حرام عليكم.. يا أساتذة التاريخ..
أحمد عتيق
هوية بريس – الإثنين 05 غشت 2013م
يقول المثل المغربي الدارج “تْبْعْ الكذاب حتالباب الدار” وللقراء الفصحاء البلغاء، أصحاب الحس المرهف المهفهف نحو الكلمة العربية، يشير المثل الى اقتفاء أثر الكاذب والسير على خطاه الى النهاية، أي حتى انكشافه وفضحه…، وهي حقيقة/نظرية واقعية ينتهجها المكذوب عليه، إذا أراد ان يتيح لممارس الكذب، فرصة حتى ينهي تجربته اللاواقعية.. وهي فعالة كذلك لمن يشمئز من المراء والجدال.. ولا يحب ان يجرح نفسية الكاذب البارع أو المغفل.
هذا المثل المغربي أو النظرية، أراد إخواننا من سكان نهر النيل، فصيل “أنصار شرعية مرسي في الحكم” أن ينزلوه على أرض الواقع، حين سولت لهم أنفسهم تسيير تظاهرة على الإقدام في اتجاه دار الإنتاج الإعلامي المصري، ظنا منهم أن المثل/النظرية، يمكن الإفادة منه في وجه الإعلاميين النجباء، أصحاب الرأي والرأي الآخر..، أهل المعرفة والفكر.. القاطنين في أبراج عاجية باسقة.. وقد كانت رغبة المتظاهرين تكمن في محاولة تجييش الرأي العام، بغية إيصال ما أسموه مظلوميتهم المخزية، المتمثلة في التجاهل المطبق، وعدم الاكتراث المتواصل من وسائل الاعلام المصرية؛ الرسمية منها والخاصة، لحراكهم الشعبي واعتصامهم المفتوح في ميداني رابعة العدوية والنهضة.
غير أن القضية المنطقية الثانية من المثل/النظرية لم تكتمل مخرجاتها، حيث لم يستطع المتظاهرون طرق باب الكاذب وإيجاده حتى يحققوا المثل، بل وجدوا في انتظارهم حُماته وكُماته، ألفوهم يطوقون منزله، ويتربصون بكل من يقترب من عرين الكاذب/الإعلامي، وجدوهم يصطفون في أدرع وزواقيل (أحذية حرب) وقنطاريات (رماح) ورشاشات مياه وطلقات نارية ورصاص حي.. يعني أنه يُذهب حياة الآخرين ويزهقها.. للتوضيح فقط.
يبدوا أن كثرة الأحداث والوقائع التي تضطرم في “الربيع العربي” ومحاولة اقتفاء أثر الكذاب، قد أنستنا ذكر سبب ذهاب أنصار مرسي نحو مدينة الإنتاج الإعلامي.. وهذا السبب -في نظري على الأقل- معرفته وإدراكه سيضاف إلى باقي الفوائد، التي سيجنيها المتتبع للحالة العربية في هذه الأيام.. فلم تعد الأحداث محلية الطابع، بل غدت مثل الدومينو.. تنشأ في مصر وتستنسخ في تونس وليبيا و.. وتجد لها صدى حتى في المغرب الاستثناء.. نفس الشعارات وذات المطالب.. تتلخص في ضرورة الاحتكام إلى شرعية الشارع.. مما جعل “لعبة الديمقراطيةّ” أقرب إلى اللعبة منها إلى نظام حكم، وأظهرت وظيفيتها الظرفية، لدى أصحاب الكلمات “الغليظة” والمصطلحات المنتهية بـ”لوجيا”..
وعلى ذكر اللوجيا هاته، نهتبل هذه الفرصة المواتية، لأصب جام غصبي، وأفرغ شحناتي العاطفية والوجدانية المملوءة بالغبن و”الحكرة” والإحساس بالضعف العلمي.. كما أنتهزها لأوجه نقدي اللاذع والصارخ، إلى واضعي مقرراتنا الدراسية المغربية، خصوصا منها، مقرر التاريخ. لقد أُشبعنا قولا وتلقينا، أن التاريخ الذي ندرسه في الحجرات الدراسة، مجرد تدوين لطرف دون آخر، وأنه تاريخ مزور.. وأنه تاريخ فلكلوري.. وأنه.. وأنه..
وكان من تزويره للحقائق الناصعة، أن قام أساتذته (اللهم اغفر لهم على كل حال) بحشو عقولنا وأدمغتنا بمعلومات أقرب إلى الخرافة والأسطوغرافية منها إلى مسمى العلم والحقيقة، حيث شرحوا لنا -ونحن تلاميذ وطلبة- أن ظروف وأسباب سقوط دولة الاندلس، ترجع إلى تفرقهم على طريقة شذر مذر، وعلى محاكاة منهج أيادي سبأ، وعلى تلهفهم للجواري والقيان، والتطاول في العمران والبنيان، وتناسي دور العلم والوحدة والانسجام.. حتى بلغ بهم الامر، أن يقدموا آيات الولاء والطاعة لملوك النصاري والأعداء.. كرها وبغضا في بعضهم البعض.. كانت هذه جملة من تلكم الأسباب، التي أضاعت الفردوس المفقود، في نظر المقررات الدراسة والأساتذة..
وفي الحقيقة، أن هذه الأسباب هي أسباب ثانوية، لا أثر لها في السقوط ألبته، ولا قيمة علمية أو تاريخية لها، من حيث البحث والنظر والملاحظة والتجربة والتنقيب العميق السحيق.. والسبب يعود حسب آخر ما توصلت له الآلة العلمية الإعلامية التحررية الديمقراطية.. وأكدته الوقائع والدراسات والأبحاث.. العقلانية والمنطقية والتاريخية التي لا غبار عليها.. وتناقلته وسائط الإعلام والإخبار المصرية والدولية.. وأفاده مذيع إعلامي عبقري.. والعهدة عليه.. -ليس لما سبق ذكره- إلى تدخل “الإخوان المسلمين” في اللعبة السياسية بين ملوك الطوائف.. واستئثارهم بالغنيمة والسلطة..، هكذا وبكل صفاقة وجرأة.. جرأة لا يملك أمامها المقتفي لأثر الكاذب، إلا أن يقول: إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
أنا أعترف أن على المغاربة أن يعيدوا ليس -فقط مقررات التاريخ والآثار- بل وصياغة مثل جديد للتعامل مع مثل هؤلاء العباقرة الجهابذة.. فبأي علم أو نظرية أو منهج يتحدث هذا “الباحث/المذيع/الإعلامي/المؤرخ.. ” سوى الاستهتار التام، والضرب على وتر العقل العربي، الذي سبق ما دونه الفرنسي غوستاف لوبون في “سيكولوجية الجماهير”، حين حلل انفعالهم وفقدهم للنقد والتحليل وإعمال العقل..
وفي الأخير يحق لي أن أتساءل -وربما القراء يشاطرونني هذا التساؤل- هل لو لم يكن العالم العربي قابلا لهذا الخرف والاحتقار للعقل، لما تجرأ هذا الإعلامي المؤرخ وأمثاله، على قصفنا بمثل هكذا معلومة أم أنه مصيب ونحن متشنجون؟؟؟