لاجئو سوريا بين الاهتمام والإهمال في الدول الإسلامية
هوية بريس – مركز التأصيل
الأربعاء 04 دجنبر 2013م
لم يكن أحد يتخيل أن تخلف الحرب التي يشنها طاغية الشام على شعبه في سوريا كل هذا العدد الضخم من الشهداء الذي تجاوز 150 ألف شهيد ناهيك عن الجرحى والمفقودين الذين يعدون بعشرات الآلاف، إضافة إلى النازحين عن بيوتهم داخل سوريا ويعدون بالملايين، أو اللاجئين خارج سوريا وقد تجاوز عددهم المليونين حسب إحصائية الأمم المتحدة.
ومع تسجيل التقدير والامتنان لكل من ساهم في مساعدة اللاجئين السوريين في كل مكان، ومع رفع بطاقة شكر لجميع الشعوب العربية والإسلامية التي تعاطفت بحق مع اللاجئين السوريين، بغض النظر عن موقف حكوماتهم المؤيدة أو المعارضة للثورة السورية، إلا أن قضية اللاجئين السوريين لم تخلو من بعض المفارقات والمقارنات، بين اهتمام بشؤونهم ومعاملتهم المعاملة اللائقة والمتميزة في مكان ما نظرا لدعم الحكومة ومساندتها لهذه القضية، وبين التضييق عليهم أو الإساءة لهم في مكان آخر، لنظرا لحياد الدولة أو عدم تبنيها دعم اللاجئين السوريين بشكل واضح وصريح.
ولا بد قبل أن نعرض لصورتي الاهتمام والإهمال أن نؤكد على عدم التعميم، فلا يعني ظهور إساءة لللاجئين السورين في مكان ما عدم وجود الإحسان والاهتمام في تلك الدولة أو ذلك المكان، كما لا يعني بروز صورة الاهتمام في مكان آخر عدم وجود أي تقصير أو إهمال هناك، وإنما المقصود تشجيع المحسن ومعاتبة المقصر والمهمل.
أما صورة الاهتمام بلاجئي سوريا فقد ظهرت في تركيا، حيث ناشد محافظ إسطنبول “حسين عوني موتلو” في تغريدة له على تويتر المواطنين الأتراك بالإرشاد عن اللاجئين السوريين المشردين بلا مأوى، بغية المساعدة في إيوائهم، حيث تسعى المحافظة لإيواء اللاجئين السوريين، الذين باتوا بلا مأوى، في ظروف البرد القارس.
وأكد موتلو أن بعض العائلات لم ترغب في البقاء في المخيمات، التي أعدتها جمعية الهلال الأحمر التركي، مبينا أنه تم مؤخرا إقناع 7 عائلات للمكوث في مخيم “بنديك” التابع للهلال الأحمر.
وبحسب وكالة الأناضول، أهاب موتلو بالمواطنين الأتراك التواصل مع الجهات المختصة لحماية اللاجئين السوريين المشردين، والتبليغ عبر هاتف مديرية أمن إسطنبول “155”، أو مديرية إسطنبول للكوارث والطوارئ على هاتف رقم “02124555667”، أو عبر حسابه الشخصي على تويتر.
وكان نائب رئيس الوزراء التركي بشير أطالاي قد ترأس اجتماعًا تنسيقيًّا بشأن النشاطات المتعلقة باللاجئين السوريين المقيمين في تركيا، بحضور ممثلي المؤسسات المعنية.
وجرى الاجتماع في مقر رئاسة الوزراء بالعاصمة التركية أنقرة، بمشاركة نائب المستشار في رئاسة الوزراء إبراهيم كالين، ورئيس إدارة الكوارث والطوارئ فؤاد أوكتاي، ومنسق شؤون اللاجئين السوريين الوالي “ويسل دالماز”.
كما حضر اللقاء ممثلو وزارات الخارجية، والداخلية، والتربية، والصحة، فضلًا عن رئاسة الأركان وغيرها من المؤسسات المعنية، مما يؤكد على دور اهتمام الحكومة الفاعل والمؤثر في تحسين ظروف حياة اللاجئين، خاصة إذا كان مدعوما بتعاطف شعبي، وهو الأمر الحاصل في تركيا.
أما صورة الإهمال والإساءة، فقد تمثلت فيما نقل أمس عن مراسل وكالة فرانس برس وشهود عيان من أن أفراد عائلة في شرق لبنان قاموا بإحراق خيم لاجئين سوريين في بلدتهم وأرغموهم على مغادرتها بعد تفكيك ما تبقى من المخيم، بعد أن تم تلفيق تهمة لهم لتكون ذريعة لطردهم.
وقد جاء ذلك على خلفية ادعاء عائلة (آل الديراني) بتعرض أحد أفرادها (شاب معاق يبلغ من العمر 29 عامًا) لاعتداء قام به سوريون، إلا أن طبيبا شرعيا كشف على الشاب أكد أنه لا أثر لتعرضه لأي عنف.
وقد قال مراسل وكالة فرانس برس وشهود عيان: إن خيم اللاجئين في بلدة (قصرنبا) والبالغ عددها أكثر من مئة خيمة تأوي حوالى 400 لاجئ على الأقل، أزيلت بشكل كامل أول أمس الاثنين من قطعة الأرض حيث كانت منصوبة.
ولكشف حقيقة الاتهام وما جرى قال أحمد عبد المحمود (33 عاما) أحد سكان المخيم: إن آل الديراني أحرقوا الخيم، ولم يسمحوا لآليات الإطفاء بالوصول لإخماد الحرائق”. وأضاف: “مساء أول أمس تعدوا علينا وضربونا، وسرقوا لنا حاجياتنا وأغراضنا”، مشيرا إلى “أنهم اتهمونا بالتعدي على الشاب، علما بأن الجيش اللبناني داهم الخيم وأوقف نحو 30 شخصا، قبل أن يفرج عنهم جميعا لعدم ثبوت تورطهم”.
وقد صرح طبيب شرعي بعدم وجود أي إثبات على تعرض الشاب لاعتداء، وقال الطبيب أحمد وليد سليمان ردا على سؤال لوكالة فرانس برس: إنه وضع تقريرا يؤكد أن “لا إثباتا طبيا يبين تعرض الشاب لأي اعتداء”، وأنه “لم يتبين لدينا وجود أي عنف أو دماء أو آثار أو كدمات حول المخارج”.
كما قال أحد سكان البلدة لوكالة فرانس برس: إن الاعتداء على الشاب “ملفق”، كاشفًا أن أسباب القضية “تعود الى رغبة أصحاب الأرض التي أقيم عليها المخيم، وهم من آل الديراني، باستعادتها، ولم يجدوا طريقة أخرى لطرد اللاجئين السوريين”.
وتأكيدا على ما سبق فإن هذه الحادثة لا تمثل إلا أصحابها المسيئين، وهي لا تعكس أبدا صورة الشعب اللبناني المسلم الذي استقبل إخوانه من لاجئي سوريا بكل حفاوة وتكريم -وخاصة في الشمال والبقاع وعرسال وغيرها- رغم الضائقة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها، ورغم المضايقة من حزب الله الذي يقاتل إلى جانب النظام، ورغم عدم دعم ومساعدة الحكومة اللبنانية لهم، ورغم عدد اللاجئين السوريين الكبير في لبنان والذي وصل إلى 830 ألف لاجئ حسب إحصائية الأمم المتحدة، بينما العدد الحقيقي يتجاوز ذلك بكثير.
وفي النهاية لا يسعنا إلى أن نردد قول أبي الدرداء -رضي الله عنه-: (البِرُّ لا يَبْلَى، والإثْمُ لا يُنسَى، والدَّيَّانُ لا يَنام، فكُنْ كَما شِئْت، كَما تَدينُ تُدان) أخرجه أحمد بن حنبل في «الزهد» برقم (773).