نور الدين عيوش والسعي لإبادة اللغة العربية
نور الدين درواش
هوية بريس – الثلاثاء 26 نونبر 2013م
بدا نورالدين عيوش الذي استضيف في برنامج هسبريس “نصف ساعة” أمام صورة ذات إيحاء جنسي -تؤكد ما هو معروف عن الرجل من انتمائه الإيديولوجي وحمولته الثقافية العلمانية-، وهو يحاول الدفاع عن أطروحته التي ضمنها مذكرته التي رفعها إلى الملك وإلى رئيس الحكومة.. والتي رفضها المغاربة بمختلف مشاربهم وميولاتهم وانتماءاتهم..
والحقيقة أن متابعة هذه الحلقة كاف لينفض العاقل يده من فكر هؤلاء الذين سولت لهم أنفسهم إملاء حمقهم وهوسهم الشاذ والدخيل على قيم الشعب المغربي المسلم رغم تدني مستواهم المعرفي واللغوي، لدرجة أوقن معها أن صاحبنا لا يتقن الدارجة المغربية (التي يتغنى بها) فضلا عن اللغة العربية (التي يحاربها).. بل بدا الرجل بعيدا عن واقع المغاربة ومن الأمثلة الدالة على ذلك:
1- حركة عشرين فبراير تغير اسمها عند صاحبنا لتصبح “حركة واحد وعشرين فبراير”!!
2- جلالة الملك هو محمد الخامس وليس السادس عند صاحبنا لولا أن المستضيف استدرك عليه وأعاده للصواب!!
3- تصريحه بأن الملك يقوم بمبادرات ثم تنساها الحكومات لينساها الملك نفسه..!!
4- سمو ولي العهد يُعبر عنها لدى صاحبنا بـ”سمو العهد”..!!
5- أراد أن يعبر عن تولي جلالة الملك للحكم فقال بـ”دارجته” التي يتمنى تعميمها وترسيمها في التعليم: “ملي رجع الملك الجديد ووصل..”، فلست أدري من أين رجع الملك؟؟ وهل للرجوع مفهوم آخر لا نعرفه نحن لا في اللغة العربية ولا هو في العامية…؟؟ أم أن صاحبنا يعيش بعقلية قديمة أصابها الوهن وقضت عليها الشيخوخة لدرجة اختلط عليه فيها تولي الملك محمد السادس لمقاليد الحكم مع رجوع الملك محمد الخامس من المنفى؟؟!!
6- أما سورة النصر فهي تبدأ بـ”وإذا جاء نصر الله” عند عيوش، ولعل الدراجة التي تفتق عنها عقل عيوش اقتضت إضافة واو في بداية هذه السورة!! ولعلها أن تزيدنا كلمات أخرى في القرآن الكريم حسب الضرورة الدارجية!!
ولله در القائل:
تصـدر [للتنـظـير] كـل مهـوس — بليد تسمى بـ[اللبيب المؤسس]
فحـق لأهـل [العقل] أن يتمثـلوا — ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هُـزالها — كلاها وحتى سامها كل مفلس
فهذا المستوى الهزيل من الطرح والأسلوب يغني عن مناقشة الرجل في توصياته التي دعا فيها إلى الاستغناء عن اللغة العربية وتعويضها بالدارجة.
لقد عمد الاستعمار ومن خلفه شرذمة العلمانيين من التغريبيين إلى تهميش اللغة العربية وإضعافها والقضاء عليها في تعليمنا حتى تخرجت من مدارسنا أجيال مغربية لا تتقن لغتها.. فلما تحقق هذا قالوا إن عدم إتقان المتعلم للغة العربية أضحى عائقا أمام التطور العلمي والرقي المعرفي فلابد أن نجد لغة يفهمها كل مكونات المجتمع ولا تحتاج إلا تكلف من أجل التواصل بها وهي “الدارجة”، وهذا هو ما توصل إليه عيوش وخبراؤه المزعومون.
فصارت اللغة العربية كما قال العلامة المغربي محمد تقي الدين الهلالي -رحمه الله- الذي شخص حالها بدقة: “ومن سوء الحظ أن هذه اللغة الكريمة قلّ ناصرها وكثر خاذلها ولم تزل في إدبار منذ مئات السنين، ثم جاءها الاستعمار اللغوي فكان ضغثا على إبالة، فاختلط الحابل بالنابل، فبعد ضياع الإعراب والصرف، تسرب الوهن إلى قواعدها، وتغيرت مفرداتها وأسلوبها، وذهب جمالها وبلاغتها، وكثر الخطأ فيها حتى عسر على المصلحين عدّه، فكيف بتلافيه وإصلاحه وصارت غربة علمائها كغربة علماء الإسلام، كل من قبض منهم لم يوجد له خلف؟” (الثقافة التي نحتاج إليها ص:38).
فالحاصل أن أعداء اللغة العربية صوروا المسألة بهذا الشكل، وهم يعلمون ونحن نعلم أن غرضهم القضاء على لغة القرآن ولغة الإسلام، لأنه لا يتأتى لهم القضاء عليه إلا بالقضاء على لغته واجتثاثها.
قال الإمام عبد الحميد بن باديس -رحمه الله-: “وقد سعى أناس منذ عهد بعيد في أن يضعفوا ما يقوي أمر الإسلام عموماً والعرب خصوصاً فنجحوا بعض النجاح، فطمعوا في أن يقضوا عليه فلم يجدوا أقرب إلى ذلك من إضعاف أمر اللغة العربية، والسعي في تبديل خطها والتزهيد في الكتب التي كتبت بها، جعلوا ذلك دأبهم وديدنهم، حتى أثروا في كثير من أبناء جلدتنا الذين يظنون أنهم على غاية من الذكاء والوقوف على أسرار الأمم فكان ما كان مما هو معروف” (آثار بن باديس 4/188-189).