عنف النساء ضد النساء والرجال
ذ. أحمد اللويزة
هوية بريس – الجمعة 27 دجنبر 2013م
يتحدثون عن العنف ضد النساء وينسون العنف المسلط على الرجال من طرف الجنس الموصوف باللطيف، لا أحد يخفى عليه اليوم حجم المعاناة التي يعانيها الكثير من الرجال مع النساء عموما، ومع الزوجات وفي بعض الأحيان مع بناتهم خصوصا، فكم من رجل فقد السيطرة على بيته بسب تسلط المرأة التي انتزعت منه كل الصلاحيات، ولم يبق له من الرجولة إلا التسليم لقرار المرأة وإرادتها، ولم يعد الرجل يقو على الاعتراض بله فرض القرار الذي يراه مناسبا، بل لم تبق له حتى الفرصة للإبداء برأيه.
ولئن كانوا يقولون في المثل العامي “شاور المرا ولا تديير بريها”، فاليوم كثير من الرجال لا يستشارون وتقضى الأمور وهم شهود، هؤلاء الرجال الذين أسلسوا القياد للمرأة طوعا أو كرها؛ إما لتجبرها وطغيانها، أو تحت تأثير ممارسات الشعوذة، واسألوا الكهنة والعرافين عن زبنائهم فعندهم الخبر اليقين.
إن كثيرا من ممن نعدهم من الرجال الأشاوس عقلا وحنكة وقوة عزيمة وإرادة، فإذا بها صفات عظيمة تنكسر على صخر الجنس اللطيف الموسوم بالضعف في البنية والمواقف، فلا تسمع إلا صراخا خافتا لشدة الصدمة وقوة الخجل ممن يعيش هذا الحال قائلا بلهجة مغربية “آش نديروا غلبونا العيالات”.
نعم كلمة (غلبونا) دلالتها صارخة على أن العنف الممارس على الرجال هو عنف إما رمزي تضيع فيه هيبة الرجل وتتلطخ سمعته بندوب غير مرئية من العار والمذلة، وإما مادي فتلك فضيحة بجلاجل، لكن من يستطيع البوح في مجتمع مبني على ثقافة أن الرجال لا يبكون ولا يشتكون ولا يستسلمون لعنف الرجال، فكيف لو كان عنف النساء.
كثير من الرجال يعانون في صمت ويشتكون في خفوت إلى الباري جل في علاه. لأنه ليس لهم من الشجاعة التي تخولهم أن يرفعوا أمرهم إلى المحاكم أو الجمعيات الحقوقية التي تخصصت في حقوق النساء على حساب الرجال، وتحقيق كرامة المرأة على حساب كرامة الرجل. فيقيمون العويل والصراخ منددين بالعنف ضد المرأة دون أن يطرحوا تساؤلات جريئة من قبيل: من البادي بالاعتداء والبادي أظلم؟ لم يضرب الرجل زوجته -وضرب النساء ليس من شيم الرجال الأحرارـ هل هو ردة فعل على كرامة خدشت بعنف معنوي؛ أو كلمة جارحة للمروءة والرجولة؟ أم ضد عنف مادي تلقى فيه الرجل كمة أو صفعة أفقدته الصواب ؟
هل المرأة المعنفة اكتفت بالشكاية دون قصاص، أم نحن ننظر إلى صراخها وهي تستذر العطف باعتبارها كيانا ضعيفا ولا ننظر إلى أظافرها التي تترك خرائط مبعثرة على وجه الرجل؟! لم لا نسمع عن عنف المرأة ضد المرأة وكلنا يعلم سرعة اشتعالهن عند أبسط جدال؟ وعن العنف الذي سببه وقاحة الرجال في تحرشهن بنساء لا يراعين حرمة ولا يحترمن مشاعر الذكور فيقابل ذلك العنف الرمزي بمثله وزيادة وعلى نفسها جنت براقيش؟
ولم لا يسألن عن عنف الرجل ضد زوجته مَن المحرض عليه؟ فلا ننسى الصراع الأزلي بين الزوجة وحماتها -أم الزوج-، وبين أخواته في الغالب؟ وما نعلمه من التحريش بين الزوج وزوجته والتحريض عليها بالحق والباطل؟
كم من رجل كان يعيش حياة الود والتفاهم مع زوجه حتى كدر صفوها تدخل النساء من أسرته أو أسرتها أو صديقاتها بالسوء؟ ألم يسجل التاريخ وقائع عن كيد النساء؟ّ!…
فهذه أمور ليست معزولة ولا محدودة إن لم نقل أن أكثر المشاكل الزوجية تحدث بسببها وما يترتب عن ذلك من عنف متبادل أو من جهة واحدة.
هذا واقع مر أليم حين نسمع عن أرقام مهولة وأحداث أليمة بسبب العنف الزوجي، لكنه واقع تستغله الجمعيات النسوانية لا لدفع الظلم الواقع على المرأة ولكن لضمان مكاسب شخصية ومادية، وتحقيق مقاصد علمانية قائمة على فساد الأخلاق والقيم التي لا زالت الأسرة تعد معقل القيم وحصنها الأخير، وذلك رهين بإذكاء الصراع بين أسيها الزوج والزوجة. حتى تستحيل الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق، فتتشتت الأسر وتتفكك العلاقات الزوجية، ويعزف آخرون عن الزواج ذلك الملاذ الآمن والشرعي لتحقيق الاستمتاع الفطري وبقاء النوع الإنساني، بسبب تضخيم الموضوع الذي يعمل الإعلام على النفخ فيه بالصدق أو الكذب، فيتجهون إلى الحرام بعد عجزهم عن مواجهة الدوافع الغريزية والمهيجات الجنسية التي نصبها بنو علمان في كل زواية وطريق، لذلك يركزون على العنف الأسري أو الزوجي لتنفير النفوس من مؤسسة الزواج.
إن معالجة هذه الظاهرة لا تتأتى بالنفخ في الأرقام والحوادث، واستنزاف الدعم المالي، واستغلال معاناة النساء المعنفات، وملء السجون بالرجال المعنفين، وإنما ذلك بالنظر وبعمق في أصل المشكل القائم أساسا على الجهل بالحقوق والواجبات الشرعية لدى كل طرف، فالذي لا يؤدي واجباته يضيع بالضرورة حقوق الآخرين الذين لا يؤدون هم أيضا واجباتهم التي هي حقوقه، فتضيع حقوق الجميع وتحل الفوضى والمشاكل نتيجة هذا الإخلال.
إن الزوج الذي يعرف حق زوجته عليه والزوجة التي تعرف حق زوجها عليها مع الالتزام بذلك لا شك أنهما سيعيشان في أمن وسكينة ومودة ورحمة، وهي من المقاصد الشرعية التي أقرها الإسلام في الزواج. وقد قال الباري جل في علاه “وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً”، وبسط نصوص الشرع في هذا الموضوع له مقام غير هذا، لأن الإسلام الذي يتهمه النسوانيون من بني علمان أنه يمكن للفكر الذكوري المتسلط على النساء، بريء من هذه التهمة الباطلة التي تصدر من جاهل جهلا مركبا بتعاليم الإسلام التي تنظم علاقة الرجل بالمرأة عموما، وبالزوجة خصوصا. وهي تعاليم قائمة على العدل والإنصاف والتقدير المتبادل الذي يضمن حياة مستقرة بعيدا عن التوتر أو العنف أو البغي.
ولو التزم كل من الرجل والمرأة بالتعاليم الشرعية لما احتجنا لزمرة النسوانيين، ولما فسح لهم المجال للاسترزاق بمعاناة ومشاكل شريحة من المجتمع جنت على نفسها بأن حادت عن شرع ربها المنظم لعلاقتها مع أخيها في الخلق والأصل. وصدق الله العظيم “وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ“، ويحدث للناس من الأقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.
نسأل الله السلامة العافية.