الشهرة والحرب على الإسلام.. بوسريف يهاجم مادة التربية الإسلامية!!
ذ. يونس الناصري
هوية بريس – الأربعاء 20 نونبر 2013م
قد يتساءل كثير من الناس عن هذا الذل الذي ضُرب علينا، حتى أهملنا الغربُ ونسي وجودنا وكينونتنا ولم يعد يحسب لنا أي حساب، في قراراته وتوصياته، بل حتى في تدخلاته في شؤوننا الخاصة، لم يعد يعبأ بنا وبثقافتنا وديننا.
وليس للذي يتبادر إلى ذهنه هذا السؤال إلا أن يتصفح جرائدنا ومواقعنا الإلكترونية ويقرأ لبعض الباحثين عن الشهرة جرأتهم الغريبة على لغتنا ودينا الإسلامي الحنيف؛ ليتيقن أننا قد أُتينا من جهة هؤلاء، ونزل علينا مقت الله وغضبه بسببهم، على قاعدة عائشة رضي الله عنها لما سألت زوجها ونبيها صلى الله عليه وسلم: “أنهلك وفينا الصالحون؟” فأجابها الذي لا ينطق عن الهوى بقوله: “نعم، إذا كثُر الخبث”.
فبعد أيام قلائل من إهانة عيوش للمغاربة كلهم برفعه رسالة للملك محمد السادس حفظه الله يلتمس منه فيها تعميم الدارجة في تعليمنا الإبتدائي، ومنه إلى الإعدادي فالثانوي، ومنع المدارس القرآنية من مزاولة أنشطتها التي لم تعد تروق لبني علمان في زمن العولمة والحداثة!!! بعد هذا بأيام خرج شاعر حداثي لم أسمع به من قبل اسمه بوسريف يقول: “من بين المشكلات الكُبْرَى التي تَطْرَحُها، البرامج، والمُقَرَّرات التعليمية، في المدرسة المغربية، تدريس ما يُسَمَّى بمادة «التربية الإسلامية» “لماذا تعتبر مادة التربية الإسلامية مشكلة كبرى!!؟ سيجيبنا الشاعر المُفلق الجهبذ بقوله: فتسمية «التربية الإسلامية»، في ذاتها، تطرح جملةً من المشاكل، لعلَّ أبرزه:
ـ شَحْن التلاميذ بمفهوم واحد، وبرؤية واحدة للدِّين، تكتفي بالإسلام دون غيره. وفي حالة ما تَمَّ الحديث عن غير الإسلام، يكون، في أغلبه، حديثاً عن ديانات ناقصة، يشوبها الخَلَل، وهي ديانات، كما قد يُبَلِّغُها بعض مُدَرِّسِي المادة، ووفق ما توحي به النصوص المُقَرَّرَة، مُنْحَرِفَة، تُقابِل الكُفْر، ولا يجب الاقتراب منها، أو معرفتها.
ـ تربية النَّشْء على الإسلام فقط، ما يُفْضِي، إلى نقص في المعرفة، ليس في معرفة الدِّيانات الأخرى، بل في معرفة الإسلام نفسه، أي كأنه الدِّين وحْدَه، ولا دينَ قبله، عِلْماً أنَّ في معرفة اليهودية، والمسيحية، وفي معرفة الديانات، والمُعْتَقَدات القديمة، ما يجعل من فهم السياق الذي ظهر فيه الإسلام، وما يدعو إليه، يكون أكثر وُضوحاً، واتِّساقاً، وهذا يزيد من وُضوح الرؤية، عند المُعَلِّم والمُتَعَلِّم، معاً.
ـ في كلمة تربية، بربطها بالإسلام، ما يُشِير إلى فرض هذا الدِّين، باعتباره الخيار الوحيد. هذا قد يكون مُنْسَجِماً مع ما جاء في الدستور الذي أكَّدَ على هذه النقطة، بالذَّات، عِلْماً أنَّ الذين أصَرُّوا على هذا، هُم من يعتبرون مادة «التربية الإسلامية»، هي من الأراضي المحضورة على غير «الفُقَهاء».
وحقا ينبغي لواضعي مقررات التربية الإسلامية من أصحاب التخصص أن يتربعوا أمام هذا المفكر الشاعر طلبا لفهم حقيقة الإسلام ولبه ومقاصده، تلك الحقيقة التي علمه إياها محمود درويش وأدونيس ونازك الملائكة وغيرهم من أصحاب العقول المتنورة الحداثية الراقية، التي تجاوزت هضم غوامض الإسلام وطبقت أحكامه في حياتها كلها إلى قراءة وضبط سر الله في خلقه وكتبه السماوية !!!
والله لقد شحت السماء بالغيث تقززا من حداثة الحداثيين وزيغ المتطاولين على المعلوم من الدين بالضرورة، وننتظر -لا قدر الله- عاصفة هوجاء تأتي على الأخضر واليابس، فاللهم رحمتك وغفرانك.
قد يظن هؤلاء أن خورهم المتكرر هذا يفت من عضد العلماء الغيورين على شرعهم ولغتهم ويدفعهم إلى السآمة والملل من الرد والاستنكار! وهم في ذلك واهمون، ولعزيمة الباحثين الأكفاء داعمون، ولأهل الحق والشرع مشجعون، ولكل غيور على دينه ولغته ووطنه دافعون إلى مزيد بحث ودراسة لعقلية العلمانيين المتصدعة المتآكلة.
إن الغرب اليهودي المسيحي لا يرضى لأبنائه غير التوراة والإنجيل دينا، ولا يؤمن بالإسلام طرفة عين، بل تجاوز ذلك إلى اتهام ديننا بالإرهاب تارة، وبالتطرف والغلو تارة أخرى، بل جند لذلك تلامذته المخلصين ليواصلوا القدح والازدراء بتعاليم الإسلام تحت غطاء الحداثة والتنوير والتقدم!!!
فانظر إلى ما قال موريس بوكاي في كتابه الشيق الذي لا أظن شاعرنا قد اطلع عليه الموسوم ب: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم: دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة : ” فكتاب اليهودية المقدس هو التوراة.. لكن اليهودية لا تعترف بأي وحي جاء بعدها..” (ص:9)، ثم تحدث عن المسيحية وحرصها الشديد على أن لا تتداخل أناجيلها بما ليس منها مما أضافه اليهود أو حرفوه، فقال في آخر كلامه: “غير أن المسيحية بدورها لا تعترف بأي وحي جاء بعد المسيح وحوارييه، ولذلك فهي تستبعد القرآن” (ص:10).
وصاحبنا يدعو إلى تدريس مادة سماها “الثقافة الدينية” ليطلع التلاميذ -زعما منه- على كل ما أنتجه العقل البشري من اعتقاد فكري، حتى وإن كان أسطوريا وثنيا، لتنمو لديهم ملكة الإبداع والتحرر من رجعية التفكير السلفي كما سماه، الذي يؤطر واضعي برامج التربية الإسلامية.
فبينما يغزو الغرب الصهيوصليبي الفضاء ويصنع الآلات ويستعبدنا اعتمادا على دينه ولغته وثقافته، يتهافت من يُحسبون من المثقفين على انتقاص شرعهم ولغتهم، ليقال: باحثون متحررون، ومثقفون متنورون.
لقد افترى الشويعر على دينه حين اتهمه بأنه : ” يملأ التلاميذ بالخوف، وبالوَعيد، ويوم العِقاب، والحساب، أو السَّعِير، بدل أن يجعلَه يصل للمعنى الدِّيني، بنفسه، انطلاقاً، من طبيعة المادة التي يدرسُها، وفق منهاج، مدروس، ومُخَطَّط له، من قِبَل مُخْتَصِّين، من فقهاء، ومختصين في الديانات المقارنة، وفي الفلسفة والفكر الإسلامي، وفي دراسة التراث، وفي الأنتربولوجيا، وعلم الاجتماع، وعلوم التربية، بما فيها علم النفس، لا بالاقتصار على أشخاص، «يَقْرَأُونَ القُرْآنَ لا يَتَجاوَز تَراقِيهِم» [أي حُلُوقهم]، كما جاء في الحديث”.
وأرجعه هنا -إن كان لا يقرأ- إلى إنجيل (متى) ليعلم أن التخويف والترهيب الذي يجهل العلمانيون مقاصده السامية الدافعة إلى خشية الله تعالى وتوقير خلقه من أسس أي دين سماوي صحيح، ومن المسلمات التي لا يجادل فيها إلا غبي غُمرٌ لا يحسن الوضوء ولا الصلاة، ويبغي الفتنة في قومه.
فقد جاء في إنجيل متى في سياق الحديث عن الغضب: “21 قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجب الحكم 22 وأما أنا فأقول لكم: إن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم، ومن قال لأخيه: رقا ، يكون مستوجب المجمع، ومن قال: يا أحمق، يكون مستوجب نار جهنم..
وقال عيسى -حسب النصارى- وهو يحذر من الزنا: “27 قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تزن، 28 وأما أنا فأقول لكم: إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه، 29 فإن كانت عينك اليمنى تُعثرُك فاقلعها وألقها عنك، لأنه خير لك أن يهلك بعض أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم..”.
فهل صحيح ما يدعو إليه المتطرفون من بني علمان من ضرورة تعويض التربية الإسلامية بالثقافة الدينية؟ أم تراهم لم يا علموا ما في التوراة والإنجيل؟ أم إنهم يريدون القضاء على كل معاني الترهيب الثابتة في الكتاب والسنة حتى لا يعكر صفو شهواتهم مثلُ قوله تعالى: “ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا“، وقوله عليه السلام فيما معناه: “إن الزناة يعذبون عراة في تنور حتى تتعالى أصواتهم؟؟”، أم أنهم يريدون تمكين رقابنا للغرب يقطعها كيف شاء لينعموا بدفء الدولار واليورو؟ وأسئلة كثيرة هيأ الله لها من يجيب عنها ويشفي صدور قوم مؤمنين.
إن دافع الشهرة والبروز يعمي القلوب ويصم الآذان ويحجب النور ويصدع العقول ويلغيها، وما هؤلاء إلا كالذي بال في بئر زمزم أمام الناس، فلما اجتمعوا عليه وقالوا له: ما حملك على ما فعلت؟ قال: أردتُ أن أُذكر ولو باللعنات.