محاربة السيدا و«داويها بالتي هي الداء»
ذ. أحمد اللويزة
هوية بريس – الثلاثاء 10 دجنبر 2013م
كلما حل اليوم العالمي للسيدا إلا وحل معه الغم والهم، بما يبث من إحصائيات تتضاعف سنة عن سنة رغم جهود الهيئات المحلية والدولية، والتي لا تحقق تقدما إلا في الكشف عن جحافل المصابين الذين ينضافون إلى طابور المصابين بالداء الخبيث، والذين يعدون مكسبا للجمعيات يفخرون به لأنهم استطاعوا أن يأمنوا لهم العناية والمعالجة المحدودة، ودفع الناس إلى القبول بهم كشركاء في المجتمع، هذا الذي لا يعد عيبا بالقدر الذي يعد عيبا ما يقصدونه من وراء ذلك، وهو تهوين الداء في نفوس الذين يشكل لهم الخوف منه رادعا من الوقوع في الفاحشة.
الأرقام في تزايد والجهود تذهب هباء منثورا، والمرضى يتألمون في صمت والحل بعيد كل البعد عن واقع المبادرات التي انفردت بالأمر فلم تستطع لحد الآن تحقيق نتائج تزيل الغمة وتفتح طريقا في الأفق المظلم، اللهم ما يقال أن اعداد المصابين ترتفع بوتيرة أقل من سنوات مضت حسب احصائيات 2010، وما أعظم الطامة حين يفرح الانسان بما به يترح. فالأرقام لن تتوقف والجهود مستمرة مع فشل مستمر في إيقاف هذا المارد والحد من انتشاره. لاسيما إذا تأملنا في السبل والوسائلة المعتمدة في التحسيس والتوعية بمخاطر الداء وطرق الوقاية التي تغفل الأهم من كل تدعو له من زاوية نظر علمانية حداثية تعاكس الحقيقة وتروج للخنا والاباحية عبر برامج إعلامها المختلف وبرامجها الثقافية والسياحية والاقتصادية المبنية على الميوعة وتحقيق الربح على حساب الأخلاق.
ومما يصيب بالقرف والأسى حين تروم هذا الهيئات التي تولت محاربة السيدا -لكن يبدو أن السيدا هي التي تحاربها وتنتصر عليهم في كل محطة من محطات العام التي لا تحمل معها ما يبشر بخير- التوعية بوسائل هي بحد ذاتها سببا في نشر الداء على أوسع نطاق؛ مثل استضافة بعض فناني الاباحية والعهر لتنشيط برامج خاصة لفائدة المصابين! أو تقديم حلول أثبتت فشلها كالدعوة إلى الاستعمال العازل الطبي والجنس الآمن كما يزعمون، ومتى كان ارتكاب الحرام يحقق أمنا لصاحبه، فقد أبى الله إلا أن يذل من عصاه، وتقديم النصح للبغايا لأخذ الحيطة والحذر؛ وهذا هو منطق “وداويها بالتي هي الداء“، ويغيب الشرع نكاية في فيه وفي أهله رغم قدرته على معاجة كل المشاكل مهما بلغت في التعقيد والخطورة.
أن يتم ترويج مثل هذه الأفكار العاجزة في بلدان لا يحكمها دين ولا تقيم له وزنا له ما يبرره، أما أن يتبع نفس النهج في بلاد المسلمين والمغرب واحد منها فهذا لا يقبله عقل معافى ولا يستسيغه ذوق سليم، فالبغايا معلومة أماكن وجودهن ينشرن الداء، والعوزال نالت حظها من سياسة القرب، وهاهي توزع على الشباب أمام أبواب المدارس والجامعات وورشات العمل والمهرجانات و غيرها دون وجل ولا خجل، إلى درجة تقديم وصلة قبيحة على شاشة التلفاز لتقتحم الوقاحة البيوت الآمنة التي تنتظر من إعلامها حلولا جدية تقي أبناءهم وبناتهم من هذا الوباء الفتاك لكنه لا يجد إلا وسائل التهيج والاثارة، وجمعيات تستنغني على حساب معاناة المرضى، ولا يخفى الصراع الدائر بين جمعيتين لمحاربة السيدا حول الدعم المتحصل من سيداكسيون؛ البرنامج الاحتفالي المنظم كل سنة بمناسبة اليوم العالمي للسيدا والذي يتبنى النظرة العلمانية المحضة ويغيب الرؤية الشرعية في المعالجة والوقاية.
هناك صحوة عالمية عمت بعض الربوع بتعدد دياناتها ومعتقداتها والتي ترى في التزام العفة منهجا ليس له بديل للوقاية من الداء الخبيث الذي يقتل ضحاياه في صمت، لقد أثبت الخيار الاسلامي الذي يحمل شعار العفة نتائج إيجابية وذات قيمة في مجال محاربة الايدز، لكن الغرابة أن يتم اعتماد هذا السبيل من طرف دول لا ينص دستورها على إسلاميتها، بل من طرف دركي الديمقراطية وراعي الحداثة، الولايات المتحدة الأمريكية والتي توسعت في اعتماد العفة علاجا لكثير من مظاهر الفاحشة كحمل الفتيات والأمهات العازبات والاغتصاب وغيرها من الموبقات، وسنت لذلك قوانين وأعدت برامج وانخرطت في توعية شاملة لقيت قبولا وتجاوبا من المجتمع لاسيما فئة الشباب منه.
أفلا يكون حريا بنا وعندنا وزارة الأوقاف، والرابطة المحمدية، والمجلس العلمي الأعلى، والمجالس العلمية المحلية، وعندنا الخطباء والوعاظ والمرشدون، أن نتبنى هذا الخيار الذي لا يعد وافدا بقدر ما يعد من صميم الدين الذي ارتضيناه منهجا للحياة، فعوض الحديث المتكرر على ضرورة ما سموه بالجنس الآمن وحث الشباب على استعمال العوازل ندعوهم لالتزام العفة قبل الزواج وبعده لا خوفا من الاصابة فحسب، ولكن امتثالا لأمر الله ورسوله أولا، ثم الوقاية ثانيا، وإلا فإنه مهما فعل المرء دون التزام العفة لن يسلم من الداء ورب العزة يقول: “ولا تقربو الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا” ومن ساءت سبيله فلا يرجى خيره، ولا يسلم سالكه من شره، وهذا ما يزكيه قول النبي صلى الله عليه وسلم “ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنو بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم“، فالفاحشة معلن بها والطاعون يفعل فعلته والأوجاع لا زالت تتناسل.
نعلم أن هذا الخطاب الشرعي لايروق لطابور الحداثة الذي يصطاد في الماء العكر ولكنها الحقيقة، فهم يتفرجون على المجنون يوقد النار في الهشيم فعوضا من حبسه عن فعلته يذهبون لإطفاء النار في انتظار أن يشعلها مرة أخرى وهكذا دواليك. إنهم يعيبون على من يحاول أن يفهم الأشياء وفق منظور شرعي وقدر كوني ويعتبرونه ميتافيزيقيا يعارض العلم، فماذا فعل علمهم لاحتواء الفيروس عجزوا والله وهوالذي لم ينضبط لهم في شكل فيروسي محدد وكانه عفريت من العفاريت ولكن لا يعلم جنود ربك إلا هو.
يقولون إذا كان ما قيل صحيح ما ذنب أطفال ونساء ورجال أصيبوا دون أن يعيشوا علاقات جنسية محرمة نقول ما قال جل في علاه: “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة“، فمن كان يؤمن بكتاب الله فلا قدرة له على رد قضاء الله، ولن يكون لهؤلاء بد من الرجوع إلى الأصل والرجوع إليه أصل، ألا وهو العفة وليس غيرها بديلا، ولكن نخشى أن يتأخر رجوعهم بعد أن يتسع الخرق وما نراه إلا في اتساع. وإن منعهم كبرياؤهم وغرورهم من الخضوع للشرع الله فليجعلوا من الدول التي حققت نتائج جد إيجابية كأمريكا وأوغندا والسنغال وزامبيا وغانا وغيرها ممن تبنى خيار العفة والوفاء لشريك الحياة مثالا يحتذى رحمة بالبلاد والعباد إن كانوا صادقين، فما ربنا بظلام للعبيد وما أصابتنا من مصيبة فبما كسبت أيدينا ويعفو الله عن كثير من زلتنا لأنه الرحمان الرحيم.