حالة السيدة زهور الرامي والواقع المؤلم لمستشفى ابن سينا
هي قصة عايشتها أنا وبعض الإخوة قبل أسبوعين مع السيدة زهور الرامي، وهي امرأة تبلغ من العمر 57 سنة، أرملة، لم ترزق بأبناء، تقطن حاليا بمدينة سلا بغرفة مستأجرة، تفتقر لأبسط التجهيزات الضرورية للعيش الكريم، تعانيمن مرض السرطان وأمراض أخرى: منها القلب وارتفاع الضغط والسكري، مما جعلها طريحة الفراش ولا تستطيع النهوض، تعاني الألم والحرمان والجوع والفقر والوحدة، ولا معيل لها ولا دخل سوى بعض المساعدات القليلة التي تقدم من طرف بعض المحسنين..
بدأت القصة عندما تعرضت السيدة زهور الرامي لنزيف حاد وخطير، استوجب نقلها من طرف بعض المتطوعين إلى مستشفى ابن سينا بالرباط لكي تتلقى العلاج الضروري، تم حملها من غرفتها في غطاء من طرف بعض الشباب الذين استدعيناهم من المقهى المجاور لسكنها لأنها لا تستطيع الوقوف، وأركبت في سيارة خاصة لأحد المحسنين، ثم توجهنا بها إلى المستشفى.
وفور وصولنا أدخلناها مباشرة إلى قسم المستعجلات الذي حسبت للوهلة الأولى وكأننا في مخيم للاجئين، فالاكتظاظ فيه كبير؛ مرضى يفترشون الأرض في انتظار معاينة الطبيب لهم، والكراسي ممتلئة عن آخرها، وكل مريض تجد معه مرافق أو أكثر واقف ينتظر هو أيضا، بالإضافة إلى بعض الجنود المرافقين لسجناء مرضى أحضروهم من أجل العلاج..
بداية طلبنا سريرا متنقلا لحمل السيدة زهور فوقه، لكننا لم نحصل عليه إلا بعد عناء البحث عنه، ومساعدة أحد الممرضين الذي تأثر بحالة المريضة، فالكراسي المتحركة والأسرة المتنقلة في مستشفى ابن سينا تعد على رؤوس الأصابع، وقد رأيت حالة بأم عيني قد حملت على الظهور البشرية كأننا في تشييع جنازة.
وبعد مرور نصف ساعة تقريبا، ووسط أجواء تطبعها اللامبالاة وغياب الإنسانية والاكتظاظ الكبير للمرضى؛ لم يظهر لنا ولا طبيبا واحدا داخل القاعة، فالقاعة مملوءة بالمرضى؛ بعضهم يتذمر و يتساءل متى سيأخذ العلاج؟
والبعض الآخر يقف ويلتزم الصمت ويتتبـع ما يجري بنظرات متحسرة ومتألمة على الوضع القائم، ولسان حاله ألا يحسون بألمنا؟!!
وبعد طول انتظار ذهبت أستفسر مسؤولا عن الطبيب، فقال لي بسخط وتذمر وفي قمة الغضب: “لا أدري أين هم، الله يعطي لباباهم شي تالفة”، فرجعت من دون حتى خفي حنين وبأسئلة كثيرة تتسارع إلى ذهني: من سيفحص هذه السيدة المريضة التي أوشكت على الهلاك؟
أين هو الطبيب؟
أين هم المسؤولون؟
هل نحن حقا في مستشفى العاصمة أم نحن في مستوصف صغير؟
هل هذا حقا أكبر مركز استشفائي جامعي بالمغرب؟
هل هذا حقا هو المركز الذي يأتي إليه الأطباء للتكوين من كل أنحاء العالم؟ !!
بعدها اتصلت بطبيبة أعرفها لترى حالة السيدة، فلما حضرت وعاينت حالتها، قالت لنا هي في وضع خطير جدا يستوجب نقل دم لها في الحال، فذهبت بنفسها تبحث عن الطبيب المناوب الذي كان بدوره يحاول أن يخفف من الضغط المتزايد على الجناح الطبي في قاعة أخرى لمساعدة طبيبة أخرى في ذاك القسم، فالمستعجلات تنقسم إلى ثلاثة أقسام، ومناوبتهما تستغرق 24 ساعة والليلة كانت ما تزال في أول ساعاتها، وعلامات التعب كانت واضحة على الطبيب الذي قدم إلينا.
فلما عاين حالة المريضة ورأى وضعها المتدهور طلب منا أن نجري لها التحاليل، فأجرينا لها التحاليل؛ وبدأنا ننتظر النتيجة التي دامت ساعة أو أكثر، ولما خرجت؛ تبين أن السيدة تعاني من نقص حاد في الدم، وفي تصرف يثير الدهشة والاستغراب قرر الطبيب عدم استقبالها في قسمه بحجة أن القاعة ممتلئة، ثم أرسلنا إلى قسم آخر.
لقد طردنا الطبيب بطريقة غير مباشرة بسبب قلة التجهيزات، لأنه لا مكان لها في قسمه لاستقبالها ولا حول ولا قوة له، فلما ذهبنا للقسم الآخر بدأت معاناة أخرى برفضهم أيضا استقبالها؛ لأنهم لا يتوفرون على الأجهزة الضرورية لحالتها فتركوها دون علاج، وباتت ليلتها الأولى في أحد ممرات المستشفى، دون أدنى مراعاة لحالتها المتدهورة والخطيرة، وبالرغم من أن حالتها كانت تستدعي نقل الدم مباشرة عند وصولها للمستشفى.
ولم تتم عملية نقل الدم للسيدة زهور إلا بعد مرور يومين من دخولها المستشفى، فكيف يترك مريض في حالة مأساوية بهذا الشكل؟
والأدهى من ذلك أن الإدارة المسؤولة قالت إن لم يكن للسيدة مال أو بطاقة “الراميد” فلن نتمم لها العلاج!!
وهذا يجعلنا نتساءل أين هو دور الدولة في هذه الحالة، وأين هي مقولتهم المشهورة الصحة للجميع، أم أن الصحة فقط لأصحاب المال والنفوذ؟ وأما المغربي المسكين والفقير؛ الذي لا معين له ولا معيل فليس مرغوبا به في المستشفى؟
ملاحظاتي حول مستشفى مغربي
– يعاني المستشفى من مشاكل عديدة، ترتبط بضعف البنية التحتية وبقلة المعدات والأطر الصحية والبشرية وبتجرد عدد من عماله من أبسط القواعد الإنسانية، وبتردي الخدمات المقدمة للمرضى، الذين أغلبهم ينتمون إلى الطبقات المعوزة والفقيرة، وهذه المأساة يتجرع مرارتـها المواطنون بالدرجة الأولى ثم الممرضون والأطباء الذين يعيشون بين الوازع الإنسانيوإكراهات الطلبات المرتفعة على خدمات المستشفى.
– إذا أردت أن تذهب للعلاج بمستشفى ابن سينا فعليك أن تهيئ نفسك نفسيا ومعنويا وجسديا لخوض غمار هذه التجربة، إذ أنه يتوجب عليك أن تتحلى بصبر أيوب، وأن تهيئ أذنيك لسماع الكلمات القاسية، والإهانات من قبل الموظفين والحراس والأطباء وغيرهم، لأن أغلبهم يكون في حالة هستيرية من جراء معاناتهم اليومية وخاصة حراس الأمن والممرضين ..
– يجب أن تكون شبه متأكد أنك ستنتظر وسط أجواء الضجيج والصراخ لساعات طويلة حتى يأتيك الدور لأن الأسبقية “لأصحاب الواسطة”، أو من قدم رشوة، بل ستجد أيضا من التصرفات ما يجعلك تفقد صوابك ويجعلك تتلفظ ببعض الكلمات رغما عنك..
– إذا أردت أن تحصل على نتائج فحوصاتك فعليك أن تنتظر لساعات وساعات لكي تصلك النتائج؛ هذا إن وصلتك طبعا، لأنك ستضطر للبحث عنها كما فعلنا نحن مع زهور الرامي فلم نتوصل بالنتيجة رغم خروجها من المختبر إلا بعد بحث الطبيب عنها في الحاسوب..
– إن المريض قد يأتي إلى المستشفى ولا يجد كرسيا ولا سريرا يستوعبه، ليظل مرميا في الأرض، وحتى إذا وجد سريرا فإنه يجده حديديا؛ عاريا من أي غطاء أو فراش..
– لا يمكن لأطباء وممرضين يعدون على رؤوس الأصابع أن يقدموا التطبيب اللازم لكل العدد الكبير من المرضى المتوافدين على المستشفى ذي التخصصات المتعددة، والذي يستقبل المصابين في حوادث السير، وضحايا الاعتداءات من طرف المنحرفين، وأيضا الأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة، كالسكري والربو والقلب، والجراحات، وغيرها كثير..
ما يعانيه المستشفى الآن، سببه التجاهل من قبل المسؤولين، وسكوت المواطنين، وهذا يزيد من تفاقم الوضع إلى الأسوء، فرغم تصريحات وزير الصحة الوردي الذي قال: إنه سيعمل لأجل السير بمنظومة الصحة إلى التقدم والازدهار والرفع من مستوى الخدمات، إلا أن هذه التصريحات للأسف الشديد تبقى مجرد حبر على ورق، أو كلمات تقال لتكميم الأفواه كما هي عادة الكثير من الوزراء والمسؤولين..