العلامة أبو شعيب الدكالي: المذبذبون هم من تركوا لغتهم ودينهم
هوية بريس – ذ.حماد القباج
السبت 30 نونبر 2013م
يسرني أن أتحفكم بكلمة شيخ الإسلام أبي شعيب الدكالي -رحمه الله- التي ألقاها بحضور السلطان مولاي يوسف إبان أحد الاحتفالات المدرسية السنوية، الذي ترأسه لما كان وزيرا للعدل.
وقد تضمنت كلمته الحث على تعلم اللغات ومنها الفرنسية دون (تفرنس)، مع إعطاء الأولوية للغة العربية. وهذا نصها:
“الحمد لله الذي رفع العلم ووضع الجهل، وأنزل المنازل العالية ذوي النباهة والنبل، وأرسل رسله للخلق معلمين.
والصلاة والسلام على سائر أنبيائه، خصوصا سيد أصفيائه، وعلى آله وأصحابه وأوليائه..
أما بعد:
فحيا الله من حضر، ورعى من سمع فامتثل واعتبر، وأرشد من تعلم وعلم، وبعد ذلك ساس أو زرع أو احترف أو اتجر، فكان من عباد الله العاملين.
فقد حضرنا هذا الحفل العظيم، وسمعنا ما تلاه مدير المدرسة الحكيم، من القول الذي يفرح به كل قلب سليم، فبشرى لكم يا أولياء المتعلمين.
هذا، وإني لأحثكم أيها الفقهاء المتعلمون، والفضلاء المرشدون الأجلون، أن تربوا بصغار العلم قبل كباره، ليكثر المحصلون، فقد جاء ذلك في تفسير قوله تعالى: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران الآية 79].
وأرغب إليكم، يا أولياء النجباء، ويا رجال المستقبل الأدباء، أن تسلكوا في ذلك أحسن المذاهب، وتكونوا على التعلم عاكفين، فقد قيل: “من طلب الشيء قبل إبانه عوقب بحرمانه، ومن تصدر قبل أوانه، فقد تعرض لهوانه”، وليس السير سير المستعجلين.
وذاكروا في العلم آناء الليل وأطراف النهار، وتذاكره إذا قمتم في مضاجعكم، بعد الاستغفار في الأسحار، ولا تتركوه في الآصال والإبكار، ولا تعبثوا مع الصبيان العابثين.
إذا هجر العلم شخص هجره — وزال فـلـم يـبـق مـنـه أثــر
كـمـاء تـرقـرق فـوق الصفـا — إذا انقطع الماء جف الحجر
تعلموا اللغة العربية، لغة القرآن، لغة الإسلام، لغة الإيمان، لغة النبي إمام أهل العرفان، لغة سلفنا المرحومين.
حفظ اللغات علينا — فرض كفرض الصلاة
إذ ليس يحفظ دين — إلا بـحــفــظ اللــغــات
كان سلفكم يمدحون ويقدحون، ويرفعون ويضعون، ويشجعون الجبان، ويطلقون يد البخيل إلى البنان، فكونوا بهم من المقتدين.
فما قرأت في الأسفار، وما رأيت في الأسفار، لما خضت البحار، وجبت الأقطار أقبح من المذبذبين.
وأعني بهم من ترك لغته ودينه، ولا أخذ من العلم العصري رخيصه ولا ثمينه، ولا تزين بصنعة، ولا حرفة مهمة، بما يعد زينة، وقصاراه سوء العقيدة، أو بئس المذهب مذهب الدهريين.
أولئك قوم طلبوا الدنيا، فرجعوا بلا دين، فلا ما طلبوا وجدوا، ولا ما أخذوا ردوا، فكانوا عند أهل أوروبا من الساقطين، وعندنا من المارقين.
ثم تعلموا الغير من لغات أوروبا، لا سيما لغة فرنسا المعتبرة، لقرب قطرها من قطركم، واشتراك مصلحتها مع مصلحتكم، واتحاد دولتها بدولتكم.
فمن تعلمها، وحافظ على دينه، وعوائده القومية، فاز مع الفائزين.
فبها يستعين التاجر على تجارته، والصانع على ترقي صنعته، والزارع على زراعته، ولا تصدنكم أقوال المتقلدين المتشدقين، فقد تكلم النبي عليه السلام بالحبشية؛ فقال في أم خالد “سنه”، وتكلم مع أبي هريرة بالفارسية، وأمر زيد بن ثابت فتعلم اللغة العبرانية.
وقال مالك بن أنس لتلميذه عيسى بن منيا: يا قالون، حيث قرأ فكان من المجيدين.
وقد كان حبر الأمة، وترجمان القرآن عبد الله ابن عباس يجلس معه على كرسيه أبا جمرة ليترجم بينه وبين الناس.
وما رأى أحد من سلفنا في الكلام باللغات الأجنبية من باس، وبئس المذهب مذهب المتعصبين.
وإني بالنيابة عن المغاربة عموما، وعن الفضلاء خصوصا، وعن مولانا السلطان بالأخص؛ أثني على كل من قام بهذا الثناء وقدر قدر اللسان العربي قدره، وعلى سائر الموظفين الذين قاموا بوظيفة التعليم أحسن قيام، وكان من المرشدين” اهـ.
المصدر: ترجمة شيخنا العلامة المحدث أبي شعيب الدكالي (ص:76-77-78).