إلى المدافعين عن «الإسلام الوسطي المتسامح»..!
ذ. نبيل غزال
هوية بريس – الخميس 26 دجنبر 2013م
نظرة التيار العلماني إلى الإسلام عقيدته وشريعته نظرة واضحة معلنة؛ لا يحتاج الإنسان للتدليل عليها إلى طول كلام ولا إلى كثرة عزو أو نقل، إلا أن المثير في الأمر وما يدعو إلى الحيرة وينبي عن تناقض صارخ هو عدم قدرة هذا الفصيل على التفريق والفرز بين القناعات المقررة والمواقف المعلنة.
فلازال التيار العلماني يعمل على اللعب بورقة الدين والتستر بعباءته؛ ولازال أتباعه يصرون على الاستمرار في هذه اللعبة السخيفة دون كلل أو ملل؛ ويرفعون دون حياء شعار محاربة التطرف والفكر المنغلق!!! والدفاع عن الثوابت والإسلام الوسطي!!!
فما حاجتها إلى هذا الخطاب الذي يشيعونه؛ والذي يعتبرونه في قرارة أنفسهم خطابا متخلفا رجعيا ماضويا؛ ولم سلوك كل هذه الدروب الملتوية للوصول إلى المطلوب، إذا كان جل المتتبعين يعلمون المرجعية الفكرية المؤسسة لهذا التيار؛ وعقيدتهم في الله تعالى؛ ونظرتهم للكون والإنسان والحياة.
فلا أدري حقا عن أي وسطية يتحدث أبناء هذا التيار وعن أي ثوابت يدافعون؛ وهم الذين يعلنون أنهم أسسوا منهجهم على “إلغاء الثوابت؛ ومهاجمة منهج الثبات والقيم وإطلاق اسم السلفية عليه”؛ وعدم الانتماء إلى أي قيَم أو مَنهج، والتمرد على كل الثوابت وفي مقدمتها الدين والأخلاق؛ واعتماد النقد الإيديولوجي كوسيلة للتخلص مما يسمونه فكر العصور الوسطى!
وهم الذين يعملون جاهدين على إزاحة “الأنظمة الكبرى المتمثلة في الأديان من دائرة التقديس والغيب”[1]؛ و”اختراق المحرمات وانتهاك الممنوعات السائدة أمس واليوم، والتمرد على الرقابة الاجتماعية”[2]، و”إعادة النظر في جميع العقائدالدينية عن طريق إعادة القراءة لما قدمه الخطاب الديني عامة”[3]، و”مراجعة كل المسلمات التراثية”[4]، و”طرد التاريخ التقليدي من منظومتنا الثقافية لأنه بناء عتيق تهاوت منه جوانب كثيرة، فوجب كنس الأنقاض قبل الشروع في البناء”[5]، واستبدال ذلك كله بالحداثة التي “تبدأ باحتواء التراث وامتلاكه؛ لأن ذلك وحده هو السبيل إلى تدشين سلسلة من “القطائع” معه؛ إلى تحقيق تجاوز عميق له، إلى تراث جديد نصنعه؛ تراث جديد فعلا”[6].
هذا هو موقف العلمانيين من الثوابت؛ وتلك هي وسطيتهم المزعومة؛ ومن ابتلي بتتبع أقوالهم يدرك أنهم لا يرضون ببناء علمانيتهم مع وجود آثار للدين في القلوب، ولكن يرومون تحطيم الدين أولا وحصره في اختيارات فردية فقط؛ ثم بناء الهيكل العلماني دون خوف من التهديد الإسلامي للعلمانية في المستقبل.
وعليه فقد رأوا أن نشر العلمانية في قطاعات واسعة من المسلمين لا بد له من تغيير أسس الفكر والعقلية الإسلامية، وهو ما يعبرون عنه بـ(هدم القديم)، وفي سبيل ذلك الهدم كانت جهودهم تصب في اتجاهات مختلفة كلها تستهدف البناء المجيد لصرح الإسلام؛ وتفكيكه من الداخل وتقويضه من الأساس.
قال الدكتور قطب الريسوني في كتابه “النص القرآني من تهافت القراءة إلى أفق التدبر” (منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية 1431هـ/2010م) تحت عنوان (زحزحة الثوابت): “ليس للثوابت والقواطع واليقينيات حيز في قناعات القراءة المعاصرة؛ بل لا مفرَّ من شن الغارة عليها واستئصال شأفة الثنائيات التي نشأت عنها: كالإيمان والكفر، والحق والباطل، والحلال والحرام، والوحي والعقل، وذلك إن شئنا التحرر من وصاية المعرفة الأرثوذكسية الجامدة التي تأسر مريديها بهالات التقديس، وتملي وصاياها بحكم الشيعوعة والاعتياد العامي وإرهاب السلطة!”.
..”فالدور الطليعي للعقل العربي كما تتصوره القراءة المعاصرة هو هدم قباب المقدسات؛ وتحطيم أصنام الثوابت ما دامت تعبد دون الفكر العقلاني الحر؛ وتحول بينه وبين تصفية الدين من الشوائب الثيولوجية ورواسب الميتافيزيقيا ومقحمات الوعي اللاهوتي؛ ومتى أتيحت هذه التصفية انهارت (الأسوار والحصون التي شيدها الفكر المستقيل والمنغلق على ذاته بسياج دوغمائي محدد)” اهـ.
فتلك هي نظرتهم للوحي (قرآنا وسنة) وللتراث الشرعي برمته؛ إلا أنهم لا يستطيعون البوح بهذا المعتقد داخل بلد مسلم؛ وبين الفينة والأخرى ينفسون عن صدورهم؛ فتصدر عنهم تصريحات ومقالات تقطر حقدا على الإسلام حضارته وعقيدته وشريعته. ولست في حاجة إلى التمثيل فاللبيب تكفيه الإشارة.
وعلى اعتبار أن العديد من الجهات الإعلامية والسياسية والدينية لا تتوانى في دق ناقوس الخطر والتحذير -بمناسبة وغير مناسبة- ممن يلجأ إلى التغيير عن طريق العنف؛ -وهو أمر غير مقبول بطبيعة الحال- فواجب عليهم أيضا مقابل ذلك؛ من منطلق مسؤولياتهم؛ أن يحذروا من غلو وتطرف أخطر من الأول يمثله أصحاب (الأدمغة المفخخة).
فأصحاب هذه الأدمغة وأتباع هذا التيار يهدفون إلى النيل من معتقدات الناس؛ والعبث بالتراث؛ وهدم الثوابت والأصول، وهو ما من شأنه أن يغرق المجتمع في العديد من التخبطات والمشاكل التي هو في غنى عن الخوض فيها.
فإذا كانت جميع الدول العربية والإسلامية التي اكتوت بنار التطرف قد اتخذت كل التدابير والاحتياطات لتتبع ورصد واستباق عمليات الخلايا المتطرفة قبل وقوع أحداث إجرامية؛ فيجب عليها بالتوازي مع ذلك أن تتتبع وترصد تحركات أصحاب (العقول المفخخة)=(أصحاب الفكر العلماني)؛ الذين لا يرقبون في دينِ ولا أخلاقِ ولا قيمِ ولا ثوابتِ الأمة إلاًّ ولا ذمة؛ ويستهدفون المسلمين في أغلى ما يملكون؛ ويمهدون الطريق -علموا بذلك أم لم يعلموا- لجنود الاحتلال؛ ويخدمون مشاريعهم؛ فالحجر عليهم آكد وأولى؛ “إذ الحجر لاستصلاح الأديان أولى من الحجر لاستصلاح الأبدان”. والسلام.