ظاهرة الانحراف الأخلاقي..
ذ. نبيل غزال
هوية بريس – الخميس 05 دجنبر 2013م
بات الانحراف الأخلاقي سمة بارزة في المجتمع، ولم يعد هناك مجال للاختلاف حول هذا الموضوع لأنه واقع وأمر مشاهد محسوس.
فارتفاع نسب الجريمة، وحالات والزنا والاغتصاب والاختطاف والتحرش وزنا المحارم، والإدمان على تعاطي المخدرات والخمور.. وكذا جرائم الرشوة والتزوير والسرقة والسطو والقتل.. إضافة إلى مظاهر العري والخلاعة التي عمت جل المدن.. كلها مؤشرات قوية تؤكد لنا تآكل منظومة القيم والأخلاق داخل المجتمع.
فنتيجة التمكين للقيم العلمانية؛ وتحكم المنتمين إليها في العديد من المؤسسات المؤثرة في المجتمع، وتقاطع مصالحهم مع مصالح الفاسدين من رجالات الاقتصاد، وجنوح الإعلام الوطني إلى تبني قيم وافدة، والتسويق لقيم الحرية بالمفهوم اللاديني، مقابل ضعف كبير في المنظومة التربوية والدينية، وتفكك واضح للأسرة، وازدواجية خطاب مؤسسات الدولة حول موضوع القيم؛ فنتيجة ذلك كله أصبح الانحراف الأخلاقي موضوع الساعة وحديث الشارع، لأن معظم الأسر المغربية اكتوت بناره، وذاقت معاناة كبيرة جراء هذا الإفراز الخطير من إفرازات منظومة القيم اللائكية الوافدة من الخارج.
لقد كانت الأسرة تمثل خط الدفاع الأول في هذا الموضوع الحساس؛ لكن تخليها عن وظيفتها السامية أدى إلى الانحراف المباشر للأبناء، فرغم أن الأسرة لم تعد الوحيدة؛ أو لنقل العنصر الأبرز في تربية الأبناء وتحديد توجهاتهم وميولاتهم؛ إلا أنها تخلت عن العديد من وظائفها، وانحصر دور الأبوين -في الغالب الأعم- في توفير الغذاء والكساء، وأداء واجب التمدرس والسفر في بعض الأحيان، أما التربية فغاب دورهم فيها بشكل كبير، وفسح المجال واسعا بعدهم للإعلام، ليبث ما يشاء ويربي ويؤطر ويوجه كيف يشاء.
فصارت قنوات الرسوم المتحركة هي من يحدد سلوك الأطفال ويوجههم، ولا يخفى ما يمرر عن طريقها للأطفال من عقائد باطلة وسلوكات منحرفة، وما تولده في نفوسهم من تبني العنف والقتل وأعمال الإجرام، هذا في بداية عمرهم.
أما في مراحل متقدمة من حياتهم فيتسلم مشعل تربيتهم قنوات أكثر إثارة وجاذبية، ومواقع إلكترونية، وأخرى للتواصل الاجتماعي والدردشة يتواصل عن طريقها الأبناء ويتبادلون معلوماتهم ومعارفهم بعجرها وبجرها.
ولا يخفى أن هاته المواقع والقنوات فيها خير وشر، ويمكن الاستفادة منها كثيرا إن أحسنا استغلالها؛ إلا أن الإحصائيات أثبتت أن الشباب المغربي يقبل بكثرة على المواقع الجنسية أكثر من أي شيء آخر، وقد أكدت دراسة قامت بها شركة “زيويت” أن المغرب يحتل المراتب الأولى في قائمة الدول العربية الأكثر إقبالا على المواقع الإباحية والبورنوغرافية!!
هذا فيما يخص -باختصار كبير- جانب الإعلام؛ أما التعليم فيعرف هذا القطاع اختلالات كبيرة انعكست سلبا على تكوين وتوجيه الأبناء، ومازالت معظم رياض ومؤسسات التعليم الخاص تعتمد مقررات تعليم أجنبية، معبأة بحمولاتها الثقافية والفكرية الأخلاقية والعقدية.
أما المدارس والمؤسسات فأصبحت مرتعا لعرض الأجساد العارية وانتشرت فيها العديد من السلوكات المخلة بالأخلاق والقيم؛ وأصبحنا نسمع في المغرب بـظاهرة حمل التلميذات، وظاهرة إعمال مشرط الإجهاض في أجسادهن الصغيرة، أما الوضع في الجامعات وداخل الأحياء الجامعية فقد وصل مرحلة متقدمة من الانحراف بلغت تخصص بعض (الطالبات) في مجال الدعارة والقوادة.
ونحن إذ نتابع واقع التعليم في بلدنا نجد أن جانب التربية والأخلاق والاعتناء بالقيم الإسلامية ونقلها إلى الجيل الصاعد مغيب بشكل مقصود وغير مفهوم، حيث أصبحت المنظومة التعليمية تركز على الجانب المهني، وتخريج أطر وموظفين وعاملين.. لا على تربية المجتمع وهدايته وتأطيره.
وأمام هذا الانحراف الخطير نجد أن الدولة لازالت تمارس ازدواجية الخطاب، ففي الوقت الذي تبث فيه قنوات القطب العمومي قيما دخيلة وتطبعها في المجتمع، وتمرر في مقررات التعليم عقائد لادينية وأفكارا وفلسفات علمانية مادية، نجد أن مؤسسات أخرى كوزارة الأوقاف والمجالس العلمية بفروعها تدعو إلى قيم أخرى مخالفة، ما يحدث اضطرابا في المجتمع وتناقضا في بنية الدولة التي لم تحدد بعد القيم التي ستتبناها وتدافع عنها.
إن فساد الأخلاق يهدد المجتمع برمته، وحين تبلغ درجة الفساد تهديد قيم المجتمع الواحد يصير الخطر أعظم والمجتمع برمته على شفا جرف هار، وإذا بلغ الوضع هذه الدرجة تعين على كل واحد منا أفرادا ومؤسسات أن يتحمل مسؤوليته ويقوم بواجبه تجاه دينه ووطنه وأهله وعشيرته.