مقالات في السياسة الشرعية وتطبيقاتها المعاصرة (ح8)
ذ. حماد القباج
هوية بريس – السبت 09 نونبر 2013م
تعريفات وحدود (تتمة)
نظام الحكم الإسلامي:
هذا المصطلح مركب من ثلاثة ألفاظ:
نظام:
والنظام لغة: “مِلاَكُ الأَمْرِ”؛ تَقُولُ: لَيْسَ لِهَذَا الأَمْرِ مِنْ نِظَامٍ؛ إِذَا لَمْ تَسْتَقِمْ طَرِيقَتُه.
يجمع على: أَنْظِمَةٌ، وأَنَاظِيمُ، ونُظُمٌ.
والانْتِظَامُ: الاتِّسَاقُ[1].
فلفظة النظام ترجع في معناها إلى معنى لفظة القانون.
والقانون: كلمة سريانية بِمَعْنى المسطرة.
ثمَّ نقل إِلَى معنى الْقَضِيَّة الْكُلية أو الأصل والَقَاعِدَة، التي تجمع فروعا كثيرا[2].
وهذا يلتقي مع ما ذكره الفيروزآبادي[3]: “القَوانِينُ: الأُصولُ”.
من هنا يمكن أن نعرف نظام الشيء بأنه: “قواعده التي تحكم فروعه وقوانينُه”.
وقد تقدم في كلام ابن خلدون؛ استعمال سياسي شرعي لكلمة القانون.
وقال المقريزي في تعريف السياسة الشرعية: “القانون الموضوع لرعاية الآداب والمصالح، وانتظام الأموال”اهـ.
الحكم:
الحكم لغة: يطلق على معاني أبرزها: القضاء/المنع والصرف/الإتقان والإحكام/الفقه والعلم.
ومن هذا الأخير؛ قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12]
وفي الاصطلاح يَحمِل لفظ: الحكم؛ معاني بحسب العلم الذي يستعمل فيه، وأقرب هذه المعاني إلى موضوعنا: الحكم بمعنى القضاء.
والحكم لفظ قرآني ونبوي ورد بمعنى: تدبير أمور الناس والفصل بينهم في قضاياهم وخصوماتهم:
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58].
وقال سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105]
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة“[4].
وهذا يؤكد خطأ ما ذهب إليه بعض الباحثين؛ من أن لفظ الحكم لم يستعمل بمعنى: السلطة العامة وسياسة شؤون الدولة إلا في الاصطلاح المعاصر.
وقد فسر الحكم في حديث أبي أمامة بالقضاء؛ وهذا لا يتنافى مع تفسيره بما هو أعم؛ بل هذا هو الأولى، كما هو ظاهر الآيتين المتقدمتين؛ وقد سبقت الإشارة إلى التداخل –في اصطلاح العلماء- بين الحكم بمعنى التدبير والحكم بمعنى القضاء.
ومن فوائد الحديث؛ أن السياسة الشرعية من الدين، بل من عراه، والعروة هي كما قال العلماء: “ما يتمسك به من أمر الدين”[5].
إذا تقرر أن معنى الحكم في الاصطلاح: “سياسة شؤون الناس والفصل بينهم”.
فإننا نخلص إلى تعريف مصطلح: “نظام الحكم“؛ فنقول: هو “القانون العام الكلي الذي يضبط شؤون السياسة والقضاء“.
وقد اصطُلح في الفقه السياسي المعاصر على تضمين هذا القانون العام، في وثيقة تسمى: “الدستور”.
ويُعَرّف علماء الفقه الدستوري الدستور بأنه: “القانون النظامي أو القانون الأساسي أو مجموع القواعد الأساسية التي تقرر نظام الحكم للدولة وسلطة الحكومة وكيفية استعمالها، كما تبين حقوق الأفراد وواجباتهم”[6].
ومن خلال ما تقدم يتبين أن معنى “نظام الحكم الإسلامي“: “قانون الحكم الذي يتأسس على أحكام الدين الإسلامي“.
وبهذا ندرك بأن: “السياسة الشرعية” و”نظام الحكم الإسلامي”؛ عنوانان لمضمون واحد.
ونستطيع أن نقول بأن تعريف: “السياسة الشرعية”؛ يرتبط بفعل الحكم، وتعريف: “نظام الحكم الإسلامي” يرتبط بقانون الحكم.
وقد حرصت على استعمال مصطلح: (نظام الحكم الإسلامي)؛ لأقابل به الاستعمالات المعاصرة؛ تمهيدا لكشف الشبهة التي تزعم بأن الإسلام لم يأت بنظام محدد للحكم، ولمناقشة من يقول: أفضل نظام للحكم؛ هو: (نظام الحكم الديمقراطي).
وما توصلت إليه في بحثي يلتقي مع تعريفات أخرى جامعة لعلماء معاصرين:
فقد عرف الأستاذ عبد الوهاب خلاف رحمه الله السياسة الشرعية بقوله:
“علم السياسة الشرعية علم يبحث فيما تدبر به شؤون الدولة الإسلامية من القوانين والنظم التي تتفق وأصول الإسلام، وإن لم يقم على كل تدبير دليل خاص.
وموضوعه: النظم والقوانين التي تتطلبها شؤون الدولة من حيث مطابقتها لأصول الدين وتحقيقها مصالح الناس وحاجاتهم”[7].
وعرفت الموسوعة الفقهية الكويتية السياسة الشرعية بقولها:
“استصلاح الخلق وتدبير أمورهم بإرشادهم الى الطريق المنجي في العاجل والآجل”.
وأصل هذا التعريف لأبي البقاء الكفوي في الكليات، وزادت الموسوعة: “تدبير أمورهم”.
وقول خلاف: “وإن لم يقم على كل تدبير دليل خاص”؛ فيه إشارة إلى أن منهجية الاستدلال في علم السياسة الشرعية؛ ليست هي منهجية الاستدلال في باقي أبواب الدين كالعقيدة والعبادات مثلا، وأن التدبير السياسي لا يتوقف على نص، وإنما يطلب شرعا أن لا يخالف حكما شرعيا أو قاعدة أو أصلا، مع التزام مبادئ الشرع وأحكامه الثابتة غير المنسوخة.
وهذا يلتقي مع ما نقله الإمام ابن القيم عن ابن عقيل الحنبلي (ت:513) في تعريف السياسة: “السياسة ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به وحي”[8].
التصنيف في السياسة الشرعية (نظام الحكم الإسلامي):
الباحث في هذا الباب يجد أن أحكام السياسة كانت مضمنة في كتب الفقهاء مع باقي الأحكام الشرعية.
وإنما أفردوا بالتأليف موضوع الإمامة، وجعله بعضهم من مباحث العقيدة.
ومن ذلك؛ كتاب: “الإمامة والرد على الرافضة” لأبي نعيم الأصبهاني (ت:430هـ).
وسبب إفراد هذا الموضوع وإدراجه في مباحث المعتقد يرجع -في نظري- إلى أمرين رئيسيين:
1- أهمية الموضوع في ضمان وحدة الدولة الإسلامية وعدم رجوع العرب إلى عهد النزاعات الحادة التي تشتت شملهم وتذهب قوتهم؛ وهذا مما يفسر تركيز العلماء على رواية النصوص الشرعية الواردة في لزوم الجماعة وطاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه.
2- ظهور معنى منحرف للإمامة؛ ابتدعه الشيعة الإمامية الذين قالوا بعصمة الإمام.
كما أن الفقهاء المتقدمين أفردوا بالتصنيف: “موضوع الأموال”؛ نظرا لأهمية الاقتصاد في التدبير السياسي.
ولعل أقدم ما صنف في الموضوع: “كتاب الخراج” ليعقوب بن إبراهيم الأنصاري (ت:182)، وقد بدأه بنصيحة عامة للخليفة في شؤون السياسة وغيرها وبعض المسائل المتعلقة بنظام الدولة في القانون والجنايات والحرب، لكن موضوعه الأساسي هو “مصادر دخل الدولة ونظامها المالي وعملياتها الاقتصادية”.
وقد بدأت ملامح علم السياسة الشرعية تتبلور بشكل أكبر وأوعب مع الإمام ابن القيم رحمه الله (ت:751)؛ حيث أكثر في مصنفاته من استعمال هذا المصطلح وبيان مباحث هذا العلم، لا سيما في كتابه: “الطرق الحكمية في السياسة الشرعية”.
[1]– تاج العروس (33/497).
[2]– نبه عليه أبو البقاء في الكليات؛ (ص:734).
[3]– في تاج العروس (36/26).
[4]– رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/138).
[5]– فيض القدير (5/263).
[6]– انظر: القاموس السياسي؛ (ص:512) لأحمد عطية الله.
فائدة: الدستور كلمة فارسية معناها يد الشاه القوية، وكانت لقبا لرئيس وزراء الفرس فيقولون له الدستور الأعظم.
[7]– السياسة الشرعية في الشئون الدستورية والخارجية والمالية (ص:7).
[8]– إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/283).