جمعية أساتذة اللغة العربية بوزان وفقه الأولويات وأهمية التعامل مع القضايا المعاصرة
هوية بريس – متابعة
الإثنين 25 نونبر 2013م
إليكم مداخلة رئيس “جمعية أساتذة اللغة العربية” بوزان الأستاذ محمد الحياني، بـ”الملتقى الجهوي الثاني” الذي نظمه المجلس العلمي المحلي بمدينة وزان بتنسيق مع المجالس العلمية المحلية بجهة طنجة تطوان؛ في موضوع: فقه الأولويات وأهمية التعامل مع القضايا المعاصرة؛ المنظم بمدينة وزان، أمس الأحد 24 نونبر 2013م، وهذا نصها:
“الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، خير من نطق بالعربية وعبر، وأشاد بها وافتخر. وعلى آله وصحابته أجمعين.
– السيد رئيس المجلس العلمي المحلي بوزان.
– السيد رئيس رابطة الشرفاء الوزانيين.
– السيد ممثل الرابطة المحمدية بمدينة وزان.
– السادة رؤساء المجالس العلمية بجهة طنجة تطوان.
– السادة أعضاء المجالس العلمية بالجهة.
– السادة مندوبو الشؤون الإسلامية بالجهة.
– السادة العلماء والعالمات.
– السادة الخطباء.
– أيها السادة والسيدات.
– الحضور الكريم.
السلام عليكم جميعا ورحمة الله تعالى وبركاته:
بداية أعرب عن سعادة “جمعية أساتذة اللغة العربية ” بهذا الملتقى الجهوي الثاني الكبير الذي يُنظم بمدينة وزان؛ مدينة العلم والعلماء والباحثين والفقهاء.
وإنها لمناسبة سعيدة أن يجتمع هذا الجمع المبارك الغفير من العلماء والباحثين من جميع أقاليم الجهة على موضوع نحن في أمس الحاجة إليه ألا وهو موضوع: “فقهُ الأولويات وأهميتـُه في التعامل مع القضايا المعاصرة” لأن من شأنه أن يُعرف بأحسن الأعمال التي ينبغي لنا أن نهتم بها في حياتنا اليومية المعاصرة.
إن مشاكلنا ونوازلنا -اليوم- أيها السادة، أصبحت متعددةً ومختلفة لدرجة أنه أصبح الفرد المسلم والمجتمع المسلم يجد نفسه في موقف حرج أمام بعض مستجدات ومتطلبات العصر.
وهذا يحتاج منا إلى بذل مزيد من الجهد والمثابرة من أجل رصد هذه القضايا والمواقف وترتيبها وفق منطق وفقه الأولويات، ثم البحثِ لها عن حلول مناسِبة والعمل -بعد ذلك- على تفعيلها.
فعلى سبيل المثال لا الحصر:
– هناك وسائل الإعلام (الفضائية والرقمية والافتراضية) وكيفية التعامل معها ومع مضامينها.
– وهناك المعاملات الاقتصادية الحديثة بين الرفض والقـَبول وبين الإجازة والتحريم..
– وهناك دَور التربية والإصلاح في المحافظة على جيل يِؤمن بدينه، متشبعِ بهـُويته الثقافية والفكرية من لغة عربية وقيم إسلامية، مع الانفتاح على مستجدات العصر ومواكبتها بفكر مستنير..
أيها الحضور الكريم اسمحوا لي أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى “المجلس العلمي المحلي” بوزان على تنظيم هذا الملتقى العلمي الكبير الذي من شأنه أن يحيي فينا روح الاجتهاد والإبداع كلما جد جديد أو نزلت نازلة، كما يدعونا إلى مزيد من الجهد للحفاظ على مقوماتنا الحضارية والإسلامية واللغوية التي بها ساد السلف من الأمة وعز جانبُهم، ومن دونها قد يتوانى الخلفُ منها وتداسُ كرامَـتـُهم.
إن جمعيتـَنا تقدر المجهودات الجبارة في خدمة اللغة العربية لكلٍ من المجالس العلمية بالجهة، وشعب اللغة العربية والدراسات الإسلامية ومؤسسات التعليم العتيق وجامعة القرويين ومؤسسات التعليم الأصيل وجمعيات الدفاع عن اللغة العربية… وغيرها. والتي تسعى جميعـُها إلى الحفاظ على اللسان العربي باعتباره آصرةَ وحدة الأمة الإسلامية وعنوانَ عزتها ومستودع ذاكرتها، ووعاءَ فكرها.. في وقت بدأ خصومُها يسعون جاهدين إلى تهميشه وإضعافه وبث الوهن في ألسنة أبنائه استصعابا للفهم والنطق والتداول.
معشر العلماء الفضلاء والأساتذة الأجلاء:
إننا في “جمعية أساتذة اللغة العربية” بوزان نعتبر أن مِن أكبر العوامل الضارة باللغة العربية وبمستقبلها وحتى بمستقبل الوحدة العربية المنشودة، استعمالَ اللهجات المحليةْ في الإذاعة والتلفزة وباقي الوسائل الإعلامية الأخرى، ذلك لأنه يـَجمع بين البلاد العربية لغةُ القرآن. والعدولُ عنها إلى اللهجات المحلية هو خـَصْمٌ لهذه الوحدة، وخطر هذه اللهجات يجيئ من كونها تتعدى المظاهر الصوتية إلى استعمال كلمات أجنبية دخيلة ومصطلحات ومسميات مرتجلة بغير خبرة بخصائص اللغة العربية، يسوقها معدون أو مذيعون على نحو مـُغرق في التسرع ومراعاةِ الشائع محليًا، وأحيانًا تبدو اللهجة متأثرة ببقايا اللغة التي كانت رائجةً على ألسنة المستعمرين، ممن كان لهم وجود في كثير من مناطق بلادنا، أو تبدو متأثرة بألفاظٍ سقيمة ساقطة سوقية لا مكان لها في مستويات الفصاحة.
وقد قال أحد الأدباء: (الذين ي نادُون بإحلال العامية لسهولتها محل الفصحى لصعوبتها: هم أشبه بمن ينادون بتعميم الجهل لأنه سهل، وإلغاءِ العلم لأنه صعب المنال).
وما كل هذا، إلا لإبعاد الأمة عن هـُويتها وأصالة لغتها، والفصلِ بينها وبين تراث أجدادها، وهذا بلا شك أحد العوامل القوية المؤثرة في هدم الأمة وإبعادها عن دينها؛ وإلا فكيف يُفهم القرآنُ والسنةُ وأقوالُ العلماءِ وكتبُ الفقه والحديث وغيرُها بدون معرفة اللغة العربية؟! إذ لا يستطيع المسلمُ فهمَ دينه وأحكامِه إلا بمعرفة اللغة العربية. وكم عانت الأمة -ولازالت- من عُجمة أبنائها!
إن من ينتصرون للعامية -اليوم- بلهجاتها، أو يتحمسون لها بحجة مراعاة الأميين، أو محدودي المعرفة ببلادنا، إنما يفعلون ذلك وكأنهم ينتصرون للمزيد من التخلف والجهل، أو كأنهم يستمرئون الانحطاط. وربما نجدهم غدا يدعون إلى تغيير الحرف العربي باعتبار أن ما أصبح شائعا -حاليا- لدى الشباب هو استعمال الحرف الأعجمي والمعنى العامي في “محادثاتهم” أو ما يسمى بـ”الشات” عبر المواقع الاجتماعية على الشبكة العنكبوتية.
أيها السادة الحضور: إن مسؤولية الدود عن حمى لغتنا العربية الفصيحة مسؤوليتنا جميعا: أساتذة وعلماء ومربين ومسؤولين.. كل من موقعه، ولا عذر لنا أمام الله أولا، ولا أمام أمتنا ولا أمام هويتنا وثقافتنا ولا أمام ناشئتنا من الأجيال الصاعدة، إذا ما تقاعسنا عن نصرة إحدى ثوابتنا المقدسة في جميع المحافل والملتقيات ومن فوق المنابر وفي بطون المؤلفات..
ومن جانبنا نحن في “جمعية أساتذة اللغة العربية” بوزان أطلقنا -هذا الأسبوع- حملة وطنية تحت شعار: “لغتنا هويتنا ورمز عزتنا”، دَعـَوْنا فيها جميع السادة الأساتذة على الصعيد الوطني وعبر جميع الأسلاك التعليمية أن يخصصوا أسبوعا تحسيسيا بأهمية اللغة العربية في الحفاظ على الهوية والتعريف بخصوصياتها ومميزاتها سواء على مستوى الخط أو على مستوى اللفظ أو على مستوى الدلالة والاشتقاق أو على مستوى الغنى المعجمي..
كما سيكون لنا موعد -إن شاء الله- بهذه القاعة، في الأسابيع القادمة مع ندوة حول “اللغة العربية بين العالمية والمحلية” سيحضرها بعض رؤساء الجمعيات الوطنية المدافعة عن اللغة العربية.
أيها الحضور الكريم:
لقد ارتبط بأذهان الكثيرين صعوبةُهذه اللغة وجمودُها وذلك لأسباب عدة، نذكر منها:
– الجهود الكبيرة المضنية لأعداء الإسلام وأعداء هذه الأمة؛ للنيل من اللغة وتشويه صورتها بشتى الطرق والأساليب.
– سياساتٌ تعليميةٌ فاشلة، ومناهجُ دراسيةٌ تزيد الأمر تعقيدًا.
– ومدرسً للغة يجهل منها أكثرَ مما يعلم.
– فضلاً عمن يهاجم اللغة ممن هم من العرب والمفترض أنهم يتكلمون بلغة العرب. كما هو الحال ببلادنا -هذه الأيام- حيث بدأت تتعالى أصواتٌ بعيدةٌ كل البعد عن اللغة العربية الفصيحة وعن ميدان التعليم والتربية، لتنهق وتزعق بما تراه حلولا مجدية لإصلاح المنظومة التعليمية حيث وجدت أن مكمن الداء الذي ينخر كيان هذه المنظومة ويجعلنا متأخرين عن ركب الحضارة هو: اعتمادنا على اللغة العربية الفصيحة في العملية التعليمية.
ومن هنا وجدت أن الحل الأنجع للإصلاح هو أن ندرس بالعامية واللهجات المحلية، وتمادت في غيّها فتجرأت على أن ترفع مذكرة في الموضوع إلى السلطات العليا بالبلاد.
معشر العلماء الفضلاء والأساتذة الأجلاء:
“ليس صحيحًا ما يقال عن وجود عوائقَ تـَحول دون فهم ما يـُعبر عنه باللغة الفصحى، بل العوائق الكبرى تحضر عند التعبير باللهجات المحلية : فلا أهلُ الجنوب يفهمون ما يقوله أهل الشمال، ولا أهل الغرب يفهمون ما يقوله أهل الشرق.
فالفـصحى موحـِدة وموحَدة يفهمها الـجميع، أو السواد الأعظم من المغاربة المتعلمين، في حين يصعب على الجميع -متعلمين وغير متعلمين- الإحاطةُ باللهجات المغربية على اختلاف مواصفاتها ومناطقها.
ويرى بعض الباحثين أن تغليب العامية في بعض وسائل الإعلام كان سببًا من أسباب أزمة اللغة العربية المعاصرة، وذلك لأن وسائل الإعلام تخاطب الجماهير العريضة والمستويات الثقافية المتباينة وتؤثر فيها تأثيرًا نافذًا.. وحجةُ بعض وسائل الإعلام في استخدام العامية أنها تحاول إرضاء كل الأذواق، وأنها تتوجه إلى فئات غفيرة من غير المتعلمين.
ولنترك اللغة العربية بنفسها ترد على أمثال هؤلاء المدعين والغوغائيين والذين يتهمونها بالقصور والعجز عن مواكبة العلم والتقدم والحضارة، ومن يزعـُمُ أن لغة العلم والحضارة الآن هي اللغة غير العربية فهذا ليس عيبًا في اللغة ولا عجزًا منها، ولا دخل لها فيه؛ فإن المشكلة فينا لا فيها، ومنا لا منها؛
فنحن الذين تخلفنا وعجزنا، ولقد ظلت العربية لغة العلم قرونًا حين حَكمت شريعةُالقرآن الدنيا. بل كانت علامةُ المدنيةِ والحضارةِ عند الأوروبيين أن يتكلم أحدُهم باللغة العربية، وكان ملوكُهم يُرسلون أبناءَهم؛ ليتعلموا العلم من المسلمين، ومنه تَعَلـُمُ لغتـِنا العربية، حتى غاظ ذلك القساوسةَ والرهبانَ؛ فحذروا من ذلك بإصدار قراراتِ الطردِ والإبعاد لمن يتحدث العربية.
إن لغة القرآن لا تعجز أبدًا عن بعض المصطلحات الفيزيائية أو الكيمائية أو الطبية أو غيرها من فروع العلم،
ولله در حافظ إبراهيم حين قال نيابة عن اللغة:
وسعتُ كتاب الله حـفـظـًا وغاية *** وما ضِـقتُ عن آيٍ به وعـظـاتِ
فكيف أضيق اليـوم عـن وصـف آلة *** وتـنسيقِ أسماءٍ لمخـترعـاتِ
أنا البحر في أحشائه الدر كامنٌ*** فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
إلى أن قال:
أرى لرجـال الغـرب عزًا ومـَنعة *** وكم عزَ أقـوامٌ بعـز لـغـات
أتى أهـلـُها بالمعـجـزات تـفنـنـًا *** فيا ليـتـَكم تـأتـون بالكـلمـات
أيـُطربكم من جانب الغـَرب ناعبٌ *** ينادي بوأدي في ربيع حياتي
إلى آخر قصيدته الرائعة على لسان اللغة العربية.
وختاما: حضرات السادةِ الكرام، اسمحوا لي أن أضع بين أيديكم كل إمكانات الجمعية من أجل التشاور والعمل المشترك الذي من شأنه أن يبرز معالم الشخصية المغربية المتميزة بأصالتها وثوابتها الدينية والثقافية واللغوية منذ ما يناهز 14 قرنا وأن يخدم مصلحة أمتنا الإسلاميةِ جمعاء..
وفي الأخير أتمنى مرة أخرى لهذا الملتقى كامل التوفيق والسداد، والله المستعان.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.