هَدْرَةُ السُّرَّاحِ.. من الإشهار والإعلام إلى المؤسسات والإسلام
ذ. إدريس كرم
هوية بريس – الخميس 28 نوبر 2013م
فضيحة في تلفزة الفرانكفونيين
يعتبر برنامج أمس الأربعاء 27 نوبر 2013م، خير شاهد على السقوط المدوي ليتامى “la conquete moral des indigenes 1913“، لكاتبه “Achille Delassus“.
ومدرسة الفصل العنصري التي عملت على تدمير المكونات المغربية عبر النظرية الانقسامية، عرب بربر، سيبة مخزن، سهل جبل، مدرسة بربرية وأخرى أهلية، ثالثة لأبناء الأعيان، وأخرى مهنية، طيلة المائة سنة الأخيرة.
ولما أعياها التدبير جاء في تلفزة الفرانكفونيين من يبشر بمدرسة جديدة تعتمد التدريس بـ”هَدْرَةُ السُّرَّاحِ”، لتسهيل استيعاب ودمج النشاط في التعلم واعتماد لغة الأم في ذلك، دون حرج من أن يصبح في الحي أو الدوار “سكاويل” تحول البلد إلى محميات، وتستحدث “كنتونات” تتطلب بعد كل سنتين أو ثلاث البحث عن قواسم مشتركة للتواصل بين المختلفين لتلك المدارس، ولن يكون المنقذ ببعيد.
ذلك أن صاحب المشروع قد فكر في كل شيء، فالقروض الصغيرة جاهزة للبذل والعطاء، وتيسير الإقراض بفائدة تجعل المقرض أسير قرضه، إلى أن يلقى حتفه من غير أن يفك أصل دينه.
لقد كان البرنامج فعلا معبرا عما يُراد للمغرب أن يكون؛ قدرة وعلم وجلال وفكر وأدب ورصانة، تجلت في المفكر العالم الدكتور عبد الله العروي، الذي يرى أن المعارف تراكم، وأن المغرب ليس وليد اليوم ليعامل معاملة القبائل الإفريقية، وهو ما أقر به غلاة الاستعماريين الذين كرسوا جهودا مضنية، لحل إشكالية الترابط القائم بين مكونات البلد المتمثلة في الإسلام ثقافة وحضارة وعلاقات اجتماعية دائرية لا يدرى أولها من آخرها، مما ينتج عنه توالي التجدد والانبعاث، مما أفشل كل مخططات الغزو المتنوعة.
و”مول ابلايك الإشهار”، أو بـ”الهدرة” التي يدعوا لتنزيلها، “البراح الموديرن”، “اللي ابغا ايدير لهدرة السراح اسكاول”، “اتقري البزاوز بها”، “علَّ وعسى اتكون منهم الكاينة”، “كِما ابغاوا اسيادوا النصارى هذي اميات عام”، فكا ن مما قدم به لغوه “كشكول هدرة”، وسفاسيف ولغو وحشو ومجافات واستنجاد بما لا ينجد، والتفاف حول كلام المحاور وتنبيه للمذيع على أنه ينزلق لأطروحة الخصم الذي ليس هو إلا الحق، مركزا على الهدر المدرسي الذي هو في الحقيقة أمر مبيت من إدارة يجب القيام بثورة للملك والشعب عليها، باعتبارها ما تزال لم تستقل عن النسق الذي وضع لها في سنة 1910 عندما تم إنشاؤها من طرف الغزاة زمنه.
هلا سألت عن تجارب المعمرين الغزاة للمغرب
أول السقوط الذي وقع للمتعوس خيب الرجا فيه، نسيانه أننا في عهد ديموقراطي ولو لم يعترف به، لأن هناك برلمان، ومجلس أعلى للتعليم، وحكومة منتخبة، وملك يسود ويحكم، ومؤسسات حزبية ومدنية مهتمة، فكيف يأتي شخص كل إنجازه أنه “براح موديرن”، ويجمع أنفارا يخططون برنامجا ثم يقوم برفعه كما قال إلى الملك -هكذا حافية-، ولو طبق مشروع “هدرته” لقال: “رفعناه لسيدنا”، كما تقول العامة، مما يدل على أن “هدرة السراح” لا تراعي ما يراعيه الأجواد ولا العقلاء، لذلك نعتوا بالسراح، وهم لا يعنون بذلك الرعاة، وإنما الذين لا خلاق لهم.
هذا ما يحرص على إبرازه الإشهار والإعلام الفرانكفوني الذي يصر على إدخال “هدرة السراح” ونشرها في المجتمع بدعوى الموضوعية و”تمغرابت”، وكأن الحياء والمروءة والعفة لامجال للمغاربة فيها، ولأنه استشهد بأعمال أجانب خدموا الدارجة، ولم يستمع لما استعرضه الأستاذ العروي، أقدم له النماذج التي سبقته وخسئت وفشلت في موضوع التدريس بالدارجة.
يقول “أشيل ديلاسيز”: “لا يمكن للشعوب المتحضرة أن تعيش دون عشائر بربرية لحاجتها لها، حقا إنه اعتراف مرعب.. لذلك تعليم جميع أطفال الأهالي ليس مطلوبا.. فعندما يصبح الأهلي مواطنا سيحتاج لنفس المعارف كالفرنسي، إنه الهدف المقصود وليس الهدف المصاب، لأن الهدف من تعليم “ليزاندجان” هو خلق خدام وأصدقاء لفرنسا وعمالا جديرين بكسب عيشهم، هذا البرنامج مكون من ثلاث حلقات مشتركة، كل واحدة مركزة في سنتين، يفضل فيها التلاميذ الذين يختارون فقط سنتين أو أربعة في الدراسة، يستطيعون فيها تطبيق ما يقال لهم. لذلك يُعلمون أولا لغتنا بكلمات مبسطة لتدخل الأهالي في علاقة سهلة مع المعمرين، وتنجز وتكمل معرفتهم بفرنسا والفرنسية، فالغزو المادي والمعنوي يجب أن يتزامنا” (ص:06-142 من الكتاب السالف الذكر)..
وجاء “ليوطي” بعده ليقول: “بواسطة المدرسة نهيء النخبة المتأهلة للمشاركة معنا، وهذه المدارس هي: “الكوليج” المطبوع بطابع الحياة القوية، مدرسة أبناء الأعيان، “الليسي” حيث يكون عدد المغاربة قليل جدا لمزاولة الصناعة الأوربية، ثم مدارس الفلاحة والحرف (ص:50، من تقرير ليوطي).
وبعده قال “أدينو”: “لا نعطي للمغاربة من العلم والمعارف إلا ما يكون لهم كافيا ليرضوا بمقامنا جانبهم أبدا” (ص:205، “محور السياستين”).
ويقول دِمنين: “إن برامج المدارس البربرية هي نفسها برامج المدارس البدوية، إلا فيما يخص المعلمين؛ فيجب ألا يستعملوا في حال من الأحوال اللغة العربية، ولو في أوائل الدراسة، كما يجب ألا يكون للتلاميذ أية علاقة بالطالب، أما في الحالة التي يمكن للمعلم فيها اتباع الطريقة المباشرة فينبغي له إن كان يعرف البربرية أن يستعملها لتفهيم التلاميذ.. يجب تفرقة البلاد ليسهل حكمها” (ص:32 من أطروحته حول البربر).
أما “بول مارتي” فيقول: “إن المدرسة البربرية الفرنسية هي مدرسة: فرنسية بتعليمها وحياتها، بربرية بتلاميذها وبيئتها، إذن فلا واسطة لفقيه أو ظاهرة إسلامية يجب منعها بصرامة تامة”.
الهدف كما جاء في الندوة
قال “البراح الموديرن”، بأن زاكورة تدير 450 مدرسة، يقضي التلميذ ثلاث سنوات ويمتحن كغيره، وإن لم يقل: أين يذهب التلميذ ولا ماذا سيفعل، وقال: لأن التعليم الأولي ولمسيد يرهق التلميذ بحفظ القرآن الكريم، في وقت يجب أن يلعب ويمرح ويغني، بمعنى مشاهدة الأفلام المكسيكية والاستماع إلى “هدرة السراح”، كي يتنمى قاموسه السوقي، ويزداد انسفال ذوقه، في الوقت الذي يكون فيه أبناء الذوات ينعمون بالتربية التي تؤهلهم للتحكم في بني مْسرح، وتسخيرهم وفق ما سبقت الإشارة له، ودون أن يخبر عن محتويات البرنامج التربوي لتلك المدارس، وتمويلاتها!!
ومن ذلك يفهم أن تدريج الإعلام والإشهار كان تمهيدا لتنزيل البرنامج الذى طير للديوان الملكي ومستشاري الملك لإرهاب الحكومة والبرلمان، ولإفهام الجميع أن هناك أوامر عليا للقيام بتنفيذ ما جاء في التقرير، تلاؤما مع الخطاب الجديد للملك حول التعليم، في حين أن ذلك المشروع رفضت الحماية مثله لتهديده الوحدة الوطنية واستحالة أجرأته، لأن المغاربة ليسوا كما يظن جهلة أو تنطلي عليهم الحيل؛ وهو ما عبر عنه “البراح” عندما تراجع وطلب من الأستاذ العروي الانضمام إليه لتنقيح برنامجه، مما يجعل المرء يصاب بالذهول من تعاسة النظرة الدونية للمغاربة -الذين يتشبثون بحضارتهم ومنظومة قيمهم، التي يعتبر الإسلام ناظم عقدها وأساس بنيانها- من طرف أغمار الفرانكفونية، الذين يتسيفون في كل مرة ليلبسوا عليهم بشكل أو بآخر.
والخلاصة أن مشروع “سكولة هدرة السراح” لا يقصد به إقصاء العربية من المجال التداولي، وإنما الهدف هو إقصاء الإسلام ورحابة مقوماته الحضارية لفائدة إخلاء الأرض من أصحابها وتحويلهم إلى يد عاملة، وتقويض النظام عن طريق القوة الناعمة بعدما فشلت القوة الإيديولوجية والعسكرية في القرن الماضي، باختصار تقويض مقدسات البلاد.
ولست أدري موقف المسؤولين النافذين الذين استضافهم “البراح الموديرن” في ندوته الدولية!!