعدى إلينا ضرر كفركم، ويصل إلينا شرر عدم شكركم.
وقد علمتم، فإن لم تعلموا فاعلموا، أن صاحب هذه البيعة الشرعية والخلافة النبوية هو إمامنا وإمامكم الذي بين أظهركم: سيدنا ومولانا عبد الرحمن بن هشام نصره الله بجنوده التي لا ترى، وأيده بالجنود التي معه في القرى، فمن تمسك ببيعته تمسك بالبيعة النبوية الموروثة المشروعة، ومن أوفى بها وفى بالعهود الإلهية المفروضة المتبوعة، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، ويحفر بظلفه عن نفسه.
4- بيعة للسلطان محمد الرابع من إمام تندوف الشيخ محمد المختار بن الأعمش الجكني، وفيها يعلن عن بيعة الإقليم للسلطان العلوي محمد الرابع فيقول: “الحمد لله الذي أولانا نبيه الكريم، ورسوله الرؤوف الرحيم، محمدا الذي جلا به الفكر البهيم، وصلى الله على سيدنا محمد أتانا بالفضل العميم، وعلى آله وأصحابه الراغبين في إذهاب السيئات، واقتفاء الحسنات.
هذا، وإنه من كاتبه بالسلام الجامع للأدب، الموفي بغاية الأرب، إلى خليفتنا وأميرنا سيدي محمد السلطان ابن السلطان مولانا عبد الرحمن، والإعلام لك بعد حمد الله الذي لا إله إلا هو، والوصية لنفسي ولك بتقوى الله العظيم واقتفاء آثار نبيه الكريم.
إنا متطفلون على موائد الحق، بالطلب لك بنفع المؤمنين من الخلق، بدوام النصر، وتتابع الظفر، نصرا كنصر الخلفاء، يقوم به بأمرك الكفاة الأتقياء، الناصرون لدين الله ودينك حتى ييأس منه العداة الأشقياء.
عاملون بما قضى به الأئمة ومضى عليه الخلفاء، ومتمسكون بالعلم بخشية الله و”إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء“، ومسخرون لك وأنت كذلك للمسلمين وهم المجاهدون الأدلاء، أعاننا الله وإياهم على الجهاد الأصغر، وحفظهم منة الجهاد الأكبر، ألا إنها نعمة عظيمة جلت، ومنة لو بذلت المهج مكافأة عليها لصغرت بإزائها وقلت.
فبشرى بسببك على لو اليد، وسعادة اليوم والغد، والبلوغ بالسعي الأدنى إلى الأمر الأبعد، ويا فوز مناهم، وطيب غرسهم وجنابهم، حيث تبادروا نحوه، ووردوا من خير الدنيا والدين معينه وصفوه، فازدحموا عليه والمسار قد استخفهم، والسعود قد كالت بصاعها ووفتهم، وقد بايعناك على السمع والطاعة، ولزوم السنة والجماعة، والتمسك بالدعوة ببقائها إلى قيام الساعة، في الرضى والسخط، والمكره والمنشط، والعسر واليسر، والقل والكثر، والشدة والرخاء، والسراء والضراء، وعلى ما بويع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه الراشدون والعهد قريب، والمهدي الإمام رضي الله عنه والدين في زمنه غريب.
وما ثبطنا عن القدوم إليكم، إلا خوف نقض العهد من قتلة الشرفاء كما خبره لديكم، وإلا المرض والكبر الملازمان للشخص والغير، وهات يدك يقبلها قرطاسي، نائبا عني وعن جميع ناسي، ويخبرك الطالب محمد بجميع أحوالهم من عدم احترام أهل الإسلام ومالهم وحكم جهادهم أفضل من جهاد النصارى، كما هو منصوص عليه في المدونات الكبرى والصغرى.
وبه كتب عبيدكم محمد المختار بن الأعمش.
توليات ملوك الدولة العلوية لقياد الصحراء
لقد ظل الولاة والرؤساء يتوارثون ظهائر التعيين إلى زمن ليس بالبعيد.
وقد قدمت بعض القبائل وفي مقدمتها أولاد تدرارين جملة من الظهائر الإسماعيلية، بقصد تجديدها إلى محمد الخامس عقب استقلال المغرب وتوجد أصولها في قسم الوثائق الملكية بالرباط.
من بين هؤلاء القادة والرؤساء نذكر:
1- يوسف بن عبد الله
وموطن هذا الرئيس هو توات، وقد انتقل منه واستقر بموضع جنوب وادي نون، وكان هذا الرئيس محط احترام من القبائل في الساقية الحمراء، غير أن الأستاذ محمد الغربي في كتابه “البيعة في الإسلام، ودورها في قيام الدولة المغربية، مع استمراريتها، والمحافظة على كيانها ووحدة ترابها” لم يذكر من عينه من الملوك، إلا أنه قال: “ويبدو أنه أول من أقر في رئاسته من طرف السادة العلويين”.
2- عبيد الله بن سالم
عين هذا بظهير من قبل المولى إسماعيل كقائد وشيخ على تكنة، ولم تمض على رئاسته سوى بضعة أشهر حتى قام الثائر “بوحلاس” ضد حكومة المخزن، وبتفويض من السلطان جمع قبائل تكنة عام 1207هـ/1792م وأحاط بالجهات التي كان الثائر يتحصن بها، إلا أنه انهزم هو ورجاله في هذه الغزوة، وفر هو وبعض أعوانه إلى السودان، ولكن القبائل لم تستكن بعد هذه الحادثة فتحالفت مع قبيلة يوسي واعلي، فقضت على ثورته.
وعندما قام المولى إسماعيل بجولته عبر الصحراء المغربية عام 1217هـ/1802م عاد القائد عبيد الله بن سالم فأقره السلطان على قيادة تكنة بظهير لا زالت العائلة البيروكية تحتفظ به.
المقاومة المغربية للمناورات الأجنبية لاحتلال الساقية الحمراء ووادي الذهب في مطلع القرن العشرين
ذ. إدريس كرم
في موضوعنا الموجود في ص:27 أثبتنا مراسلة مونطاني في كابورز نقلا عن مجلة إفريقيا الفرنسية سنة 1909م (ص:100) نورد نص ملحقها التالي؛ والتي تبين التلاحم بين العرش والشعب في الساقية الحمراء ووادي الذهب لطرد المحتلين مما يؤكد لمن يحتاج لذلك أن مواقف اليوم ليست بالغريبة وأن قدم المغرب راسخة في أراضيه الجنوبية تاريخيا وسلوكا وجهادا وتلاحما.
تقول الرسالة:(14/11/1905) بعد الاحترامات.
الرسالة التي أريد إيصالها إليكم أن كل المسلمين عازمون في موضوع المسيحيين بمعنى كل الأولياء والمقاتلين من هُودَة إلى البحر حيث بعثوا من وبين آل الشيخ ماء العينين.
وجميع النواحي متفقة على الحرب المقدسة ضد المسيحيين والممثلين القادمين التقوا بالشيخ ماء العينين حيث رجعوا مع العامل الجديد الذي بعثه السلطان مولاي إدريس الذي أحضر معه أسلحة جديدة جيدة.
وقريبا سيتوجه الشيخ ماء العينين أو أحد أبنائه إلى السلطان بفاس من أجل إحضار السلاح وما يلزم بناء قواتهم وتجديد ما تم قوله في السنة الماضية (1904م) بمعنى أن المسلمين يشتكون من المسيحيين (الفرنسيين).
إن الشيخ ماء العينين في السنة الماضية قال للسلطان بأن الذين يقولون بأن البلد الذي تحتله ليست لأحد لأنها مهملة؛ وبأن الدول تعتبر مقال فرنسا هراء لأننا نملك ما يكفي من الشواهد على تملكها لذلك على فرنسا أن ترحل.
ألمانيا وقبلها فرنسا كانتا تتنافسان على المنطقة وتربط علاقة تجارة مع السلطان تعود عليه بفضل التبادل التجاري بأموال هامة.
وقد أبدت ألمانيا استعدادها للتكلف إذا لم ترد فرنسا أن تجلى عن المنطقة؛ وقد وقع اجتماع للدول القوية تحَدَّث فيها أولا ممثل إسبانيا ثم أخيرا ممثل فرنسا؛ وأجمعوا على أن يلتزم الجميع بالتهدئة مع الشيخ ماء العينين وأن المنطقة شأن مغربي لأن ما وجد في وثائق مولاي إسماعيل بأن حدود المغرب الجنوبية تصل إلى سان لوي فإن لم ترد كتابة كل ما نعرف كما يفصل كل المسلمين فلأن ذلك غير مهم.
أنا أكلفك إذن بالاتصال بالخليفة عندما يأتي إلى ادرار أو أن تبعث له أحدا مكانك وتكتب له أيضا يجب عدم إهمال أي شيء في موضوع المسيحيين؛ افعلوا كل شيء ضدهم والله يحميكم لأن المخاطر كثيرة وهم أيضا خطرون أكثر من السم.
عندما يدخلون إلى بلد ما يقضون على الدين ثم يقتلون الرؤساء ويأخذون أموال الناس ولا يتركون إلا النساء والأطفال.
والإنسان الذكي عليه ألا يفعل مثل الأرنب حيث يبقى فاتحا عيونه إلى أن يقتله الصياد.
يجب خوض الحرب المقدسة؛ فالمسلمون أقوياء بفضل دينهم والكافر ضعيف بسبب كفره وعدوانه.
(الشيخ محمد الأمجد بوعلام).
في 7 يناير 1907 توصلت وزارة الخارجية بباريس برسالة مؤرخة ب 2 يناير 1907 من العامل العام لإفريقيا الغربية الفرنسية إلى رسالة تخص أولاد غيدا أمير أدرار الذي خرج من تاكانت مع 300 جمل للحمل إلى حيث وصل إلى كاب جوبي من أجل جلب السلاح والذخيرة التي بعث بها سلطان المغرب. لذلك يجب التدخل لدى سلطان المغرب في الموضوع عاجلا.
(ميلي لاكروا).
باريس في 23 أبريل 1907: آخر إرسالية سلاح تم من طرف المخزن للشيخ ماء العينين أظهر لنا بأننا لن نقول إلا على حركتنا الشخصية من أجل المبادرة إلى اتفاق حول الموضوع.
أرجو إحاطة الحكومة الإسبانية بالأمر حيث أرى ضرورة إرسال بارجة حربية فرنسية إلى كاب جوبي من أجل مراقبة إنزال الأسلحة هناك واعتراض العمليات ذات الطبيعة التنفيذية تحت علم المغرب. وهذا يعني بصفة مؤقتة بالاتفاق مع إسبانيا في هذه المنطقة نحن نطالب منكم -الإسبان- إرسال باخرة حربية تتوقف في كاب جوبي لمنع نقل الأسلحة و الذخائر ووضع حد لتهريب السلاح.
(بيشون).
في 13 دجنبر 1905 يبعث موظف دائرة kayesبالبرقية التالية لمرؤوسيه.
وصلتني رسالة من حاشية سالوم رئيس المور المقيم في دائرة كاين أن ابن الشيخ ماء العينين قدم لزيارة رئيس المور المهم حاملا رسالة مكتوبة من الشيخ باسم السلطان عبد العزيز تتضمن نصائح توجب الاستماع.
جاء في تلك الرسالة بأن سلطان المغرب يخبر في المراسلة بأنه لم يجز للحكومة الفرنسية بأن تنشئ مراكز بأرض المسلمين وخاصة في التراب الموريطاني، ويدعوا إلى الثورة ضد الفرنسيين وطردهم وهو على استعداد لبعث القوات من أجل المساعدة على ذلك .
(رسالة عبد العزيز أحضرها خمسة من زعماء المور الآتية أسمائهم ص:101).
مقدمة ثقافة الصحراء من خلال مقوماتها المغربية لدى الفقهاء والشعراء والمتصوفة والعلماء والمؤلفين والنقاد
العلامة الدكتور لحسن وجاج
أول ما يستشف من صيغة هذا الموضوع أن الثقافة المتحدث عنها صحراوية، وأن مقومات هذه الثقافة مغربية، لذلك يجمل بنا قبل الحديث عن ثقافة الصحراء أن نمهد لها بمقدمة توضح للسامعين مدلول الصحراء ومدلول المغرب الأقصى ومدلول السوس الأقصى، لأن المدلولات الثلاثة اعتراها بعض الغموض في استعمالات اليوم.
ومن ثم كان لزاما على كل من يريد التحدث عن ثقافة الصحراء أن لا يهمل جذورها الجغرافية والعربية والإسلامية والمغربية؛ ذلك لأن هذه الثقافة ما زالت تحتفظ بأصالتها العربية وطابعها الإسلامي وسماتها القومية المنحدرة من أصول عربية وبربرية شارك في تكوينها وانصهارها عناصر شرقية وأندلسية ومغربية في آن واحد، ثم تكوَّن منها هذا الشعب الذي يعرف اليوم بالأمة المغربية، وهذه القبائل المنبثة في المدن والجبال والسهول والصحراء متبنية هذه الثقافة إلى يومنا هذا، وبعبارة أخرى لا بد لمن يريد التحدث عن ثقافة الصحراء اليوم أن يمهد لها بوصف مجالها الزماني والمكاني الذي نشأت وترعرعت فيه.
فالتحدث عن ثقافة الصحراء إذن يقتضي منا تحديد مدلول السوس الأقصى ومدلول الصحراء وكونها إقليما من أقاليم المغرب، كما يقتضي منا الإشارة إلى تاريخ الفتح الإسلامي لهذا الإقليم والإشارة إلى أنواع العوامل التي وحدت بين الشمال والجنوب من هذه الأصقاع التي يطلق عليها اليوم المغرب الأدنى والمغرب الأوسط والمغرب الأقصى، كما يطلق على جزء منها السوس الأقصى والصحراء، وعلى الجزء الآخر السوس الأدنى.
أما عن مدلول السوس الأدنى والأقصى فيشير إليه ما ورد في معجم البلدان لياقوت الحموي عند قوله: “أطلق الجغرافيون العرب القدامى على منطقة سوس الحالية اسم السوس الأقصى مقابل السوس الأدنى الذي يشمل سائر بلاد المغرب الأقصى حتى البحر المتوسط”. ج5ص172.
وأما عن مدلول السوس الأقصى وحده فأقدم إشارة إليه؛ ما ورد في تاريخ ابن خلدون ج4 ص14، ونصه: “خرج إدريس الثاني غازيا بلاد المصامدة فانتهى إليها واستولى عليها ودخل مدينة نفيس ومدينة أغمات وفتح سائر بلاد المصامدة، ثم إنه قسم مناطق الدولة بين أبنائه فكان أن اختص عبد الله بأغمات وبلد نفيس وجبال المصامدة وبلاد لمطة والسوس الأقصى”.
وأما عن اتحاد الشمال بالجنوب وامتزاج عناصر العرب بالبربر فيشير إليه الدكتور محمد حجي بقوله: “ولا تتفق الروايات التاريخية على وصول العرب الفاتحين الأولين إلى سوس، لكن من المحقق أن أسرا عربية كثيرة استقرت في هذه المنطقة عبر عصور التاريخ الإسلامي وامتزجت بالسكان الأصليين امتزاجا قويا حتى لم يعد من الممكن التمييز بينهما إلا في شجرات الأنساب المحفوظة في الرسوم أو كتب التراجم”1.
وعن التواصل الثقافي بين أجزاء المغرب الكبير يقول الدكتور حجي: “لم تنقطع الصلات الثقافية بين أجزاء المغرب الكبير طوال العصر الإسلامي لانعدام الحواجز الطبيعية بينها ولخضوعها في الغالب لسلطة زمنية واحدة”2.
يضاف إلى هذا ما ذكره الدكتور عباس الجراري قائلا: “إن ثقافة الصحراء كانت دائما ثقافة تواصل؛ حيث نجد العلماء والأدباء الصحراويين يتوافدون على أقاليم الشمال إما للدراسة أو للتدريس وإما للاتصال بالملوك قصد مدحهم أو الكتابة لهم” اهـ.
وعن تواصل الأسر يقول في الكتاب نفسه: “دون أن ننسى تواصل الأسر والأنساب حيث نجد لكل أسرة عريقة وشريفة في الصحراء أصلا أو فرعا في المغرب أو في موريتانيا؛ ومن خير الأمثلة على ذلك العروسيون، فهم ينتمون إلى الشيخ سيدي أحمد العروسي المدفون في ناحية السمارة وكان مقيما من قبل في مراكش، وكذلك قبائل الرقيبات، وهي تشكل نسبة كبيرة من سكان الصحراء” اهـ3.
قلت: إذا كانت الروايات التاريخية لا تتفق على وصول العرب الفاتحين الأوائل إلى سوس حسب قول الدكتور حجي وكان كلام كل من ياقوت الحموي وابن خلدون غير واضح في تعيين المراد من السوس الأقصى والصحراء؛ فإن كلام الدكتور حجي والدكتور الجراري يدل دلالة واضحة على التحام الأسر في الشمال والجنوب وعلى الاتصال الثقافي بين أجزاء المغرب الكبير في مختلف العصور الإسلامية وذلك بقطع النظر عن تحديد تاريخ الفتح الإسلامي لهذا الإقليم.
ولعل الذي يفيدنا أن قبائل الصحراء اعتنقت الإسلام قبل القرن الخامس الهجري؛ هو قصة الأمير يحيى ابن إبراهيم الكدالي الواردة في كتاب “الاستقصا”4، وخلاصة هذه القصة أن الأمير يحيى المذكور بعد رجوعه من أداء فريضة الحج اتصل بالشيخ أبي عمران الفاسي في مدينة القيروان وطلب منه أن يساعده ببعض تلامذته مرشدا لقبائل الصحراء، ولما امتنع تلامذة الشيخ من الذهاب إلى الصحراء زوده برسالة إلى أحد تلامذته ببلاد سوس وهذا التلميذ هو الشيخ محمد وكاك بن زلو اللمطي، ثم إن الشيخ وكاك هذا هو الذي انتخب أحد تلامذته للذهاب مع الأمير يحيى إلى الصحراء، وهذا التلميذ هو الشيخ عبد الله بن ياسين الجزولي السوسي مؤسس الدولة المرابطية من شباب الصحراء، ومعنى ذلك أن سكان الصحراء كانوا يعرفون الإسلام قبل حركة المرابطين، وحركة المرابطين إنما هذبتهم ووحدت صفوفهم وأذكت في نفوسهم روح الجهاد.
هذا وقد تحدث عن مدلول الصحراء كل من الشيخ أحمد بن الأمين الشنقيطي والشيخ محمد الإمام بن الشيخ ماء العينين وأثبت كل منهما أن بلاد شنقيط جزء من المغرب؛ ذلك لأن بلاد شنقيط اسم مرادف لاسم الصحراء الغربية، وأن هناك من ينكر أن شنقيط من المغرب كما أن هناك من يزعم أن شنقيط من السودان؛ فالاستعمار الإسباني ينكر أن يكون شنقيط من المغرب، كما أن بعض الجزائريين بالمدينة المنورة يزعم أن شنقيط من السودان.
لكن الشيخ محمدا الإمام دافع عن مغربية شنقيط في رسالته “الجأش الربيط ص:1″، ومثله الشيخ أحمد بن الأمين الشنقيطي في كتابه “الوسيط في تراجم أدباء شنقيط ص423”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين (2/555).
2- المصدر والصفحة نفسها.
3- ثقافة الصحراء للجراري.
4- كتاب الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى (2/6).
حقائق جوهرية في قضية الصحراء المغربية قراءة في كتاب: “جيوستراتيجية قضية الصحراء”
حماد القباج
أصدر الأستاذ سعيد رحيم في أواخر هذا العام (2010)؛ الترجمة العربية لكتاب: “جيوستراتيجية قضية الصحراء”؛ الذي أكد فيه مؤلفه أديب حمصي بـ”أن الدفاع عن الحقائق التاريخية وعن الأحداث والوقائع الماثلة تؤكد بالملموس أن المغرب على حق.
وهذه الحقائق ليست حقائق مجانية كما أنها ليست منة؛ لأن التاريخ والوقائع (الفرانكو-إسبانية) هي التي فرقت بين المغرب الحالي والصحراء وموريتانيا، مما يبين العلاقات المتينة بين العرش العلوي والشعوب التي تقطن المحيط الإفريقي حتى نهر السينغال، على الأقل مدة 1200 سنة”1.
الوفاء للانتماء:
ومما يؤكد تلك الحقائق؛ أنه “في (عام) 1975م، كان هناك في مدينة العيون ما يطلق عليه الجامعة (البرلمان)، وهو مكون من أعيان القبائل الصحراوية الذين تم انتخابهم إبان الاستعمار الإسباني للصحراء، وقد قرر هذا المجلس بإجماع وبحكم تمثيليته لسكان الصحراء وأهل المنطقة التصويت على إلحاق المنطقة بالوطن الأم المغرب، كما تم تكليف السيد خطري ولد سعيد ولد الجماني باعتباره رئيس هذه الجماعة (البرلمان) وممثلا لها يوم خامس نونبر 1975 للقاء العاهل العلوي في مدينة أكادير، لكي يقدم له البيعة”2.
و”هناك معلومة مهمة أخرى من تاريخ الصحراء تتمثل في تأسيس مدينة السمارة على يد الشيخ ماء العينين الذي كانت له روابط البيعة بالسلاطين المغاربة، حيث قام بزيارته الأولى إلى المولى عبد الرحمن بمدينة مراكش وعاش ماء العينين مع المولى عبد الرحمن ومع ثلاثة سلاطين آخرين من بعده.
وقد أسس هذا العالم الديني مدينة السمارة في 1898م بمساعدة مهندسين وبنائين وآليات أرسلها إليه السلطان المولى عبد الرحمن من شمال المملكة”3.
قلت: السلاطين الثلاثة بعد المولى عبد الرحمن هم: ابنه محمد [الرابع] (ت.1290)، والحسن الأول بن محمد (ت.1311)، والمولى عبد العزيز (ت.1362) رحمهم الله.
وقد امتدت مدة حكمهم من عام (1238) إلى سنة (1325).
المفارقة والكيل بمكيالين:
وفي معرض بيان ازدواجية موقف الأمم المتحدة يقول المؤلف:
“لا أحد يتكلم اليوم عن معاناة شعب كشمير ولا عما يتعرض له من اضطهاد وقمع وتعذيب وقتل، ولا عن نصف الجيش الهندي المتواجد في تلك المنطقة الجبلية، التي واجهت ساكنتها -وعددها لا يتجاوز 10 ملايين نسمة- المحتلين ببسالة وقوة، ومع ذلك ينعتون بـ”القتلة” و”الإرهابيين”.
خلافا لذلك؛ فإن جبهة البوليساريو التي تخطف وتعذب وتقتل وتسجن الأبرياء وتمارس في حقهم جرائم ضد الإنسانية، كما فعلت حيال الثلاثة عشر صيادا كناريا (أثناء مزاولة عملهم من أجل لقمة العيش) يصفها البعض بكونها “جبهة تحرير”4.
قلت: ولعل من آخر نماذج ازدواجية مواقف الدول (العظمى!)؛ موقفها من نتائج انتخابات ساحل العاج هذا العام 2010 في مقابل موقفها من نتائج انتخابات فلسطين عام 2005!
وعين الرضا عن كل عيب كليلة***لكن عين السخط تبدي المساويا
أصول المغالطة الحقوقية:
“يقدم الناشطون الحقوقيون الموالون للبوليساريو للرأي العام الأجنبي صورة مغلوطة عن البوليساريو تفيد أن هذه الحركة دولة قائمة الذات من خلال ثلاث نقاط:
أولا: الصحراء كيان مستقل بهوية واضحة وأن البوليساريو هو الممثل الشرعي لكل الصحراويين.
ثانيا: أن الجمهورية الديموقراطية الصحراوية هي دولة قائمة شرعية وأن المغرب احتل دولتهم سنة 1975.
ثالثا: وأن البوليساريو بالإضافة إلى ما سلف ذكره يمثل شعبا صحراويا من أصول عربية، والمغاربة برابرة.
والخلاصة من مضمون هذا الخطاب هو محاولة إظهار أن الصحراويين لا علاقة لهم بالمملكة المغربية”5.
البعد الصليبي:
“هناك مقالة لدون هنري (وهو كاتب صحفي متعاطف مع البوليساريو) في جريدة “الصحراء الحرة” بين فيه أن هناك عددا من الفرنسيين يدعمون البوليساريو بهدف معاداة الإسلام والكراهية للعالم الإسلامي، ويتخذون من دعم البوليساريو غطاء للعداونية اتجاه المغرب كآخر بلد إسلامي في الحدود مع الغرب”6.
قلت: لقد تجلى البعد الذي يقوم على العداء للإسلام في تحركات (الحزب الشعبي الإسباني) وأشياعه، وما تلاها من موقف برلمان الاتحاد الأوروبي.
وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن مصداقية الخلاصة التي توصلت إليها دراسة (المركز الثقافي البريطاني) -الصادرة في نونبر- في موضوع: “صراع الحضارات” في المنطقة “الأورومتوسطية”، وهي أن فكرة الصراع وهم تروج له بعض وسائل الإعلام المتشددة!!
والحقيقة أن الأحداث الأخيرة المرتبطة بموضوع وحدتنا وصحراءنا، لها تعلق قوي بتنامي موجة (الإسلاموفوبيا) في الغرب، وهو ما يجعلنا نجدد السؤال عن جهودنا في دعوة الغربيين إلى الإسلام وتعريفهم بحقيقته ورسالته النبيلة، كما نتساءل: كيف سنواجه تلك المواقف العدوانية ونحن نعاني من هزال خطير مقصود في تربيتنا الدينية، هزال فقدنا بسببه المناعة ضد عملية المسخ الممنهج الموجهة ضد هويتنا وقيمنا وولاءنا لله ولرسوله ولدينه؟!
وهي مؤامرة نسجت خيوطها الصهيونية العالمية، وتعرِض أزياءها العلمانية التي تنكر حقيقة تلك المؤامرة، وتتجاهل -على طريقة النعامة- واقع النفاق الأممي وتحيزه السافر ضد مصالح الأمة..
ومن هنا فإنها تستبعد المقاربة الشرعية (الدينية)، وتبشر بسلام وتعايش لا يؤمن بهما المعادون لديننا ووحدتنا إلا نفاقا ومخادعة..
وإلا فقد أعلنها (راعي البقر) صليبية حاقدة، والذين أخفوا ضغائن قلوبهم كشفهم لحن الفعل؛ في فلسطين والبوسنة، والعراق، وأفغانستان، وباكستان، والسودان، والصومال..
فعن أي أمْن تتحدث العلمانية؟ وأي تعايش تقصد؟
وهل يصح أن نواجه كل ذلك العدوان بتهميش أحكام الشرع في هذا الواقع المدلهم؟ ونظن بأننا نحافظ على وحدتنا باستبدال قيم الدين بقيم المواطنة؟؟
مع أنهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر؟!
ولا ينبغي أن ننسى بأن الشيوعية هي المؤطر المؤسس لحركة الانفصال الصحراوية، وقد لعب الدين الدور الأبرز في إبطال خططها من خلال مفاهيمه الشرعية المتميزة..
الديموغرافية الصحراوية:
“يعيش اليوم في أراضي الصحراء المغربية ثمانون في المائة من الصحراويين الذين كانوا تحت الاحتلال الإسباني، فيما يعيش آخرون في إسبانيا وموريتانيا وفي مدن الشمال بالمغرب.
وتعيش نسبة قليلة جدا ممن تم تهريبهم من الصحراء المغربية عقب سنة 1975م، في الصحراء الجزائرية بتندوف إلى جانب الصحراويين الجزائريين والموريتانيين وعرب من النيجر ومالي.
فالآلاف ممن تركوا مخيمات تندوف يعيشون حاليا في الأقاليم الجنوبية بكل من مدن العيون والسمارة والداخلة وبوجدور، أو في المدن المغربية الكبرى مثل العاصمة الرباط أو في العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء.
الصحراويون متمسكون بمغربيتهم:
يقول أديب: “في الأسبوع الأخير من شهر فبراير 2009، قمت بزيارة إلى الصحراء المغربية وتكلمت مع العديد من الصحراويين، ومنهم من يتكلم اللغة الإسبانية، وتأكد لي من خلال ذلك أن معظم هؤلاء يؤكدون انتماء الصحراء للمغرب وهم مخلصون لبلادهم المغرب ويفتخرون بالعرش العلوي.
كما تعرفت بنفس المناسبة على الكثير من الشخصيات الصحراوية التي عادت من مخيمات تندوف، هؤلاء أيضا يعترفون بالتأثير المباشر للأجهزة الأمنية الجزائرية على تكريس الأزمة السياسية المصطنعة في الصحراء، وذلك من خلال قيام الجزائر بترسيخ وتأطير الجمهورية الوهمية بأوهام الوطنية والعروبة، باسم الحرية والاشتراكية”7.
قلت: الشعب الجزائري شعب لنا معه تاريخ عظيم ومصالح أعظم، ولكنه ابتلي بحكم يوجهه العسكر والمستعمر القديم..
والواجب علينا أن نرجع إلى توجيهات شرعنا ونجعلها أساسا لإصلاح ما فسد وإقامة علاقات تحفظ مصالحنا المشتركة..
التاريخ والبيعة:
“إن أول مملكة مغربية تأسست في عهد الإسلام هي دولة الأدارسة وكانت عاصمتها فاس، مضى على تأسيسها اليوم ثلاثة عشر قرنا، وبني مسجد القرويين بها عام 245 الهجري (857م).
وظل المغرب بتاريخه وحضارته في المنطقة المغاربية مستقلا منذ القرن الثامن.
وما يسمى بالصحراء “الغربية” في تلك الفترة كانت -ساكنة وأرضا- مندمجة في هذه الدولة الكبيرة بعملتها ولغتها وبمدارسها الدينية وبشيوخها وزعماء قبائلها الذين كانوا مندمجين تماما في هذا المحيط المغاربي.
..ولا ننسى أن الجزائريين واجهوا الاستعمار الفرنسي بزعامة الأمير عبد القادر، الذي يعترف بسلطة السلطان المغربي ويعتبر نفسه مبايعا له”.
قلت: وقد بايع الجزائريون السلطان المغربي مرتين عامي 1221 و1228.
“وبمجرد بيعة القبائل الصحراوية لأمير المؤمنين، خاصة منذ القرن الثامن عشر تبين أن تمرد هذه القبائل على الاستعمار الإسباني كان من منطلق البيعة، التي مثلها آنذاك الشيخ ماء العينين الزعيم الروحي للصحراويين، والذي آوته وأكرمته قبائل الرقيبات ودفعت بأبنائها لكي تتتلمذ على يده.
فقبائل الرقيبات، المعروفة بكرمها وشجاعتها، شكلت على الدوام الدرع الواقي ضمن صفوف الجيوش المغربية لحماية حدود المملكة، شرقا وغربا وجنوبا، من الغزو الأجنبي”8.
قلت: لقد استفاد المغرب كثيرا من محافظة الدولة على نظام البيعة وهي “ميزة شرعية عالية المستوى”، لعبت -ولا تزال- دورا أساسيا في حفظ الاستقرار والوحدة، وهو شأن كثير من الأحكام الشرعية التي جنت عليها يد العبث العلماني التي أخرجتنا من ضعف التخلف إلى ضعف الرق والتبعية المذلة..
ــــــــــــــــــــــــــ
1- جيوستراتيجية قضية الصحراء (ص.10-11).
2- (ص. 11-12).
3- (ص. 12).
4- (ص.17).
5- (ص. 19).
6- (ص. 21).
7- (ص. 25-26).
8- (ص. 38-39).
حتى نفهم قضية الصحراء المغربية..!
راغب السرجاني
حتى نفهم قضية الصحراء المغربية لا بد من العودة إلى الجذور ليتضح لنا الحق من الباطل؛ فقد بدأت قصة الصحراء في سنة 1884م في أخريات القرن التاسع عشر عندما عقدت دول الاحتلال الكبرى، وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال، مؤتمرًا في برلين بألمانيا، حيث قاموا بتقسيم إفريقيا بكاملها على دول الاحتلال الستة، وقد تم الاتفاق في هذا المؤتمر على أن تتقاسم فرنسا وإسبانيا المغرب، مع الأخذ في الاعتبار أن فرنسا كانت تحتل بالفعل الجزائر بدءًا من عام 1830م، وكذلك تونس عام 1881م، وقد اعترض إمبراطور ألمانيا على هذه القسمة؛ لأنه كانت لديه أطماع لاحتلال مدينة طنجة، فقامت فرنسا بترضيته عن طريق التنازل له عن الكونغو مقابل السماح لها باحتلال طنجة!
هكذا كان حال من خرج من رحم الثورة الفرنسية وتشبع بمبادئ الديمقراطية والحقوق؛ والعدالة والأخوة والمساواة؛ كان يقسِّم البلاد كما يقسِّم أيُّ مجموعة من اللصوص أموالاً سرقوها، والأغرب أن هذا التقسيم كان قبل السرقة الفعلية، ولقد تمت معظم توصيات مؤتمر برلين بشكل مذهل، ودفعت إفريقيا الثمن باهضا، وما زالت تدفعه إلى الآن.
وكان المغرب في وقت مؤتمر برلين (1884م) تحت حكم السلطان الحسن الأول بن محمد (1874- 1894م)، وفي عهده ازداد الضغط والنفوذ الأجنبي، وكانت طنجة تُحكم بمجلس يتناوب على رئاسته الفرنسيون والأسبان، ثم ما لبثت فرنسا أن احتلت تونس سنة 1881م، إضافةً إلى الجزائر من سنة 1830م، ومنه علم السلطان المغربي أن الدور عليه، وأن فرنسا لن تترك بلاده، فما كان منه إلا أن أخذ في بحث عن وسيلة لتأمين المغرب؛ ولجأ إلى بريطانيا لتحميه من فرنسا، ولكن بريطانيا وفرنسا اتفقتا معًا على أن تُطلق بريطانيا يدَ الفرنسيين في المغرب على أن تغضَّ فرنسا الطرف عن احتلال بريطانيا لمصر!
وبالفعل احتلت بريطانيا مصر سنة 1882م، وأصبح الطريق مفتوحًا لفرنسا لكي تحتل المغرب. وأثناء المؤتمر حدث نزاع بين فرنسا وإسبانيا على المغرب، واتفقا داخل المؤتمر على تقسيم المغرب بينهما.
كان المغرب آنذاك مملكة كبيرة تمتد من البحر الأبيض المتوسط شمالاً إلى السنغال جنوبًا، وهي بذلك تشمل في داخل أراضيها مملكة المغرب الحالية، وأرض الصحراء المتنازَع عليها، وكذلك دولة موريتانيا بكاملها والصحراء الشرقية.
واحتلال المغرب لم يكن رغبة فرنسية فقط، إنما كان رغبة فرنسية إسبانية مشتركة، لكن أساطيل فرنسا كانت مشغولة بالعربدة في موانئ العالم المختلفة، فقد كان لها أطماع توسعية فوق التخيُّل؛ مما جعلها تؤجِّل الملف المغربي قليلاً، على عكس إسبانيا التي فقدت معظم مستعمراتها السابقة، وبالتالي كانت شغوفة جدًّا باحتلال جزء من الأراضي المغربية. ومن هنا فقد زحفت الأساطيل الإسبانية لترسو على ساحل منطقة الصحراء الغربية في وسط المغرب آنذاك، وقامت باحتلاله، وذلك في سنة 1884م، وبذلك فَصَلتْ بين شمال المغرب الواقع تحت سيطرة السلطان الحسن الأول، وبين جنوبه الذي سمِّي بعد ذلك بموريتانيا.. وهذا هو الاحتلال الذي سيبقى 91 سنة متصلة (من 1884 إلى 1975م).
لكن فرنسا الإمبريالية لم تقبل بهذا الوضع، ومن ثَمَّ جهزت نفسها لتحتل الجزء الجنوبي من بلاد المغرب (جنوب الصحراء الغربية المحتلة من قِبل الأسبان)، وهي المنطقة التي عُرفت بعد ذلك بموريتانيا (مورو/تانيا أي أرض المسلمين في اللغة الإسبانية)، ونزلت بالفعل الأساطيل الفرنسية في أرض موريتانيا سنة 1902م لتحتلها بكاملها على الرغم من المقاومة الشعبية.
ولم تتوقف منذ ذلك الوقت حلقات مسلسل الجهاد لطرد العدو الإسباني والفرنسي من الأرضي المغربية؛ وقد قاد الجهاد رجال أشاوس كالشيخ المجاهد ماء العينين والأمير عبد الكريم الخطابي وابنه محمد بن عبد الكريم الخطابي، واستمرت ثورات الشعب المغربي الأصيل، سواءٌ في الشمال أو في الصحراء الغربية أو في موريتانيا، وزادت حدة الثورات في سنة 1952م عندما عزل الفرنسيون السلطان محمد الخامس، ووضعوا مكانه محمد بن عرفة، ولكن فرنسا ازدادت في قمعها للثورة، وقامت بنفي السلطان محمد الخامس، وابنه الحسن الثاني إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر، وذلك في سنة 1953م.
لكن هذا لم يهدِّئ الثورة، بل زادت وتوهجت، وعُرفت بثورة “الملك والشعب”، وشعرت فرنسا أن الأمور تخرج من يدها، فاضطرت إلى إعادة السلطان محمد الخامس إلى المغرب 1955م، بل قامت بالجلاء عن الشمال المغربي سنة 1956م؛ لينال هذا القسم من المغرب استقلاله، وفي نفس الوقت رحلت إسبانيا عن منطقة الريف في أقصى شمال المغرب، وإن ظلت تسيطر على مدينتي “سبتة ومليلية”.
وقد رفض الملك الراحل محمد الخامس رحمه الله تعالى العرض المغربي الذي تقدمت به فرنسا خلال شهر أبريل 1956م والمتمثل في إعادة الصحراء الشرقية التي تزيد مساحتها عن مليون كلم مربع للحظيرة المغربية مقابل وقف كل أشكال الدعم والمساندة لجهاد الأشقاء الجزائريين.
ومع استقلال جزء الشمالي من المغرب إلا أنّ الصحراء الغربية ظلت تحت الاحتلال الإسباني، وكذلك موريتانيا ظلت تحت الاحتلال الفرنسي، وازدادت الثورات في هذه المناطق لتحقِّق التحرير كما حدث في الشمال، لكنَّ الاستعماريْن الفرنسي والإسباني قاما بالتنسيق معًا سنة 1958م في اتفاق أم قرين (شمال موريتانيا)؛ لقمع ثورات المسلمين في هذه المناطق.
وبالفعل تم الحد من الحركة المسلحة في منطقة الصحراء الغربية في نفس السنة 1958م لتتوقف لأكثر من عشر سنوات عن المقاومة، لكن الأمر في موريتانيا كان مختلفًا؛ حيث أدت الثورات إلى خروج فرنسا من موريتانيا سنة 1960م، لتعلن هذه المنطقة استقلالها، ولكن كدولة منفصلة عن المغرب، وهي المعروفة الآن بدولة موريتانيا.
شعرت إسبانيا بالقلق الشديد لاستقلال المغرب وموريتانيا، ومِن ثَم أعلنت سنة 1961م أن الصحراء الغربية محافظة إسبانية، في محاولة لصرف أذهان المغاربة تمامًا عن هذه المنطقة. وفي هذا الوقت توفِّي السلطان محمد الخامس ليخلفه في حكم المغرب ابنه الملك الحسن الثاني الذي آثر الطريق السلميّ في حل مشكلة الصحراء الغربية وموريتانيا، فلجأ إلى الأمم المتحدة لكي يطالب بتحرير الصحراء وضمّ موريتانيا إلى المغرب كما كانت قبل الاحتلال الفرنسي لها، وهذا -لا شك- أدى إلى أزمة واضحة بين المغرب وموريتانيا.
تحررت الجزائر سنة 1962م من الاحتلال الفرنسي، وما لبثت أن دخلت في صراع عسكري مع المغرب بخصوص منطقة تندوف، وهي أرض مغربية ضمها الاحتلال الفرنسي للجزائر، وطالب بها المغرب بعد استقلال الجزائر، لكنْ لم يتوصل الطرفان إلى حل؛ فدارت معركة عُرفت بـ “حرب الرمال” في أكتوبر 1963م.
وقد عمدت الحكومة الجزائرية سنة 1973 إلى إنشاء ودعم جبهة البوليساريو التي شكلها مجموعة من الشباب الصحراوي ذوي التوجه اليساري الماركسي؛ ودعمتها ومولتها كل من الجزائر وليبيا وكوبا؛ وتزايد في البداية الاعتراف بها دوليا بين الدول الاشتراكية خصوصا؛ بسبب القطبية الثنائية، حيث كانت البوليساريو تمثل المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي، ومع الثمانينيات استطاع المغرب أن يعزز وجوده العسكري في الصحراء مانعا هجمات البوليساريو العسكرية من اختراق الجدار الرملي المنيع.
والبوليساريو لا يمثلون طبعا كل شرائح الشعب الصحراوي المسلم الذي يعتز بالانتماء إلى المغرب وإلى الأمة العربية المسلمة؛ فهذه الطائفة ما ظهرت إلا بعد خروج الاحتلال الإسباني من جنوب المغرب؛ وقد جعلت خنجرا في ظهر المغاربة؛ واستغل الفكر المادي لخدمة المصالح الأجنبية في سعي مكشوف لتكريس سياسة فرق تسد؛ ولإذكاء نار العداوة بين المسلمين وتشتيت شملهم واستنزاف موارد الدولة المغربية في الإنفاق على التسلح، والرابح من هذا كله هو محتل الأمس.
مسلسل أحاجي وأكذوبات وكالات الأنباء الجزائرية والإسبانية والفرنسية
يوما بعد آخر يتبين لنا أن أعداء الوحدة الوطنية مصرون على تفتيت هذا البلد والنيل من وحدته؛ ويسعون إلى تهديد أمنه واستقراره، وتدفعهم أطماعهم التوسعية إلى القفز على الحقائق البينات؛ والترويج لأطروحات يعلم الجميع أنها مجرد أوهام وأضغاث أحلام.
فبالإضافة إلى الدعم السياسي والعسكري الذي تحظى به الجمهورية الوهمية من لدن إسبانيا والجزائر وغيرهما فإن هاته الدول لا تتوانى في دعم دعاة الانفصال عبر أهم أسلحة العصر وهو سلاح الإعلام؛ ويروجون لأطروحات دعاة الانفصال بالكذب والبهتان؛ واستغلال بعض الأحداث التي تعرفها المنطقة أبشع استغلال؛ ليكشفوا بذلك وبكل جلاء عن حقد دفين وكراهية غير مسوغة اتجاه هذا البلد ووحدته ونظامه.
ومن صور الحقد تلك ما دأبت على نشره العديد من وكالات الأنباء والمنابر الإعلامية الجزائرية والإسبانية والفرنسية بخصوص قضية الصحراء المغربية؛ والناظر بحياد وإنصاف إلى هاته المصادر الإخبارية يكتشف للتو اللعبة التي تخوضها وكالات الأنباء ضد قضايا المغرب، و”يدرك جدلية الصراخ والصمت في الخط التحريري الذي تطبقه إزاء المغرب، والصراخ حين يتعلق الأمر بقلب الحقائق وتزييف الوقائع بل والكذب في بعض الأحيان، والصمت حين يحتم السلوك الصحفي السليم نقل ما أنجزه وينجزه المغرب على الأرض”.
فبالأمس القريب غضت (فرانس برس) الطرف عن الاعتقال والتعذيب الذي تعرض له مصطفى ولد سلمى، من طرف “البوليساريو” فوق التراب الجزائري لمجرد كونه جهر برأيه المؤيد لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، كما غضت الطرف عن المنع الذي تعرض له والد مصطفى ولد سلمى وشقيقه من طرف السلطات الجزائرية حين رفضت هذه الأخيرة السماح له بالتوجه إلى مخيمات تندوف لتفقد أحوال عائلة ابنه، ترى لماذا لم تتحدث (فرانس برس) الحريصة على الدفاع عن حقوق المستضعفين عن محنة هذا الشيخ الطاعن في السن بمطار الجزائر العاصمة وهو قريب إلى مكتبها هناك؟!
ولماذا لم تتحدث وكالة (فرانس برس) عن اعتقال الأجهزة الأمنية الجزائرية لصحافيين مغربيين بمطار تندوف توجها إلى هناك لتغطية وصول مصطفى ولد سلمى عائدا من السمارة إلى مخيمات تندوف؟!
لماذا لم تلتفت هذه الوكالة إلى الصحفيين المغاربة الذين منعتهم السلطات الإسبانية في الآونة الأخيرة من الدخول إلى سبتة ومليلية لتغطية الاحتجاجات الاجتماعية التي اندلعت بهاتين المدينتين المغربيتين المحتلتين، أليس من صميم المهمة الصحفية لوكالة الأنباء الفرنسية الإخبار عما تعرض له هؤلاء الصحفيين المغاربة من إهانات وتعنيف شفوي مخل بالكرامة من قبل الأمن الإسباني في الثغرين المحتلين.
وانضمت الوكالة إثر الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة العيون إلى الجوقة المعادية للمغرب التي تتقدمها من جهة وكالة الأنباء الجزائرية ومن جهة أخرى بعض وسائل الإعلام الإسبانية، ومنها صحيفة “إلموندو” التي نفخت في حصيلة أحداث العيون وكتبت، زورا وبهتانا، ضمن تقرير لها ينتمي إلى الخيال العلمي الرديء، بأن الحصيلة بلغت 19 قتيلا ومئات الجثث مجهولة الهوية، وهو افتراء لا يردده إلى أعداء المغرب الذين يحركهم حقد دفين. -حسب ما نقلته وكالة المغرب العربي للأنباء-.
وأثناء تغطيتها لأعمال الشغب التي شهدتها مدينة العيون ادعت وكالة الأنباء الجزائرية، المتحدثة باسم الحكومة الجزائرية “أن ويليام هيغ” وزير الشؤون الخارجية البريطاني أشار إلى أن “ظروف الحادث لازالت غامضة ولقد طالبنا باتخاذ إجراءات من أجل حماية رعايانا في المغرب”.
وعندما حاولت وكالة المغرب العربي للأنباء التحقق من الخبر لم يتردد المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية البريطانية في التعبير عن اندهاشه من الأكاذيب التي نشرتها الوكالة الجزائرية.
وحسب وكالة المغرب العربي للأنباء دوما فإن الموقع الرسمي لوزارة الشؤون الخارجية البريطانية، التي تظل المرجع الأول لرعايا المملكة المتحدة المقيمين أو المتوجهين إلى المغرب، يتبين جليا وبالدليل أنه إذا كان هناك بلد بمنطقة شمال إفريقيا حيث يطلب من البريطانيين توخي أقصى درجات الحذر، فإنها الجزائر نظرا لوضعية انعدام الأمن السائدة بالبلاد.
وفي تضليل إعلامي مكشوف آخر عمدت الصحافة الإسبانية إلى نشر صورة على صفحاتها الأولى لأطفال غزة ضحايا العدوان الصهيوني يتلقون العلاج في أحد المستشفيات، ادعت أنهم ضحايا “قمع الأمن المغربي”، وهذه الصورة موجودة ضمن شريط صور حول أحداث العيون في صحيفة “إلباييس” تحت عنوان “أطباء يسعفون عدة أطفال صحراويين جرحى”؛ ونشرت الصورة نفسها جريدة “إلموندو” والعديد من الصحف الإلكترونية مثل “إيل سيمنال ديخيتال” وصحف مجانية مثل “كي” وغيرها.
وانتقد الوزير الناطق الرسمي للحكومة المغربية بشدة أحد عناويين الصحافة الاسبانية أثناء تغطيتها لأحداث العيون والتي تقول “الشعب الصحراوي في مواجهة الاستعمار المغربي”، كما انتقد قصاصات وكالة الأنباء الإسبانية “إيفي” حينما أوردت خبر كاذبا أن “هناك عشرات، بل المئات من الجثث المنتشرة في الشارع العام بالعيون”.
يبدو أن مسلسل أحاجي وأكذوبات وكالات الأنباء الجزائرية والإسبانية والفرنسية طويل يصعب حصره؛ لكن الأمر الذي يجب علينا كمغاربة أن نعيه أن بلدنا يتعرض لحملة إعلامية مغرضة تستهدف وحدته وأمنه؛ وتستوجب اليقظة وتضافر الجهود لإبعاد بلدنا عن أي منزلق يمس وحدته ونظامه.
عقدة الصحراء المغربية في إعلام الجزيرة والجزائرية
ذ. محمد بوشنتوف
لم يعد الإعلام مجرد سيف ذو حدين؛ فتلك نظرية بالية عفا عنها الزمن، خاصة مع تداول أساليب أخرى من قبيل التضليل الإعلامي والكذب المشهدي وإنتاج المضمون من خلال الصوت والصورة والإيحاءات الصامتة. هو إذن: أخطبوط متعدد الأيادي والأرجل، تداخل فيه ما هو سياسي واجتماعي وثقافي وإيديولوجي بما هو تجاري تسويقي مصلحي، وانتهى بذلك، عصر البراءة الإعلامية والافتراضات العفوية وحلت محله مؤسسات ولوبيات تشن حروبا إعلامية سُخرت لها أموال طائلة وموارد بشرية مدربة.
تعتبر قضية الصحراء المغربية من القضايا العالقة، والتي عَمرت طويلا، شأنها شأن القضية الفلسطينية، وهما قضيتان عادلتان يشهد بذلك التاريخ وأهله، والجغرافيا والتضاريس، ولسنا هنا للدفاع عن شيء هو أوضح من شمس النهار، فالصحراء مغربية لا تحتاج إلى دليل، والقدس والأقصى لأهل فلسطين لا يستحقان بُعد نظر أو تأويل. غير أنه حينما تتدخل السياسة التي لم تصطبغ بسمت الدين الحق وتعانقها وسائل إعلام هي أبعد عن المهنية والموضوعية والحياد والصدق، آنذاك تقلب الحقائق ويستهان بالعقول وتفرض الوصاية عليها.
لقد استطاعت قناة الجزيرة أن تلفت إليها قلوب الملايين، حيث ملأت فراغ الإعلام الرسمي العربي وتفاهته وبرودته، ونجحت في حشد ما تبقى من ثورة الشارع العربي. وبخطابها الجريء -الذي لا يعرف خطوطا حمراء ما عدى دولة قطر- و”أناقة” موظفيها ولباقتهم في الكلام وفصاحتهم في الحديث، دخلت كل بيت وشغلت كل مجلس.
مع ظهور برنامج الحصاد المغاربي الإخباري تبين أن المادة دسمة، الغاية منها تشويه صورة المغرب على الخصوص، وقد تجرع المواطن المغربي الحالة السوداء التي صُور بها بلدهم، وكأن المغرب فقر وضياع وأمية وفساد ودعارة ومراحيض..
لهذا ما رأينا الجزيرة وقفت يوما على الجانب المشرق لهذا البلد، مغرب المساجد والعلماء، مغرب مالك وورش وعياض وابن العربي… هناك فقر؛ لكن بالمقابل هناك عزة نفس للفقير، هناك ضياع؛ لكن هناك شموخ وصبر وجلَد، هناك أمية؛ لكن هناك حُفاظ لكتاب الله بالآلاف، هناك فساد؛ لكن في البلد مخلصون صادقون لا ينهبون المال العام ولا يعرفون إلا البناء والإصلاح… ومع ذلك لسنا ننكر وجود فساد سياسي واجتماعي واقتصادي وتعليمي و… فتلك سنة كونية وحرب أبدية بين الخير والشر.
لقد أصبحت الجزيرة بوقا للانفصاليين، تقدمهم كزعماء وحكماء، يتحدثون باسم مرتزقة مجهولي الهوية، شتات كشتات اليهود، فمن مترعرع في كوبا وآخر في ليبيا وثالث في اسبانيا ورابع وخامس وعاشر قادم من أرض الجزائر… ولا تتردد في نقل استعراضات عصاباتهم العسكرية.
سرعان ما انكشف قناع هذه القناة بعد أن تم إغلاق مكتبها في الرباط. فتبخرت موضوعيتها ومهنيتها وتبين أنها لا تقبل بالخلاف. وقصة منبر من لا منبر له مجرد اسطوانة مشروخة، فعطرها الإعلامي كالعطر النسائي مهمته أن يفوح فيندثر، فكثفت تقاريرها السوداء وفرحت بأحداث العيون أيما فرح، وروجت للأكاذيب: قتلى وجرحى بالعشرات، بل إنها صورت تحرير الرهائن: بإبادة جماعية للصحراويين، ولأن عملها الصحفي أصبح انتقاميا أكثر مما هو مهني، انفلت لديها زمام الأمور وأصبحت تعتمد على الخطاب الشعبوي السوقي مسترشدة بشهود العيان بدل المحللين السياسيين والخبراء وأهل الاختصاص. حيث تحولت هذه الأيام إلى أشبه بجرائد أخبار السوق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه كما عند مسلم في مقدمة الصحيح: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع).
عن أي إبادة تتحدث الجزيرة؟ عن رجال أمن يحملون خراطيم المياه من أجل مواجهة الشغب، أم عن ميليشيات مدربة في كوبا والجزائر تحمل سيوفا، تُتقن الذبح والسلخ قبيل عيد الأضحى المبارك؟
عن رجل أمن تسلل وسط النيران لينقذ طفلا وامرأة..؟
أم عن متمردين يتحدثون الإسبانية فقط، أتقنوا ذبح رجل من القوات المساعدة من الوريد إلى الوريد..؟؟ وخططوا لإرهاب المواطنين وأحرقوا واتلفوا وضيعوا وكسروا وهدموا…
لقد خسرت الجزيرة حب الشعب المغربي لها، حينما تجاوزت التاريخ والجغرافيا والحقائق كلها، وتنكرت لكوادر مغاربة رفعوا نجم إعلامها على أكتافهم، حينما نصرت قضية “مينتوحيدر” لم تلتفت لاختفاء مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، وهي بذلك تكيل بمكيالين في تناول الأخبار: إشهار لبعض دول الخليج، وتشهير بالمغرب، والاسترزاق بالقضية الأمازيغية والصحراوية والمشاكل الاجتماعية.
وفي الجزائر أيضا قنوات نذرت نفسها للحديث عن قضية الصحراء لكن هذه المرة أكثر خسة وخبثا، وتشير المصادر إلى أن المخابرات الجزائرية هي من تملي نشرات الأخبار المتعلقة بالصحراء المغربية، في إقصاء تام للصحفيين في إبداء الموضوعية، ومن أجل ذلك خنقت كل الأصوات المخالفة للاتجاه الرسمي للجزائر-الداعم لجبهة الانفصال- اللهم إلا التيارات ذات التوجه الإسلامي من جماعات وجمعيات وأحزاب، فقد سبق لعباس مدني الرجل الأول في الجبهة الإسلامية للإنقاذ أن صرح للجزيرة بمغربية الصحراء، وهو نفس الرأي الذي يراه علي بلحاج من خلال اتهامه للجزائر بالهروب من قضايا الفقر والبطالة والحرب الداخلية ولفت الأنظار إلى قضية الصحراء.
إن المتتبع للقنوات الجزائرية وعلى رأسها القناة الثالثة يلاحظ مدى الحقد والكراهية التي وصل إليها هذا الإعلام، فقضية الصحراء تُعرض دائما قبل القضية الفلسطينية، لإيهام المشاهد أن الجيش المغربي هو نفسه الجيش الصهيوني، وإبادة الشعب الصحراوي هي نفسها إبادة الشعب الفلسطيني، وحصار مخيمات تندوف كحصار أهل غزة!
كنا نتمنى أن تلعب الجزيرة دورا رياديا في نصرة القضايا العربية والإسلامية وأن تحرر نفسها أولا من قبضة القواعد الأمريكية التي تحرسها في قطر، وتسلط الضوء على الخادمات الفيليبينيات المغتصبات والغلمان الأسيويين في دول الخليج وفقر ملايين من الناس رغم دولارات البترول، بدل أن تشن حربها الخاسرة على قضية يعتبرها المغاربة أهم قضاياهم بعد الإسلام. وكنا نأمل أيضا أن ينكب إخواننا في الجزائر على حل مشاكلهم وما أكثرها..! فالدولة التي لا تستطيع توفير الماء لمواطنيها ومازالت تستورده من فرنسا في بواخر خاصة عبر البحر، حُق لها أن تغلق كل قنواتها وتدعو كل صحفييها إلى حفر الآبار، بدل الكذب في الأخبار..
كان على الجزيرة أن تحفظ للمغرب استضافته لها ولا تقول إلا حقا، وكان على الجزائر أن ترعى حرمة جار حمل السلاح معها أيام الثورة والتحرير.. فعقدة الصحراء إذن هي فقط في أذهان إعلام مأجور، وهي بالنسبة لنا شرف لا يجوز التطاول عليه أو مسه أو حتى مجرد الحديث عنه..
هل المسئولون الجزائريون ينتقمون من المغرب لمناهضته احتلال الجزائر؟
المتتبع لتاريخ مواقف القادة الجزائريين من احتلال الجزائر في مطلع القرن التاسع عشر إلى آخر موقف لهم في الأسبوع الماضي مما وقع في مدينة العيون من محاولة تحويل احتجاجات جماعية إلى هبَّة انفصالية باءت بالفشل كسابقتها بفضل شرعية التواجد ووضوح الرؤيا ونبل المقصد.
لقد عانى حكام الاحتلال الجزائري من مساندة المغاربة لمقاومة الجزائريين لذلك التدخل الظالم ووقفوا بالمرصاد لمخططاتهم في أن تمتد آثاره إلى بلادهم؛ وهم الذين لم يكونوا يخفوه بحيث تجد تصريحاتهم بذلك في كل واد وناد.
يقول “شارل ديدي” 1830م بأن المغرب يجب أن يخضع للسيطرة الأوربية؛ وأكد “ماماس لاتري” بأن فرنسا أصبحت معنية بالضرورة بالتدخل في المغرب وتحديثه؛ ودعا “شارك دوفوكو” إلى ربط مصير المغرب بمصير الجزائر؛ وقال “هنري دو لامارتنيير” بأن المغرب هو القطر الذي يجب أن يعتبره الفرنسيون جميعا مكملا للجزائر؛ وأمثال ذلك كثير.
فما كان من الجزائريين إلا أن تطلعوا إلى مساعدات ملوك المغرب الذين هبوا إلى ذلك؛ فكانت معركة إيسلي التي رغم هزيمة قواته بها إلا أنه لم يتوان عن المساهمة في المقاومة الشعبية والمساعدة على ذلك في أماكن مختلفة جعلت القوات الفرنسية تتأكد أنه لا يمكن لها البقاء في الجزائر ما لم تحتل المغرب؛ فسيرت حيويتها بجنوب بودنيب وشمال الساقية الحمراء؛ فذاقت هزائم متتالية هناك مما جعلها تستنجد بإسبانيا لمحاصرة موانئ المغرب لمنع تدفق السلاح نحو المقاومين؛ منتهزة الفرص لاحتلال وجدة والدار البيضاء ثم الشاوية؛ حيث استعانت في هذه المرحلة بالمجندين الجزائريين الذين ما كانوا ينزلون الميناء حتى يتسللوا إلى صفوف المجاهدين تاركين قادتهم يعضون أصابع الندم على فعلتهم؛ وهو ما فعل أسلافهم من سكان تلمسان الذين أرسلوا وفودا منهم إلى مولاي عبد الرحمن لمبايعته والدخول تحت طاعته.
وقد أوضح الجنرال دارلانج القائد العام للفرنسيين بالجزائر العاصمة بأن فرنسا لا تحارب الجزائريين وحدهم وإنما تحارب في الحقيقة المغرب؛ وقد استطاع المجاهدون في أواخر القرن التاسع عشر تحرير مغنية والغروات؛ مما دفع الحكام الاستعماريين إلى الاحتجاج لدى السلطان الذي رفض احتجاجهم معتبرا أن السلطات الفرنسية هي التي تعدت حدودها.
ولإبراز اهتمامات المغرب بمصير الجزائريين وتوفير الدعم لهم عاملهم معاملة المغاربة بل أكثر؛ حيث ترك لهم حرية السكن والعمل والاحتراف دون تميز أو تحجير؛ فكان منهم قادة الجيش مثل عبد المالك بن الأمير عبد القادر وأخوه؛ وكان منهم القضاة والعلماء والصناع ناهيك عن الجهود التي بذلت لما اندلعت الثورة الجزائرية حيث دعمها بالرجال والمال والسلاح، ورفض محمد الخامس التفاوض على تحديد الحدود مع فرنسا حتى لا تتخذ ذريعة لإقفالها في وجه المجاهدين، كما قام الحسن الثاني بإرجاع جيشه المنتصر في حرب الرمال عن المناطق التي استعادها ومنها تندوف التي كانت حتى مطلع السبعينات من إقليم أكادير والتي ما تزال مستندات الأملاك بها في إدارات المنطقة.
والغريب لدى حكام الجزائر أنهم بمقابلتهم إحسان المغرب المتوجه شرقا بشرهم المسير غربا كأنهم ينتقمون لأسلافهم المعمرين المستعمرين الذين ذاقوا المرائر من تضامن المغاربة وملوكهم مع الشعب الجزائري؛ مما يجعل المرء يتساءل عن هويتهم، هؤلاء المتنفذين الذين يكرهون السلم والعدل والحق والدين؛ ويرفضون كل يد تمد إليهم لتتعاون على بناء المغرب العربي؛ وتدعيم فضيلة الإخاء والتراحم؛ وكأنهم يصرون على أن تبقى لهم الصفة التي كان يعطيها لهم المعمر وهي: “الفرنسيون من الدرجة الثانية”.
تلك الصفة التي كانت تجيز لهم التقدم على المغاربة إبان الحقبة الاستعمارية في الوظائف والامتيازات والحقوق؛ لاستمالتهم وجعلهم عينا له عليهم؛ ومقدمة لبسط هيمنتهم على ربوعه أثناء المقاومة المسلحة ثم السياسية؛ وأخيرا وكيلا للثقافة والحضارة العربية؛ ومعول هدم باسم التحديث والتطوير؛ وهو الدور الذي ينفذونه بإخلاص وتفان في ملف الصحراء؛ إلا أن جهودهم خاسرة ومسعاهم باطل لأن الله ناصر المؤمنين وهازم الكافرين ولو كره المشركون المكذبون.
أحداث مخيم العيون (اكديم إيزيك): ستار المطالب الاجتماعية.. وحقيقة المواقف الانفصالية
إعداد: ابراهيم بيدون
إقامة المخيم وما سبقته من مناوشات
بدأت مناوشات أحداث مخيم العيون -وما لحق ذلك من أحداث مؤسفة راح ضحيتها عدد من رجال الدرك والإطفاء والقوات المساعدة- منذ مدة بعيدة، وكانت هذه المناوشات تتم من خلال إقدام عدد من ساكنة العيون على إقامة وقفات احتجاجية، أو محاولة استنبات مخيمات احتجاجية، والتي كانت السلطة المغربية دائما تتوفق في منعها وتفكيكها..
وفي 19 أكتوبر 2010 استطاع عدد من ساكنة العيون إقامة مخيم للاحتجاج على ما وصفوه بتدهور ظروفهم المعيشية وللمطالبة بوظائف ومساكن، وهو ما اعتبرته لجنة تكلفت بالتنسيق مع السلطات المغربية “عملية احتجاج اجتماعية” لا تحمل أي بعد سياسي.
لكن عدد المحتجين بالمخيم سيزداد بشكل مهول (توجه عدد كبير منهم بتوجيه الانفصاليين)، والذين استطاعوا إقامة مخيم يمتد على مساحة كبيرة، وهو ما سهل على الأجانب والمتطرفين والانفصاليين التسلل له، وتحويل المخيم من مخيم للمطالب الاجتماعية إلى مخيم ذي طابع سياسي..
وفي إسبانيا أصبحت مؤخرا قضية الصحراء المغربية موضوعا لهيجان وتحريض إعلامي ونضالي من جانب الصحافة ومحطات التلفزيون والجمعيات الاسبانية المتعددة. ففي كل شهر ومنذ سنة صار مطار العيون يستقبل فرقا من الصحافيين وسواحا حقيقيين أو مزورين ينحدرون من جزر الكناري لأجل تغطية “القضية الصحراوية”، ومنهم من استطاع بعد ذلك التسلل للمخيم الجديد..
دور العناصر المتطرفة في تغيير حقيقة المخيم
لا شك أن أي تحرك احتجاجي في المناطق الصحراوية وبأي هدف كان؛ سيستغل سياسيا من طرف أعداء الوحدة الترابية، بل إن عددا من المواجهات في هذه المناطق أضرم نارها المتطرفون أصحاب الفكر الانفصالي، الذين رضعوا لبن الحماسة الهوجاء من أعداء المغرب..
وقد تم استغلال وضع مخيم العيون بشكل كبير من طرف الانفصاليين، الذين سعوا إلى السيطرة على مجريات الأمور داخله، وتوجيه نتائج المفاوضات بين لجنة المخيم والسلطات المغربية، حتى أنهم رفضوا التوصل إلى حل سلمي..
لقد نفذت هذه العناصر المتطرفة إلى داخل المخيم وحاولت أن تتحكم في مجرياته، وذلك بسبب التخطيط المسبق للسيطرة عليه، وبسبب استعمال القوة والسلاح للتهديد والاعتداء على من أراد الانسحاب من المخيم، وقد كانت هذه العناصر تتحرك بين المدينة والمخيم بانتظام وبوسائل متطورة من المواصلات والتواصل، كاستعمال سيارات رباعية الدفع، وهو ما دفع إلى التساؤل: كيف يكون هؤلاء أصحاب مطالب اجتماعية؟
الأغيار ونشر الفتنة
أن يدعم أعداء الوحدة الترابية من الأجانب الفكر الانفصالي من خارج الوطن فهذا له دوافعه ومسوغاته التي تنبني ولا شك على الإغراض والعداء والجهل بالتاريخ والجغرافيا والواقع، ولكن أن تبلغ الجرأة عند أعداء وحدة المغرب (خصوصا الاسبانيين) إلى القدوم إلى المغرب وإقامة الوقفات الاحتجاجية بدافع الغيرة على حقوق عملاء الجزائر بالمخيمات والدفاع على حق إقامة الجمهورية الصحراوية الوهمية، فهذا لا يعني إلا ازدراء سيادة المغرب، وهو ما يلزم منه معاقبة هؤلاء المنتسبين للجمعيات الحقوقية والذين يصرون على غض الطرف عما يقع داخل مخيمات الذل والعار..
وقد شارك في أحداث الشغب التي اندلعت فيما بعد عدد كبير من الانفصاليين والجزائريين ومرتزقة من التشاد تم استقدامهم لإحداث الشغب، وقد ألقي القبض بعد اندلاع الأحداث على 3 جزائريين بينهم قائد متقاعد بالجيش وضابط لتورطهم، كما ذكرت بعض الصحف أن المخابرات الجزائرية أنفقت خمسة ملايير سنتيم للتحضير للأعمال التخريبية.
وكان المغرب سابقا قد رحل سياسيين إسبانيين لتورطهم في دعم الانفصاليين داخل العيون، كما ألقت السلطات القبض على صحافية وسط المخيم بعد تخفيها بلباس الصحراويات وهي تعمل على التحريض على الانفصال.
الانفصاليون يرفضون الحل السلمي والسلطات تقتحم المخيم
لقد أقنعت السلطات المغربية محتجي مخيم “أكديم إيزيك” بتسوية الأوضاع، لكن الأيادي الخفية من زمرة الانفصاليين أبت هذا الوضع؛ وعملت على استمرار الاعتصام في المخيم إلى غاية 8 نونبر؛ يوم اقتحام السلطات المغربية للمخيم قصد تخليصه من أيدي المجرمين الانفصاليين الذين أحكموا قبضتهم عليه، وعملوا بشكل ممنهج على حجب نتائج الحوار، وتحوير مضامينه، وتهديد المتواجدين بالمخيم لمنعهم من مغادرة المخيم.
اقتحمت السلطات المغربية المخيم من أجل الحفاظ على الأمن والنظام العامين، وضمان سلامة المواطنين، بعدما استنفدت كل محاولاتها لإرساء مقومات الحوار الجاد والمسؤول، وكانت ساعة واحدة كافية لإخلاء المخيم.
لم يسلم الاقتحام من ردات فعل الانفصاليين، لكن مباغتة السلطات المغربية وسرعة تحركها كانت كافية لاحتواء أي شغب.
بوليساريو العيون والعملاء الأجانب يشعلون أحداث الشغب
بعد إفراغ المخيم نقل الانفصاليون الشغب إلى شوارع مدينة العيون، وذلك بإضرام النار في عدة سيارات، ومنشئات عمومية وخاصة وإتلاف ما بها؛ بعد تهييج عدد كبير من المراهقين الذين أغلقوا الشوراع وأضرموا النيران في العجلات المطاطية، كما أقدم بعضهم على نزع العديد من الأعلام الوطنية والعبث بها.
ثم انتقل المخربون المحرضون من طرف الانفصاليين وبين صفوفهم بعض العملاء الأجانب من الجزائر وتشاد وإسبانيا وهم يخضعون إلى أوامر أسيادهم الذين يسروا تنقلهم من خلال استعمال السيارات ذات الدفع الرباعي، إلى مقر الدائرة الأمنية الثامنة والسادسة وقاموا بإحراقهما، كما قاموا باقتحام مقر الدائرة السابعة وبناية مقاطعة حي العودة بالإضافة إلى حرق ثلاث سيارات تابعة للأمن الوطني وشاحنة في ملكية بلدية المدينة، ووكالة تابعة لشركة اتصالات المغرب والعديد من المرافق العمومية، ولم يغفل الانفصاليون قناة العيون الجهوية، بل قاموا بإحراق مقرها، وخربوا مكاتبها وسيارات العاملين بها، واستبدلوا علم البوليساريو بعلم المغرب، ولم تسلم محكمة العيون من التخريب ولا مركز الاستثمار والمديرية الجهوية للطاقة والمعادن، ولا المديرية الجهوية للصيد البحري، وأكاديمية التربية والتكوين، بل طالت أيدي المخربين ممتلكات الناس، واستعملوا خلال ذلك السيوف والسواطير وقنينات الغاز والزجاجات الحارقة..
الضحايا هذه المرة هم رجال السلطة!!
بعد ذلك عمت الفوضى أرجاء المدينة واقترف المخربون أبشع صور التخريب، ولعل الصور المنقولة من مدينة العيون توضح بشاعة هذه الأحداث.
وهذا ما يدفعنا إلى أن نطرح السؤال التالي: هل المنتفضون في مدينة العيون هم أنفسهم من كان يطالب بمطالب اجتماعية؟ أم أعداء الوحدة الترابية، وأعداء ساكنة العيون الملتزمون بمغربيتهم؟
والجواب يظهر بجلاء عندما نعلم أن ضحايا هذه الأحداث لم يكونوا سوى رجال السلطة المغاربة (رجال الدرك والمطافئ والقوات المساعدة)، وأما المدني فهو ضحية الفوضى والتسيب الانفصالي.
نعم، إنه احتجاج من نوع متميز ضحاياه رجال أرادوا تحقيق الأمن، وإرجاع حالة السلم والطمأنينة لمدينتهم، رجال لهم حق استعمال السلاح لتفريق المخربين لكنهم لم يستعملوه، رجال منهم من رجم حتى مات وصار المجرمون يمشون بجانبه بكل خسة وغرور، ومنهم من حرق داخل سيارة الأمن بعد صبّ البنزين عليها، ومنهم من ذبح خلسة بسكين الغدر والحقد وحب الفوضى والتسيب..
نعم لقد قتل عشرة من رجال الأمن المغاربة وهم يساهمون في تهدئة الأوضاع، لكن خنجر الغدر الانفصالي اغتالهم، ليترك حزن فراقهم عند أحبائهم يكدر عليهم صفو الفرح بالعيد، وإن كان أهلهم سيحتسبونهم عند الله لأنهم ماتوا وهم على ثغر من ثغور الدفاع عن أمن ووحدة بلدهم العزيز..
لقد كانت قوات الأمن المتدخلة مكونة من الدرك الملكي والقوات المساعدة والوقاية المدنية، ولم تكن لديها أسلحة نارية، بل لم تكن تتوفر إلا على وسائل الدفاع عن النفس، لذلك تم اغتيال عشرة منهم بكيفية وحشية، تنم على تطرف المخربين وأن قصدهم هو إلحاق الأذى بالمغرب شعبا ونظاما..
مغربية الصحراء الشرقية
إعداد: إبراهيم بيدون
الصحراء الشرقية
يقصد بها أقاليم الساورة وتيندوف والقنادسة وكلومب بشار وواحات توات وتيديكلت.. وهي مناطق تزيد مساحتها عن مليون ونصف المليون كلم مربع، وتستبطن ثروات معدنية هائلة بما في ذلك البترول والغاز الطبيعي والحديد.. وقد ظلت محافظة على هويتها المغربية سواء قبل أو بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830م.
وبرغم هزيمة الجيش المغربي في موقعة إيسلي عام 1844م، وما ترتب عليها من توقيع معاهدة لالّة مغنية خلال السنة الموالية، والتي أريد بها ترسيم الحدود بين المغرب والجزائر الخاضعة لسلطة الاحتلال الفرنسي آنذاك؛ فقد ظلت هذه الأقاليم عصية على جميع محاولات الغزو التي استهدفتها من حين لآخر. ولم يتأت للمعتدي اختراق الجبهات الدفاعية الأولى إلا عام 1855م، حيث عمل الغزاة الفرنسيون على استغلال حالة الفوضى التي عمت المغرب إثر وفاة السلطان الحسن الأول، عبر بسط نفوذهم تباعا على أهم مراكز الصحراء الشرقية، بدء بعين صالح عام 1889م، ومرورا بتوات في مارس 1900م، ووصولا إلى تندوف التي لم تطأها أقدامهم إلا عام 1934م بقيادة الكولونيل ترانكي.
ومع ذلك فقد ظل إقليم تيندوف خاضعا لسلطات الحماية الفرنسية بالمغرب حتى عام 1947م حين قررت إدارة الاحتلال إلحاقه بمنطقة وهران الجزائرية، وبالتالي ضمّه نهائيا لما كانت تعتبره ترابا فرنسيا؛ كأثر على الامتعاض الشديد الذي خلفه لديها خطاب الملك محمد الخامس في زيارته التاريخية لمدينة طنجة الخاضعة وقتها للإدارة الدولية. وإن بقي الإقليم المذكور على أرض الواقع تابعا للمنطقة العسكرية لأكادير إلى غاية مطلع الخمسينات.
البراهين الدالة على مغربية الصحراء الشرقية أوضح من أن يعتم عليها
وإذا كان البعض سيعمد إلى التشكيك في مشروعية الحقوق الترابية المغربية بالنظر إلى الغموض الذي اكتنف سواء اتفاقية السلام بين المغرب وفرنسا التي أعقبت هزيمة موقعة إيسلي والمبرمة بطنجة في 10 سبتمبر 1844م، أو اتفاقية لالّة مغنية في 18 مارس 1845م، فإن ما لا تذكره معظم كتب التاريخ هو كون هذه الأخيرة قد أثارت “سخط السلطان المولى عبد الرحمن الذي قام بفضح المؤامرات الفرنسية، سيما وقد كانت رسالة التفويض الملكية، تحرص على أن تبقى الحدود بين المملكة المغربية والإيالة الجزائرية على ما أقرته الاتفاقية التركية المغربية عام 959هـ/1552م.
وتحتفظ مديرية الوثائق بعدد من الرسائل التي شجب فيها السلطان المولى عبد الرحمن التغرير بالمفاوضين المغربيين حميدة الشجعي وأحمد الخضر، تلك الرسائل التي أعلن فيها عدم رضاه على الاتفاقية الممضاة، وعزمه على عدم المصادقة عليها..” (عبد الهادي التازي – التاريخ الديبلوماسي للمغرب – من أقدم العصور إلى اليوم – 10/16 ط 1989م).
إضافة إلى وجود عدة معاهدات دولية أبرمت لاحقا وأكدت بعبارات واضحة وصريحة على ضرورة المحافظة على الحدود التاريخية للمغرب، رافعة بذلك كل مظاهر اللبس التي حاول الفرنسيون التذرع بوجودها بغية الالتفاف على الالتزامات المرتبة على إبرام المعاهدتين المشار إليهما آنفا. ويكفي أن نذكر هنا ببعض هذه الاتفاقيات الدولية التي أثبتت حجية الموقف المغربي؛ وهكذا نجد الاتفاق الموقع بين فرنسا وألمانيا بتاريخ 4 نوفمبر 1911م؛ والتصريح المشترك الفرنسي الإنجليزي الإسباني في 3 أكتوبر 1904م.
وخلال شهر أبريل من سنة 1956م، وفي محاولة منها لثني المغرب عن الاستمرار في دعم الثورة الجزائرية؛ لجأت الحكومة الفرنسية إلى مساومة نظيرتها المغربية بشأن إمكانية تسوية ملف الحدود الشرقية مقابل الكف عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم والمساندة للإخوة الجزائريين. ثم جدد العرض ثانية عام 1957م؛ غير أن موقف الملك محمد الخامس الرافض للدخول في مفاوضات من هذا القبيل إلى حين استقلال الجزائر، باعتبار ذلك ضربا من ضروب الخذلان والخيانة لجهاد الشعب الجزائري الشقيق، قطع الطريق أمام إمكانية إبرام أي صفقة مشبوهة من هذا القبيل. وقد جاءت اتفاقية 6 يوليوز 1961م بين الحكومة المغربية والحكومة الجزائرية المؤقتة لتثمن هذا الموقف التاريخي، وتطمئن المغاربة على حقوقهم المشروعة.
حكام الجزائر يستغلون ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية
لكن الأمور ستنقلب رأسا على عقب بمجرد حصول الجزائر على استقلالها، بموجب اتفاقية “إيفيان” الموقعة بتاريخ 18 مارس 1962م بين الحكومة الجزائرية المؤقتة والجمهورية الفرنسية؛ حيث اختار حكام الجزائر الجدد التنكر لكل الالتزامات التي قطعوها على أنفسهم فيما يرجع لتسوية ملف الحدود الذي لم يكن يدر بخلد المغاربة أنه سيصبح يوما ما محط أي نزاع أو مساومة؛ خاصة وأنهم لم يبخلوا في تقديم كل أشكال الدعم والمساندة للإخوة الجزائريين في جهادهم ضد المحتل الفرنسي.
وهكذا فقد حرص حكام الجزائر، ومنذ حصولها على الاستقلال الرسمي يوم 5 يوليوز 1962م، على الإمساك دوما بزمام المبادرة واعتماد أسلوب المباغتة في علاقتهم بالمغرب، حيث طالب محمد خيضر باسم الحكومة الجزائرية في 30 أبريل 1963م بضرورة حل مجموعة الدار البيضاء المنبثقة عن المؤتمر الإفريقي الذي احتضنته العاصمة الاقتصادية في يناير 1961م؛ والتي أعلنت دعمها للمغرب في سعيه لاستكمال وحدته الترابية بما في ذلك استعادته لموريطانيا؛ لتحل محلها منظمة الوحدة الإفريقية التي أقر ميثاقها بطريقة ملتوية في بنده الثالث مبدأ اعتماد الحدود الموروثة عن الاستعمار، والذي لم ينص عليه صراحة إلا في القرار رقم 16، الصادر عن القمة الإفريقية المنعقدة بالقاهرة في يوليو 1964م والمستند أساسا إلى البند المذكور، حيث نصّ على أن “تتعهد جميع الدول الأعضاء على احترام الحدود القائمة عندما يتم استقلالها الوطني”؛ وهو ما يتناغم مع الأطروحة الجزائرية.
وإذا كان المغرب قد انضم إلى منظمة الوحدة الإفريقية بتاريخ 9 شتنبر 1963م، لكنه تحفظ طبعا على البند الثالث الآنف الذكر..
(مجلة أطياف مغربية العدد الثاني يونيو يوليوز غشت 2009 – ص:9-10، بتصرف يسير).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هذه المادة سبق ونشرت في أسبوعية السبيل، في أعداد متفرقة.