الدعوة إلى الله وبؤس الوعي الاجتماعي
بدر الدين الخمالي
هوية بريس – الخميس 14 نونبر 2013م
ما أحوجنا إلى من يذكرنا بالله، ما أحوجنا إلى من يحدثنا عن نعم الله ومكارمهوأفضاله السابغة الغامرة علينا، أن يذكرنا في غمرة حياتنا اليومية السريعة المتسارعة بمطالب الروح التي تسحق في كل لحظة بعالم الأجساد والآلات الموحش الذي نعيشه اليوم.
ما أحوجنا في غمرة سهونا اللامتناهي عن عظمة انتماءنا إلى هذا الدين الذي لم نعطه حقه وتمام حقه في سلوكياتنا وأعمالنا ومعاملاتنا في رواحنا وقدومنا في أمورنا الخاصة والعامة بمن يذكرنا بالله بعظمته بأسمائه بجماله بصفاته، أن يجعلنا نجدد بشكل جماعي وفي كل وقت وحين إيماننا الخفي الذي لم يعد يظهر في حياتنا العادية الملآى بالصخب والصراخ والتشاحن على أتفه الأسباب والملآى بالمظاهر الفارغة والتعالي على بعضنا البعض والمزايدة على بعضنا البعض في المجالس والطرقات وأماكن العمل والدراسة وفي باقي مجالات الحياة.
ما أحوجنا لمن يدعونا إلى المواظبة أو الإكثار من ذكر الله في مجالسنا وأعمالنا إلى من يقدم لنا الموعظة لتصحيح سلوكياتنا إلى من يقدم لنا النصيحة الخالصة لوجه الله إلى من يدعونا لتعلم العلوم الشرعية والمداومة على قراءة كتاب الله إلى التمسك بمنظومة القيم النبوية الشريفة في النظافة والاستقامة والود والتواضع والتراحم والتآخي والتسامح والصفح عن المسيء والعفو.. والسلام والعفة وغيرها من المبادئ الإسلامية السامية.
لكن وبالرغم من الحالة الكارثية التي وصلتها أخلاقنا وسلوكياتنا العامة فلازلنا ندعي باستعلاء على الغير في كثير من الأحيان بأننا مسلمون بأننا مصلون بأننا مصلحون بأننا خيرون بأننا طائعون ولا نحتاج إلى من يدعونا أو يذكرنا أو يدفعنا للتفكر في أحوالنا أو يصحح لنا أو يرشدنا إلى استحضار الدين في حياتنا.. وما دمنا كذلك إذن فما بال كل التناقض الذي نعيشه في مجتمعنا من كثرة التشاحن وانتشار الآفات والمفاسد والجريمة وغيرها من الظواهر السلبية.
ندعي بأننا نعلم ونعرف ونفهم وغير محتاجون إلى مثل تلك الدعوات في حالة شبه سكيزوفرينية أصبحت تجتاح هذا الجيل.. ندعي أننا مسلمون رغم كل المصائب الأخلاقية اليومية التي أصبحت تجتاح مجتمعنا وتبعده عن منظومته القيمية الأصيلة، ندعي وباستعلاء تافه أننا مسلمون وأن إيماننا يغطي قلوبنا كما لو أن الإسلام جاء ليكون مستترا في القلوب لا ظاهرا في السلوك والأفعال والمعاملات فيما بيننا وبين الغير.
حتى أن بعضنا أو الكثير منا إذا ما حدثه أحد حديث الوعظ أو التذكير بالله أو النصيحة في الله انتفض وأزبد وأرغد في وجه المتحدث واعتبر أن في الأمر اتهاما له في إيمانه وصدقه أو إهانة له في شخصه أو مزايدة عليه في دينه، ليقوم وفي انفعال بإخراج عبارات القاموس الشعبي (شنو شفتيني كندير.. وشكون انتا باش تهدر معايا)، وغيرها من العبارات الممزوجة المعدة سلفا في القاموس الاجتماعي لمواجهة الداعي ورده على أعقابه، هذا في أهون الأحوال إن لم يقم بعد ذلك بوصفه بالتطرف والتشدد والاتجار بالدين ومحاكم التفتيش وغيرها من الكليشيهات التافهة التي أصبح يلتقطها أنصاف المتعلمين وأشباه المثقفين ممن قام الإعلام والدعاية السوداء ضد الإسلاميين والملتزمين دينيا بتنميط عقولهم وإبعادهم عن مجالات التدين وتشويه الدعوة في أذهانهم.
مناسبة هذا الحديث هو التعليق على مبادرة بعض الشباب الذين اختاروا موضوع التذكير بالله للتواصل مع غيرهم من الشباب والشابات في الفضاءات العامة وهي مبادرة حميدة لا يمكن لأي شخص من ذوي النيات السليمة والقلوب الصافية والهمم الطامحة إلى تجديد التواصل بين أبناء وبنات هذه الأمة على أسس إيمانية إلا أن يزكيها ويثني عليها ويعمل جاهدا على تطويرها وتصحيحها.
إلا أن المفاجأة هي أن تجابه هذه المبادرة بنفس البؤس الذي تحدثنا عنه أعلاه من قبل من وصفناهم بأشباه المتعلمين وأشباه المثقفين إلى حد أن البعض منهم على المواقع الافتراضية ذهب إلى اعتبار أن قيام شخص في الشارع بسؤال المارة هل -تتذكرون الله عز وجل- هو تدخل في الأمور الشخصية لهم وانتهاك صارخ لخصوصياتهم وأنه مزايدة عليهم في التدين لأنه يريد أن يظهر نفسه (مسلم بزاف) وأنه يجب متابعته قانونيا لأنه قام بتصوير تلك المشاهد كما يفعل جميع الهواة اليوم على المواقع العالمية وعرضها دون موافقة المارة وغيرها من التهكمات والاستهزاءات التي تنحو في الاتجاه السلبي البئيس، هذا وأن الشاب الذي قام بهذه المبادرة شاب عادي جدا في مظهره وكلامه ولا يظهر أنه ينتمي لجماعة أو تيار أو أي شيء منة هذا القبيل وكلامه لا يتجاوز عبارة من كلمتين (لنتذكر الله عز وجل)، فما بالك أن كان ملتحيا أو يلبس لباسا تقليديا لكانت التهم أفظع والنعوت أقذع حيث يستوي عندهم في ذلك الصوفي بالسلفي بالاخواني ويصبح الكل حاملا لدعوة التطرف والتشدد وغيرها من الأوصاف والمفاهيم الببغائية التي لا يدري ناطقها معانيها ولا سياقاتها.
وبغض النظر عن الخلفية الإيديولوجية التي يمكن أن تكون دافعا لأمثال هؤلاء في التعاطي بشكل سلبي مع أي مظهر من مظاهر التواصل الديني فإن الوعي المجتمعي وصل إلى درجة من الانحدار لا يمكن أن تتصور، في الوقت الذي تذهب المؤشرات إلى الارتفاع المتزايد لمظاهر التدين الطقوسي الموسمي كما هو الشأن في الإقبال على المساجد في رمضان.
الإشكال العام هنا أن فئة كبيرة من المجتمع أصبحت تنظر للدعوة وللقائمين بها من خارج المؤسسات الرسمية -هذا إن كانت المؤسسات الدينية الرسمية تقوم بالدعوة أصلا- بنوع من الشك المسبق في النيات والتبخيس والاتهام لهم بخدمة أغراض أخرى غير معلنة وغيرها من الاتهامات التي تجد مرجعيتها في ما يروجه العلمانيون والإعلام العلماني عن الدعوة الإسلامية خاصة إذا كانت تتوجه للشباب.
المفارقة أن البعض ممن وجوهوا سهام ألسنتهم وأقلامهم واستهزاءاتهم لتلك المبادرة الفردية في الدعوة إلى الله وتذكير المؤمنين بالله حاولوا تدعيم مواقفهم السلبية بالقول بأن مسالة الدعوة هي من مهام المجالس العلمية والعلماء ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وهذا أمر صحيح بغض النظر عن قصر النظر وعدم الفهم الذي يكتنف القائلين به من حيث حصر الدعوة على فئة معينة لان الدين الإسلامي جعل النصيحة بين الأفراد كيفما كانت مراكزهم وأنشطتهم ومداركهم الأساس في توطيد رابطة الأخوة العقدية والدينية.
لكن هل تقوم المجالس العلمية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والعلماء بشكل أوسع بمسؤولياتهم في الدعوة إلى الله وتذكير الشباب بالله هل ينزلون إلى الشوارع والطرقات وإلى المدارس والإحياء والنوادي الرياضية لإلقاء العظات وتقديم النصح والإجابات عن مشاكل وهموم الشباب، هل قاموا بتطوير آليات التواصل مع الشباب؟ هل سبق لأي مغربي أن رأى يوما عالما ممن ينتمون إلى المجالس العلمية الذائعة الصيت ينزل إلى الشارع ليتواصل دون برتوكولات زائفة مع الشباب يذكرهم بالله ويتحاور معهم ويسألهم ويسألونه..؟
أظن أن الإجابة لا، وقد أكون مخطئا ربما لأنه لم يصل إلى علمي أن علماءنا الكرام يقومون بمثل هذه المبادرات الطيبة بشكل يومي.. أظن أن الإجابة لا لأن المظاهر التي نراها يوميا في شوارعنا وفضاءاتنا العامة لا تفيد أنهم يقومون بواجبهم كما ينبغي أن يقوموا به دعويا وإعلاميا وأن صوتهم الخافت والمتواري خلف الجدران -أسوار المعاهد والجامعات والمساجد- جعل من الصوت العلماني الذي يريد أن يحشر الدين في الزاوية الضيقة من حياتنا الشخصية وأن يجعله لا يتجاوز أبواب المساجد وخطب الجمعة، جعل منه صوتا عاليا صاخبا مزمجرا في الإعلام وفي الشارع في النوادي في المقاهي في الساحات يستفيد من بعد الناس عن الالتزام الديني لكي يثبت لنفسه مشروعية وجوده واستمراره معتمدا في ذلك على خطاب الانفصام الاجتماعي والنفاق الاجتماعي الذي أصبح سائدا اليوم عند اغلب الشرائح.