مسارب الفساد الأخلاقي ومآسيها التي لا تنسى
محمد بوقنطار
هوية بريس – السبت 16 نونبر 2013م
لا يستطيع كائن من كان إنكار حجم الفساد وواقعه وحقيقته التي صارت تجثم على نحر المنظومة الصحية للمجتمع الإسلامي على امتداد الجغرافيا التي شرفها الله بالانتساب إلى حضيرة الإسلام على امتداد قرون خلت، والمغرب كسائر البلدان التي عاتت فيها العلمانية الاستئصالية فسادا وإفسادا لا يخرج عن قواعد الإصابة المطردة في هذا الشأن، إصابة لربما بلغت نصاب الأنموذج في أحايين كثيرة..
وليس الكلام هنا ولا مسألة إقراره من باب الرجم بالغيب أو الإلقاء على غير العواهن، وإنما هذا الضجيج المتردد في استرسال مؤذ، والذي يؤرخ ويربط السوابق باللواحق في باب الإخلال الأخلاقي والتسفل في نقيصة لم يسجل ملحظها حتى في حضيرة البهيمة ومعاطن الإبل التي خلقت على هيئة الشياطين، لخير دليل وشاهد فيما ذهبنا إليه من كلام وإقرار، وإن كنا مع هذا الإقرار لا نريد أن نستسيغ أو نقبل بفرضية أن المصالح الدنيوية هي وحدها استطاعت أن تغير صوب هذا الكم الغفير من العلمانيين إلى الوجهة المخالفة للحق المعارضة له والمدمرة بفصامها النكد لمستقبل بني البشر وفطرتهم الأولى.
فالعلمانية ومعها العلمانيون وإن قبلوا أو تظاهروا بقبول الجانب العقدي من الإسلام، فإن هذا القبول لا يمكن اعتباره في فكرهم أساسا للانتماء، ومن تم فالعلمانية يمكنها ان تقبل الأخلاق في ثوبها الكوني الإنساني، لكنها لا يمكن أن تقبل الأخلاق التي جاء بها الإسلام ونص عليها الشرع الحكيم، فالقضية إذن هي قضية دين يراد له الإلغاء والتغييب من كل مناحي الحياة، حتى ترفع أغلاله وقيوده الحائلة بين الإنسان ونوال حريته الفردية، وعليه فإن أي تعاطي في هذا الخصوص يأتي لاغيا لهذا التسليم، فهو ليس إلا هروب من الحقيقة وهرولة في غير مسعاها.
وللمنصف المتجرد أن يتصور حجم الخصومة بين هذه القطعان الناطقة التي نراها اليوم تستأنف بنفس جديد وروح متجددة غرائز الجاهلية الأولى وتحمل أفكارا أرضية فاقعة لا صلة لها بالسماء ولا بالشريعة الغراء، وبين عرى هذا الدين الذي كرم الإنسان وأحاط حياته بهالة من الحدود والضوابط التي استوعبت السمع والبصر والفؤاد وجارحة اللسان، فحرمت إرداف النظرة إلى النظرة حفظا لحرمة القوارير، وتحصينا للناس ضد الحرام وحفاظا على نقاوة النسل وتجنبا لمهالك اختلاط الأنساب، وخاطبت في الإنسان فطرته، وانظر إلى الرحمة المهداة في قصته مع ذلك الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنا وكيف أنه خاطب فيه سوي الفطرة التي تأبى أن تقبل ذلك الفعل المشين في معشر أهله وعشيرته فتمت العافية والكفاية.
فأنى لدين هذه مزاياه أن يقبل به هؤلاء الذين ألّفوا جميعا باسم المدنية والحداثة والحرية والمساواة جبهة للشر والعدوان ومجافاة كل فضيلة وممارسة العهر وجنس الرذيلة خارج دائرة العصيان ومسمى المعصية، وتسويغها باسم الحرية الفردية ومستلزمات التحضر والمدنية بالعلاقة الحميمية، التي كان الدين الحنيف في مقاربته التأديبية العلاجية قد حدّ لمرتكب سفاحها مائة جلدة، بينما أعانته المدنية المتحررة بجلدة عازلة استبقاء وتشجيعا وحماية منها له في إطار تعاطيه السافل المردود عقلا ونقلا، بل أقامت دفاعا عن كل سلوك نتجنب أن نتسفل مع تفاصيله المردية بدء بضجيج القبل ونضالها وانتهاء بمأذونية الفاحشة في الأم والأخت والبنت الوقفات الاحتجاجية المنددة المتوعدة، والمقالات والأعمدة الحجاجية والمنابر الناعقة دفاعا على مثل هكذا سلوك.
فعلى من نلقي اللوم في مثل هذه الأحداث المؤذنة بالويل والسخط والثبور؟
ومن يتحمل المسؤولية في تكريس هذه الأوضاع المخلة والدفع بها إلى الواجهة وكأنها الأصل الأصيل ؟
فإذا كنا نعلم أن البراءة والتعافي من هذه الموبقات أمر لا يحتاج إلى إرسال الطير الأبابيل ولا الإهلاك بالطاغية ولا الريح الصرصر العاتية، فإننا بالمقابل نرى مسؤولية الدولة في فلسفة الوجود والعدم مسؤولية بلغت نصاب “النسبة إلى والمحاسبة على”، وإذا كنا نعلم أن التغافل بالنسبة للأفراد قد يوصف بالإيجابية إذا لزم عتبة الإنكار اللساني والقلبي ولم يتجاوزهما إلى مفسدة اقتناص الحقوق خارج منظومة الزواجر القانونية، فإننا بالمقابل نرى أن تغول سيئة الغفلة من جانب الدولة يجعلها مدانة إدانة لا مبرر لها، إذ أن سكوتها وعدم تحريك مساطر الردع و المعالجة، والإبقاء على باب الرعونة واستمراء المنكر مشرها أمام مسارب البغي بغير حق، يخندقها بعد الإدانة كشريك داعم ومساند مشجع لعملية العبور على ظهر ما راكمته حضارتنا من مثل وفضائل عليا، ولعلنا لن نحتاج لتبرير هذه الخندقة والتسليم بهذه التهمة إلى كثير جهد، فإن الشواهد كثيرة كثيرة رائحتها النتنة لا تحتاج إلى فرك حتى تشم، وصورها الخادشة هنا وهناك لا تحجبها عن الناظر مناخيل التعاطي بموسمية وترقيع وعدم اطراد مع آثارها وتجلياتها الهالكة، كما حصل مع قبلة عالم “السبرنيتيك” الافتراضي، ولم يحصل مع المهرجان الجماعي للنضال بالقبل أمام المؤسسة التشريعية لبلادنا، محضن أغلبية الحزب الإسلامي أو الذي كان ولم يعد إسلاميا كما جاء على لسان السيد رئيس الحكومة الحالية في آخر طلعة إعلامية بهية لسعادته.