قراءة في كتاب «العلمانية؛ المفهوم والمظاهر والأسباب»
هوية بريس – مركز التأصيل
السبت 16 نونبر 2013م
الكتاب: العلمانية، المفهوم والمظاهر والأسباب
المؤلف: مصطفى باحو
الناشر: جريدة السبيل . سلا . المغرب
الطبعة: الأولى 2011م
عدد الصفحات: 172 صفحة
ــــــــــــ
بعد سقوط الشيوعية تحول الإسلام إلى عدو استراتيجي للغرب باعتراف نصر حامد أبي زيد ومحمد أركون، فالغرب لم يجد سلاحا أمضى من سلاح العلمانية لإزاحة الإسلام وزعزعته من المجتمعات الإسلامية والحد من هيمنته على الحياة العامة للمسلمين، وتحجيم دوره وتهميشه داخل جدران المساجد والزوايا، وتحويله في النهاية إلى نوع من الفولكلور أو التراث الشعبي، فجُندت وحشدت جحافل من العلمانيين العرب للقيام بدور الطليعة الأولى والنيابة عن الغرب في نشر المشروع الحضاري الغربي.
وفيما يخص الكتاب الذي بين أيدينا فيأتي في طليعة سلسلة متتابعة لنفس المؤلف حول العلمانية، والكتاب الذي بين أيدينا جاء بمثابة المقدمة العامة لها، فكان تمهيدا لبحوثها وتأسيسا لمواضعها، ولهذا تمحورت موضوعاته حول مفهوم العلمانية وأسبابها ومظاهرها وتاريخها وتطورها وآثارها وغير ذلك من القضايا المتصلة بها، وبحسب مقدمة المؤلف سيتبع هذا الكتاب سلسلة تضم أبحاثا عديدة نَجَز بعضها، وبعضها في الطريق إلى الإنجاز، منها:
1. الإسلام في نظر العلمانيين.
2. موقف القرآن من العلمانية.
3. موقف السنة من العلمانية.
4. ماذا تريد العلمانية؟.
5. ماذا يعني تطبيق الشريعة؟
6. العلمانية والمذهب المالكي.
والعلمانية بحسب رأي المؤلف ليست فصل الدين عن الدولة فقط كما يروج عدد من العلمانيين تسترا وتزييفا، بل هي فلسفة عامة للوجود، لها رؤية للكون وللإنسان، تعتبر فيه الإنسان مركزا رئيسا ووحيدا لهذا الكون، ولا مكان فيها للماورائيات والغيبيات والأساطير الدينية، والتي تتحول إلى شيء فردي وشخصي شأنه شأن الأكل والشرب واللباس.
الأمر الذي تبدو فيه قضية السياسة مجرد جزئية في المشروع العلماني، الذي يقوم أساسا على تهميش المقدس كحد أدنى، أو إلغائه وإنكاره تماما كحد أقصى. إن شئت الدقة فقل: إن الدين في ظل ذلك المشروع: إما محال إلى التقاعد، وإما مفصول من الخدمة.
حقيقة العلمانية:
بعد عرضه للمعني اللغوي للعلمانية بين الكاتب أن السياق التاريخي والثقافي والاجتماعي الذي نشأت فيه العلمانية يؤكد على عدم ربط المصطلح بالعلم، وإنما بالعالم المحسوس المادي المقابل للعالم الغيبي الميتافيزيقي الذي ما قامت العلمانية إلا لتجاوزه.
وقد خلص الباحث بعد عرضة لأكثر من تعريف للعلمانية بأن الأسس التي تقوم عليها تتلخص في الآتي:
1 – الرؤية المادية، وإنكار كل ما وراء المادة.
2 – تنحية الغيب والميتافيزيقا.
3 – نزع القداسة عن المقدس.
4 – العقلانية المطلقة.
5 – النسبية المطلقة.
6 – فصل الدين عن الحياة، وإلغاؤه تماما من المنظومة المعرفية أو السلوكية.
من هنا يتضح أن العلمانية مذهب إلحادي. ولهذا فدائرة المعارف البريطانية لما ذكرت الإلحاد قسمته إلى قسمين:
1 – إلحاد نظري.
2 – وإلحاد عملي. وذكرت الفلسفة العلمانية ضمن الإلحاد العملي.
مظاهر العلمانية:
بين الكاتب أن العلمانية فلسفة للوجود بكل مكوناته وتنوعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية وغيرها، وليست محصورة في فصل الدين عن السياسة.
فالعلمنة السياسية ليست إلا جزءا لا يتجزأ من علمنة حقول أخرى كثيرة تراهن على إدخالها حركة العلمنة، بما في ذلك حقول الاقتصاد والثقافة العامة والتشريع إلى جانب مجالات التعبير الجمالي والفني، فالرهان العلماني يتجاوز في نهاية المطاف الجانب الحصري الذي يخص علاقة الدولة بالجهاز الديني ليطال مجالات أوسع وأشمل.
ولهذا خص الكاتب هذه النقطة بالحديث عن مظاهر العلمانية في المجالات المختلفة فتحدث عن العلمانية في السياسة والاقتصاد والمواطنة والتربية والأخلاق والاجتماع والإعلام والرياضة والفن و القانون والتعليم.
أسباب العلمانية:
وقصد الكاتب بالأسباب الشروط التاريخية التي تسببت في إفرازها ووجودها في العالم الغربي أولا، وفي نسختها الكربونية العربية، من أجل فهم منطقي ومعمق لحقيقتها ومدلولها المفاهيمي، ومن ثم موقف الإسلام منها.
بين الكاتب أن المتفق عليه بين جل الباحثين بما فيهم كثير من العلمانيين أن العلمانية إفراز ثقافي فلسفي في ظل شروط تاريخية واجتماعية ودينية غربية مخالفة للسياق الذي وجدت-أو بالأحرى- أُوجدت فيه في العالم العربي.
فالعلمانية ظاهرة غربية محضة تاريخا وموطنا وأسبابا، لها شروط سياسية ودينية واجتماعية ولدتها وساهمت في تشكيلها وبررت وجودها، وجعلت من أوروبا حاضنا رسميا لها.
بل الأكثر من هذا فالمسيحية بحد ذاتها لإقرارها بترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله هي العامل المركزي الذي ساهم في بروز العلمانية. فمن رحم المسيحية المحرفة مذهبا وتاريخا خرجت العلمانية.
وقد أجمل الكاتب أسباب العلمانية في النقاط الآتية:
السبب الأول: الطغيان الكنسي.
السبب الثاني: الصراع بين الكنيسة والعلم.
السبب الثالث: طبيعة الدين المسيحي.
السبب الرابع: الفصل بين الدين والدولة.
السبب الخامس: الحروب الدينية.
أما عن أسباب انتقال العلمانية إلى العالم الإسلامي، فقد لخصها المؤلف في الآتي:
السبب الأول: الاستعمار.
السبب الثاني: الصحافة الموالية للاستعمار.
السبب الثالث: التخلف والتفكك المجتمعي العام.
السبب الرابع: علماء السوء.
السبب الخامس: الماسونية.
السبب السادس: التنصير.
الحكومة الدينية:
تحت هذا العنوان أشار الكاتب إلى أنه ليس في الإسلام «رجال الدين» بالمعنى الطبقي الاجتماعي أي: طبقة معينة لها مميزات خاصة وامتيازات معينة، ولها الحق وحدها في معرفة الحقيقة المطلقة، وأنها تحكم بتفويض إلهي.
وبين كذلك أن الحكومة الدينية المسيحية أو الحكومة الإلهية أو الحكومة الثيوقراطية التي نشأت في الغرب تتميز بعدة خصائص، منها:
– أفرادها من الكهنة ورجال الدين.
– رجال الدين هم وحدهم لهم الحق في التحدث باسم الله.
– هم يحكمون بتفويض من الله، وبالحق الإلهي الذي يخول لهم التصرف في أرزاق الناس وتشريعاتهم ومصائرهم.
– لا يجوز لأحد مهما بلغ من العلم أن يخالف آراء رجال الدين لأنهم يمتلكون وحدهم الحق المطلق، ولو في العلوم التجريبية والفلكية والطبية.
وأما في الإسلام فالحاكم مدني، ولا يدعي أنه يحكم بتفويض إلهي، أو أنه يحكم باسم الله بمعنى النيابة عنه.
وعليه فرَّق الكاتب بين الدولة الدينية والدولة الإسلامية فبين أن الدولة الإسلامية تكون ذات مرجعية إسلامية أي منضبطة بضوابط الشريعة، والحاكم فيها يخطئ ويصيب، ولا يتحدث أحد باسم الله ونيابة عنه إلا الأنبياء.
والقول بحاكمية الشريعة لا يعني الحكومة الدينية كما توهم بعض الكتاب، لأن الحاكمية لا تعني أن يباشر حكام بأعيانهم سلطانا من الله على الناس كما كان في أوروبا، بل تعني أن تكون شريعة الإسلام هي مصدر التشريع، وأن الحكم للخليفة الذي بايعته الأمة وفق مبدأ الشورى.
العلمانيون العرب والغرب، الغزل المتبادل:
في هذه الجزئية أشار الكاتب إلى حرص الغرب على الدفع بمشروعه نحو المنطقة الإسلامية بغية مزيد من السيطرة والتحكم فيها. فبين أنه مع خروج جيوشه الاستعمارية عنها أبقى نخبا مغربة يرعاها برعايته ويكفلها بدعمه ويشملها بعطائه، وفي المقابل تسابقت النخب في إظهار أصناف الطاعة والولاء للمشروع الغربي، تارة بالإشادة بالمشروع العلماني، وتارة بتوجيه ضربات موجعة للمشروع الإسلامي، استكمالا لما بدأه السادة، وتنفيذا للمخططات الغربية. وقد تنافس العلمانيون في هذا تنافسا محتدما محموما.
مغالطات علمانية:
ختم الكاتب حديثه عن العلمانية بسرد عدد من المغالطات التي وقع فيها هذا الفكر المزيف، فقد ادعت العلمانية أنها صيرورة تاريخية لا مفر منها، وأنها أرقى ما وصل إليه العقل البشري. وبالتالي فهي حقيقة مطلقة، تنبني على أصول فلسفية وعقلية واحدة، وتقوم على أرض ديمقراطية صلبة.
ولرد هذه الأباطيل والترهات ناقش الكاتب واقع العلمانية في النقاط الآتية:
1- العلمانية وامتلاك الحقيقة المطلقة.
2- هل ترتكز العلمانية على أسس فلسفية وعقلية قطعية؟
3- هل العلمانية والديمقراطية توأمان لا ينفصلان؟
4- ما بعد الحداثة.
5- مغالطات.