الإلمام ببعض آداب الصيام
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:183).
وفي البخاري من حديث أبي هريرة، قال الله تعالى في الحديث القدسي: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ..).
وها هو شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن على الأبواب، فلا تفصلنا عليه إلا أياما قليلة، أسأل الله أن يبلغنا إياه وأن يهله علينا باليمن والبركات.
إن الصوم هو الركن الرابع من أركان الإسلام، وهو مناسبة لتضخيم الأرصدة، بالإكثار من الحسنات، ولمنزلته العظيمة لا يسعنا إلا التذكير ببعض آدابه وأحكامه، وبالله التوفيق.
الصوم لغة: الإمساك والامتناع عن الشيء، ومنه قوله تعالى: (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً).
فالصوم هنا بمعنى الامتناع عن الكلام.
أما في اصطلاحا: فهو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية الصيام.
والأدق منه: التعبد لله تعالى بالإمساك عن الأكل والشرب، وسائر المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
فهذا الإمساك يكون ديانة لله وتعبدا، بعد إخلاص العمل له وصدق النية.
وقد عرفه الحافظ ابن حجر -رحمه الله- بقوله: إمساك مخصوص في زمن مخصوص من شيء مخصوص بشرائط مخصوصة.
فما هي الآداب التي ينبغي للصائم التحلي بها؟
لا يختلف اثنان في فضل وشرف الصيام، فقد خصص الحق سبحانه للصائمين بابا في الجنة لا يدخله غيرهم، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم، أغلق فلم يدخل منه أحد”.
وكي يؤدي المسلم هذه الشعيرة على أفضل وجه، ينبغي له التحلي بالآداب التالية:
1– العناية بكتاب الله:
العناية بكتاب الله لا تقتصر على شهر الصيام فحسب، بل المسلم يلزمه العناية به في جميع أوقاته وأحواله، وتتأكد هذه العناية في شهر الصيام شهر نزول القرآن: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.
فهذا الشهر هو شهر القرآن، وكان سلفنا الصالح يتركون كل شيء، ويقبلون على القرآن.
فاحرص أخي المسلم -وفقني الله وإياك- على إعطاء القرآن الحيز الأكبر من وقتك، تلاوة وتدبرا، فهما وعملا، ولنجعل من رمضان فرصة للصلح مع الله بالرجوع إلى هذا الكتاب المعجز، والتنافس في ختمه، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}.
2- الالتزام بأوامر الله واجتناب نواهيه:
ففي الحديث: “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش”.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”.
فلنحاول جميعا ألا يكون حظنا الجوع والعطش، وألا تكون لصيامنا أية قيمة. ولذلك يجب علينا امتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه.
فيجتنب الصائم جميع ما حرم الله عليه من الأقوال والأفعال، فيحفظ لسانه عن الكذب والغيبة والنميمة والسب والشتم وفحش القول وقبيح الكلام.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين”.
ويحفظ بصره عن النظر إلى المحرمات، والتفتيش عن العورات، ومشاهدة ما لا يحل في وسائل الإعلام، ويحفظ أذنه عن الاستماع للحرام، ولا يقدم رجلا ويؤخر أخرى إلا فيما يرضي الله عز وجل.
ومن ذلك إضاعة الوقت والمال، بين المقاهي والأسِرَّة، فتجد المسلم يقيم الليل في المقاهي بين لعب الورق ومشاهدة التلفاز، ويرقد النهار كله إلا قليلا.
فرمضان فرصة لاستغلال الأوقات في الطاعات، حيث يلزم المسلم ملء يومه بذكر الله وتلاوة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمحافظة على الصلوات في وقتها، والإكثار من الأدعية والأذكار، وصلة الرحم، وإعمار ليله بالصلاة والقيام وتلاوة القرآن.
دون أن ننسى الصدقات، فالمسلم يتصدق ويضاعف ذلك في هذا الشهر، وقد “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة”.
فالإكثار الإكثار من جميع أنواع الخير والعمل الصالح، والحذر كل الحذر مما ينافي ذلك، وأقصد كل ما من شأنه أن ينقص أجر الصائم أو يفسد عليه صيامه.
3- تعجيل الفطور وتأخير السحور:
رمضان شهر الإمساك عن الطعام، فلماذا نجعله شهر الموائد؟ يأكل الإنسان عادة ثلاث وجبات في اليوم، وفي رمضان يتقلص العدد إلى وجبتين رئيسيتين هما السحور والفطور.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تسحروا فإن في السحور بركة.”
والأمر هنا للندب لا للوجوب، كما قرر ذلك أهل العلم، والسحور أكلة قبل الفجر.
أما الفطور فهو أكلة ما بعد المغرب، يفطر بها الصائمون، وإليك -أخي المسلم- بعض المسائل المتعلقة بهما.
فالسحور ينبغي تأخيره إلى ما قبل الفجر بقليل، حتى يظهر بياض الليل من سواده.
قال تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم”، ثم قال: وكان رجلا أعمى، لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت.
المهم أن أكلة السحور ينبغي تأخيرها إلى ما قبل أذان الصبح. وفي بعض أعرافنا أن الناس يسهرون إلى وقت متأخر من الليل ويأكلون وينامون عن هذه البركة.
أما الفطور فبخلاف ذلك يستحب التعجيل به.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر”.
وعن أنس بن مالك قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رُطَبَاتٍ، فإن لم تكن رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ، فإن لم تكن تُمَيْرَاتٌ حسا حَسَوَاتٍ من ماء”.
وإذا كانت السنة في السحور التأخير، فهي في الفطور التعجيل، ويخالف بعض الناس هذه السنة، بداعي النوم، أو مشاهدة المسلسلات و”برامج الترفيه”، والله المستعان.
والله أسأل أن يهل شهر رمضان على الأمة الإسلامية باليمن والبركات، وأن يعيننا على صيامه وقيامه على الوجه الذي يحب ربنا ويرضى، إنه ولي ذلك والقادر عليه.