في ذكرى استقلال المغرب.. الدرس المغربي في الدفاع عن الشرعية
بدر الدين الخمالي
هوية بريس – الإثنين 18 نونبر 2013م
أثارني تعليق أحدهم حول قصة رؤية محمد الخامس في القمر متسائلا كيف كان يمكن للناس أن يروا أو يعتقدوا في ذلك الزمان بأن صورة الملك محمد الخامس قد تظهر في القمر معقبا على ذلك بأن: (الناس كانوا نية)، أي بمعنى كانوا سذجا؛ وهذا الرأي إلى جانب كونه محفوفا بكثير من التهكم الساذج فيه كثير من الجهل الصارخ بتاريخ الصراع المغربي مع الاستعمار خصوصا في السنوات الثلاث التي تلت نفي الملك الشرعي للبلاد، وتنصيب الطرطور ابن عرفة على عرش المغرب بمباركة بعض الشيوخ والفقهاء والقواد الموالين أو المتحالفين مع الاستعمار الفرنسي.
لأن محمد الخامس لم يكن فقط سلطانا يتولى حكم البلاد كما كان يصور الاستعماريون يكفي أن يتم عزله وتنصيب آخر مكانه كي تستتب لهم الأمور بل كان رمزا للشرعية ورمزا للوحدة والوطنية ورمزا دينيا لكل المغاربة بحكم البيعة الشرعية التي ربطت بينه وبين الشعب المغربي ورمزا للمقاومة الوطنية وقائدا لحركة التحرر.
أراد الاستعمار الفرنسي بعزله ونفيه بعيدا عن المغرب تنفيذ مخططاته في جعل المغرب تابعا لفرنسا وجزء من الاتحاد الفرنسي الذي كان يضم مستعمراتها مما كان يمهد لمسخ هوية المغرب والقضاء على استقلاله السياسي نهائيا إلا أن صمود الشعب المغربي في الدفاع عن ملكهم الشرعي والتشبث بالشرعية أثمر في النهاية استقلال المغرب.
فلذلك على الجميع خاصة هذا الجيل الذي لم يدرك تلك اللحظة ولم يفهم دلالاتها أن يعرف بأن الاحتلال العسكري الفرنسي الذي طوق القصر الملكي يوم 20 غشت 1953 بالدبابات والمدرعات ليجبر السلطان الشرعي ورمز الأمة المغربية ووحدتها على مغادرة البلاد بالقوة والإكراه والجبر عمل على تنصيب سلطان آخر (طرطور) لكي يصادق على مخططاته وينفذها، وهو الأمر الذي واجهه الشعب المغربي بالصمود المتواصل بالتظاهر في الشوارع وبرفع صور الملك وبالمقاومة المسلحة.
وبالطبع كعادة الاستعمار الهمجي واجه المحتل العسكري حراك الشعب المغربي بالقمع والتنكيل والقتل والاعتقال ومنع رفع صور الملك محمد الخامس وقام بالقبض وإطلاق الرصاص على كل من قام برفع صور الملك الشرعي أو هتف باسمه، وهنا ظهرت الإبداعات النضالية للشعب المغربي في ابتكار قصة رؤية صورة محمد الخامس في القمر في زمن لم تكن فيه وسائل اتصال متطورة أو أجهزة تلفاز أو قنوات فضائية لتنقل فعاليات الحراك الشعبي ضد الاحتلال، فأصبح كلما حل الليل إلا وتحولت الأسطح إلى أمكنة للتظاهر والتنديد بالاحتلال وبنفي الملك الشرعي للبلاد والدفاع عن الشرعية والمطالبة بالاستقلال.
قصة رؤية الملك محمد الخامس في القمر إذا كانت تعبر عن شيء فإنها تعبر عن العبقرية المغربية والإبداع في الأشكال النضالية بما لا يوازيه أي شكل آخر لحد الآن، ذلك لأنها أثرت بشكل كبير على مخطط الاستعمار وأفشلته تماما، وجعلت من السلطان الطرطور الذي كان الاستعمار العسكري البائس وعملاؤه والخونة يلطخون بصوره الحيطان والجدران ليكسبوه شرعية وهمية تحت أزيز الرصاص وسفك الدماء والاعتقال؛ مجرد موضوع للتندر والسخرية، وجعل الاستعمار الفرنسي يرضخ في الأخير لمطالب الشعب ليعود محمد الخامس شامخا منتصرا من منفاه ولينال المغرب استقلاله ويستعيد سيادته التي سلبها منه الاحتلال العسكري الفرنسي.