معاناة الأساتذة لا حصر لها!!!
ذ. يونس الناصري
هوية بريس – الإثنين 09 دجنبر 2013م
في عصر العلم والمعرفة الذي تفوقت فيه الأمم في كل مجال، وخصصت قسطا وافرا من ميزانياتها للبحث العلمية الأكاديمي بشتى فروعه، واهتمت بتكوين الأطر بعد تعليمهم تعليما جيدا يمتلك كل مواصفات الإتقان والجودة والجد والحزم، وأكرمتهم أيما إكرام، ودعمتهم في دراساتهم وبحوثهم ووقفت بجانبهم ماديا ونفسيا واجتماعيا، ورسخت في نفوس الشعب أهمية العلم والمعلمين والعلماء، وحببتهم فيهم، حتى أضحى المدرس رمز العزة والشهامة والثقافة والتقدم.
في هذا العصر، مازال المدرس المغربي يحسب لدريهماته مليار حساب، يخنقه الكراء، وفاتورة الماء والكهرباء، يضرب أخماسا في أسداس، حاملا هم لباس أبنائه وقوت يومه، يتمنى ويمني نفسه وأسرته بمستقبل زاهر، ويرسم في مخيلته شكل منزله المتوهم بأثاثه الفاخر، وفنائه الواسع، ومكتبته العامرة، وعيناه دائمتا التمتع بأصناف السيارات الفارهة، لعله يحصل على أدناها يوما من الدهر، يوم يُلتفت إليه من لدن مغربه!!
وأحلامه وافرة كثيرة، ويده قصيرة، ومتطلبات حياته لا تُعد، فيكفيه نومه العميق ليحقق ما تشتهي نفسه وما تلذ عينه، ثم تتلوه استفاقة على حقيقته المريرة، متجها إلى خلاء مقفر، وسبسب قاهر، ليلاقي أحبابه وفلذات أكباده الذين ينسونه قساوة عيشه وصعوبة حياته، يعلمهم ما تيسر من علوم، ويكفيهم شر الجهل والهموم.
إن معاناة المدرسين في مغربنا تتجاوز حدود الوصف، وتبكي الغيور على الوطن والكرامة، وتسقم قلوب الحريصين على التقدم والازدهار، فهذا صديق لي يدرس كافة أقسام الابتدائي في حجرة واحدة، ويقطع لذلك عشرات الكيلومترات، بدراجة نارية فحافلة ثم عربة نقل بعد صلاة الفجر، ولن أدخل في تفاصيل شدة البرد والثلج والأمطار الغزيرة في موسمها والحر وهلم سحبا وجرا.
بعد كل ذلك -والأمثلة عديدة- يطل قزم من هنا أو هناك يتهم الشغيلة التعليمية بالتقصير والتهاون، وبأنهم الذين أفسدوا التعليم، وأسهموا في الأمية الفاشية في مجتمعنا، ومن هؤلاء أصحاب القرار، ذوو الملايين الشهرية، والفيلات المطرزة الموشية، والسيارات الألمانية.
يقبعون في مكاتب مكيفة حسب فصول السنة، لا يمس جلدهم ترابا، ولم يعرفوا شيئا اسمه: المعاناة، ثم يزعمون -وهم يعلمون أنهم كاذبون مفترون- أن التعليم لن يصلح إلا بزيادة التضييق على المعلم، الذي يعتبرونه مصدر الفساد، ويتناسون فساد المنظومة المتهالكة، وفساد النظريات الفاشلة التي أكل عليها الدهر وشرب قبل أن تصدر إلينا من فرنسا أو غيرها، وفساد واضعي المقررات من الذين يملى عليهم ما يقررون ويسطرون، كما يتناسون خطورة إهمال أس العميلة التعليمية التعلمية ألا وهو الأستاذ، الذي قال فيه العاقلون:
قف للمعلم وفه التبجيلا — كاد المعلم أن يكون رسولا
إن سوءات الوزارة الوصية في ازدياد، فالناس -أعني أصحاب العقول النيرة من الغربيين الشرفاء الحريصين على تعليمهم ورجاله- يسارعون إلى الأمام، دفعا بالتعليم ليزداد قوة على قوة، ورفعا لشأن المدرس لتزداد مكانته وتعلو قيمته، ونحن نرجع القهقرى، لنجهز على آخر ما نظن أنه تبقى للمعلم، وهو : كرامته.
وقد ظهر ذلك في قضية حملة الماستر والإجازة، المطالبين بتسوية ملفهم، ورفع الحيف عنهم، والذل المتمثل في القرار المشؤوم الرابط بين الشهادة والامتحان، لموظفين أكفاء، أثبتوا جدارتهم واستحقاقهم لمهنتهم، في امتحانات كتابية وشفهية، كما اجتازوا امتحاناتهم المهنية (شهادة الكفاءة)، ورسموا في الوظيفة العمومية، بوصفهم أساتذة ابتدائي و إعدادي و ثانوي.
فالوزارة تحت وصاية الحكومة الجديدة التي أحسنا بها الظن في بداية الأمر قبل أن نكتشف فشلها وضيق أفق رؤيتها، تتناقض في قوانينها لما قبلت -إلى حد الساعة- بتكليف أساتذة ابتدائي وإعدادي للتدريس في الثانوي التأهيلي -ولاعيب في ذلك- ثم لما طالب هؤلاء أنفسهم وغيرهم ممن هم في نفس السياق بترقيتهم وتغيير إطارهم للمستوى الثانوي التأهيلي وفق قانون الترقية بالشهادة الذي التفت عليه الحكومة وأسقطته ظلما وعدوانا، قيل لهم: لا بد من مباراة لمعرفة جدارتكم وكفاءتكم!!! كأننا خرفان لا تفقه سياسة ولا حكما. آلآن وقد كنتم تثقلون كاهلهم بتكاليف شاقة لا تراعي بعدا ولا كفاءة!!؟؟
وبدل أن تضع قوانين تقدمية راقية ترفع فيها شأن المدرس ماديا ومعنويا، رجعت عن حقه في الترقية بالشهادة، التي أكلت من دراهمه الشيء الكثير، ذهابا إلى المدينة ورجوعا منها لمتابعة الدراسة، وما رافق ذلك من إهمال لحقوق الأسرة، وجمع للدراسة والتدريس دون تفريط يشهد الله، فلو أطلقنا العنان للقلم يسرد ما لقيناه في سبيل العلم والشهادة لنفثت صدورنا آهات وآهات.
ولما حصلنا على الشواهد وزدنا رصيدنا العلمي الثقافي بما يسر الله، كل حسب تخصصه، ورغبنا في زيادة شرعية قانونية لا فضل فيها لأحد علينا، صُدمنا بقانون المباراة، الذي سيحرم نسبة كبيرة من الاستفادة من حقها الشرعي بلا مبرر، إلا التحكم في رقاب أسرة التعليم، ومنعهم من التفكير في تعميق التعلم، كي يبقى الوضع التعليمي كما هو أو يزداد سقوطا وتدهورا.
لنفهم ويفهم من يضحك منا من بعيد، أن وزارة التربية الوطنية لا هم لها في إصلاح ولا تربية، ما دامت لم توقر شيبة المدرس، ولم تكرم معلم الأجيال، ولا زالت تتجاهل مطالب الأساتذة المضربين عن العمل، طامعة في اقتطاع قسط من أجورهم الهزيلة، فهي تتمنى دوام الإضراب لتزداد غنى على حساب المعلمين، ولا يهمها آلاف التلاميذ الضائعين وسط صراع لا ذنب لهم فيه بين وزارة سلطوية وأساتذة مظلومين.
إن الله ليشهد أن قلوبنا لا ترضى بالتغيب عن العمل وترك أبنائنا تحت الجدران، والله أعلم بما يصنعون في غيابنا، ولا نرضى بأن نغدو نزلاء مدينة الرباط، مخلفين وراءنا أهالينا وأبناءنا وأبناء الوطن، منفقين لذلك من أموالنا -ونحن في أمس الحاجة إليها- واقفين صامدين أمام الوزارة ومواقع أخرى تحت أشعة الشمس، لنصرخ وتتمزق حناجرنا: أنصفونا أنصفونا، لنعود أدراجنا لأعمالنا وأسرنا.
وفي هذا السياق السلمي الحضاري، تتوج الوزارة في تواطؤ مع الأمن بإكليل خزي آخر، حين تدخلت قوات الأمن بعنف خطير مرتين بهراواتها الصلبة، تشق الرؤوس وتكسر العظام وتعتقل الأشراف أمام العالم كله، ولا أحد يحرك ساكنا أو يسكن متحركا.
وجمعيات حقوق المرأة لم تنبس ببنت شفة، وهي ترى الأستاذة تضرب في مواضع حساسة وتعتقل، وتنتهك كرامتها، فأين مغرب الحريات والديموقراطية؟؟؟!!