هيئة علماء اليمن في بيان لها.. تحذر من علمنة الدولة
هوية بريس – مركز التأصيل
الأربعاء 01 يناير 2014م
قياماً بواجب البيان الشرعي الذي أوجبه الله على العلماء، توجهت هيئة علماء اليمن ببيان لأبناء اليمن حكومة وشعباً -فيما يتعلق بالحوار الوطني ومخرجات بعض فرقه، والوثيقة المقدمة من جمال بن عمر- أكدت فيه على ما ذكر في البيانات السابقة من أهمية الإسراع برفع المظالم عن أبناء الشعب اليمني، والحفاظ على وحدتهم.
أما فيما يخص وثيقة جمال بن عمر التي أُعلنت أخيراً فإن علماء اليمن بينت أن هذه الوثيقة تمثل انتهاكاً لسيادة الشريعة الإسلامية؛ حيث جعلت المواثيق والاتفاقيات الدولية هي المرجعية العليا لصياغة الدستور، وما يبنى عليه من قوانين بدلاً عن الشريعة الإسلامية، ورهنت شرعية الدولة اليمنية التي تقوم على هذه الوثيقة بكل مكوناتها بمدى التزامها بهذه القوانين والاتفاقيات التي تصادم في كثير من مقرراتها عقيدتنا وشريعتنا الإسلامية.
كما تضمنت الوثيقة بنوداً تفتت اليمن إلى دويلات صغيرة؛ بتقسيمها إلى مركز وأقاليم وولايات وتجعل لكل إقليم وولاية سلطات مستقلة تشريعية وتنفيذية وقضائية على أسس مناطقية وطائفية، وتُقنن الانفصال تحت مسمى حق الشعب في تقرير مكانته السياسية وفق ما ينص عليه العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
وأوضح البيان أن هذه الوثيقة احتوت على أسس تعمق الهيمنة الأجنبية وتضع البلاد تحت الوصاية الدولية، كما تسهل التسلط على ثروات الشعب ونهبها عن طريق انفراد الشركات الأجنبية بإبرام عقود الاستكشاف والتطوير لثروات البلاد.
ومن سلبيات وثيقة جمال بن عمر أنها تصادر إرادة الشعب اليمني وحريته في اختيار حكامه ومن يمثله ومصادرة حق الأغلبية تحت مسمى (الديمقراطية التشاركية)، الذي يجعل قرار الأغلبية مرهونا بموافقة الأقلية فتحرم الشعوب من حقها في تبني ما تريد من القرارات والسياسات والخطط والبرامج.
لهذه الأشياء وغيرها دعت هيئة علماء اليمن الشعب اليمني لرفض هذه الوثيقة وعدم الاعتراف بها ودعوة جميع الأطراف إلى عدم التعاطي معها. كما أكدت رفضها لكل مخالفة شرعية وردت في أي تقرير من تقارير فرق العمل في الحوار الوطني.
وفيما يلي نص بيان علماء اليمن حول وثيقة المبعوث الأممي جمال بن عمر:
“بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين القائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24]، والصلاة والسلام على رسولنا محمد المبعوث بالهدى، ودين الحق رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فقد وقف علماء اليمن أمام المستجدات في الشأن اليمني، ومنها ما يتعلق بالحوار الوطني ومخرجات بعض فرقه، والوثيقة المقدمة من جمال بن عمر، والتي أحدثت ردود أفعال واستياءً شعبياً واسعاً، وجدلاً سياسياً كبيراً؛ وذلك لتضمنها أموراً خطيرة تمس عقيدة الشعب اليمني وشريعته ووحدته وأمنه واستقراره.
وقياماً بواجب البيان الشرعي الذي أوجبه الله على العلماء، فإن علماء اليمن يتوجهون ببيانهم هذا لأبناء اليمن حكومة وشعباً، والذي يأتي ضمن بياناتهم المتتابعة في الشأن اليمني، ومنها ما يتعلق بالحوار الوطني، حيث أكدوا في تلك البيانات على أن تكون الشريعة الإسلامية هي المرجعية العليا للحوار وضرورة الحفاظ على وحدة اليمن وسيادته وأمنه واستقراره، وضمان حق الشعب في اختيار ممثليه في الحوار لكي يحقق أهدافه بمخرجاته السليمة التي توصل البلاد إلى بر الأمان. وفيما يتعلق بالمظالم والمشاكل في المحافظات الجنوبية والشرقية فإن علماء اليمن قد ذكروا في بياناتهم السابقة ما يلي:
1- التأكيد على سرعة رفع المظالم عن جميع أبناء الشعب اليمني وخاصة إخواننا في المحافظات الجنوبية والشرقية، وإزالة ما لحقهم من أضرار مادية ومعنوية، ورد الحقوق إلى أهلها، وإقامة العدل، ورفض كل تمييز على أسس حزبية أو طائفية أو مناطقية، وإسناد الأمور إلى أهلها اعتماداً على مبدأ الأهلية والأمانة، وتمكين أبناء الشعب اليمني في المحافظات الجنوبية والشرقية وغيرها من المحافظات على قدم المساواة من حقوقهم المشروعة.
2- الحفاظ على وحدة أبناء الشعب اليمني وجمع كلمتهم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] والتحذير من التنازع والاختلاف المؤدي إلى الفشل وتسلط الأعداء لقوله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}[الأنفال: 46]، ووجوب الرجوع عند كل خلاف أو نزاع إلى الكتاب والسنة؛ امتثالاً لقوله تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، والتأكيد على بقاء الألفة والمحبة والأخوة الإيمانية بين أبناء الشعب اليمني، لقوله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات: 10]، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)صحيح مسلم.
وأما بخصوص وثيقة جمال بن عمر التي أُعلنت أخيراً فإن علماء اليمن يبينون ما يلي:
1- تمثل هذه الوثيقة انتهاكاً لسيادة الشريعة الإسلامية؛ حيث جعلت المواثيق والاتفاقيات الدولية هي المرجعية العليا لصياغة الدستور وما يبنى عليه من قوانين بدلاً عن الشريعة الإسلامية، ورهنت شرعية الدولة اليمنية التي تقوم على هذه الوثيقة بكل مكوناتها بمدى التزامها بهذه القوانين والاتفاقيات التي تصادم في كثير من مقرراتها عقيدتنا وشريعتنا الإسلامية، كما تعطل هذه الوثيقة الدستور النافذ الذي يقرر أن الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات، وتتجاوز ميثاق الأمم المتحدة الذي يقرر أن جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة دولاً حرة مستقلة ذات سيادة وهي متساوية في هذه الحقوق ولا يجوز الاعتداء على سيادتها من أي دولة عضو أو من مجلس الأمن أو من أي هيئة تابعة للأمم المتحدة أو ممثل لها تحت أي ذريعة كانت، وبهذا تكون الوثيقة التي قدمها المبعوث الأممي جمال بن عمر قد خالفت مبادئ الأمم المتحدة فصادرت حق الشعب اليمني في اختيار أسلوب حياته وفق الشريعة التي يعتقدها ويؤمن بها، وهذا الانتهاك لسيادة الشريعة مما لا يجوز لأي مسلم أن يقبله.
2- تضمنت الوثيقة بنوداً تفتت اليمن إلى دويلات صغيرة؛ بتقسيمها إلى مركز وأقاليم وولايات وتجعل لكل إقليم وولاية سلطات مستقلة تشريعية وتنفيذية وقضائية على أسس مناطقية وطائفية، وتُقنن الانفصال تحت مسمى حق الشعب في تقرير مكانته السياسية وفق ما ينص عليه العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللذان ينصان على حق الشعوب في تقرير مصيرها وهو ما أكدته الفقرة (189) من تقرير فريق الحقوق والحريات بمؤتمر الحوار الوطني، بالإضافة إلى ما تؤكده المادة (50) من العهد المدني للحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أن أحكام هذا العهد تنطبق دون أي قيد أو استثناء على جميع الوحدات التي تتشكل منها الدول الاتحادية.
3- احتوت الوثيقة على أسس تعمق الهيمنة الأجنبية وتضع البلاد تحت الوصاية الدولية؛ بدعوة الهيئات الدولية إلى الاستمرار في مراقبة مخرجات الحوار الوطني، ودعم تنفيذها لضمان تطبيقها بإشراف دولي، وهذا إلزام للشعب اليمني بتبني دعوة الدول والأمم للتدخل في شؤونه واستمرار الوصاية عليه، وهذا الذي يرفضه الشعب اليمني ويأباه.
4- تسهيل التسلط على ثروات الشعب ونهبها عن طريق انفراد الشركات الأجنبية بإبرام عقود الاستكشاف والتطوير لثروات البلاد، مع الولايات المنتجة مباشرة، وفرض سياسية الأمر الواقع على الحكومة في الإقليم وعلى الحكومة المركزية في البلاد التي إن رفضت ما أُبرمته السلطة التنفيذية في الولاية من اتفاق مع الشركات الأجنبية دخلت في مواجهة مع الدولة الطامعة التي من حقها أن تأتي بجيشها لحماية مصالحها، مما يجعل دور الحكومة في الإقليم والحكومة المركزية في البلاد دوراً ثانوياً وتابعاً لما تقرره السلطة التنفيذية في الولاية مع الشركات الأجنبية ودولها.
5- مصادرة إرادة الشعب اليمني وحريته في اختيار حكامه ومن يمثله ومصادرة حق الأغلبية تحت مسمى (الديمقراطية التشاركية)، الذي يجعل قرار الأغلبية مرهونا بموافقة الأقلية فتحرم الشعوب من حقها في تبني ما تريد من القرارات والسياسات والخطط والبرامج، كما يزرع النزاع على الدوام بين الأقلية والأكثرية وعدم استقرار الأوضاع.
ولأجل ذلك كله فإن علماء اليمن يدعون إلى ما يلي:
1- رفض هذه الوثيقة وعدم الاعتراف بها ودعوة جميع الأطراف إلى عدم التعاطي معها.
2- دعوة رئيس الجمهورية ومجلس النواب والحكومة إلى تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم والوفاء بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم وأقسموا على التمسك بالكتاب والسنة والحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره، والحفاظ على مؤسسات الدولة.
3- مطالبة المكونات السياسية والشعبية والاجتماعية بتغليب المصلحة العامة للبلاد والحفاظ على دين الأمة ووحدتها.
4- الحفاظ على الدولة اليمنية الموحدة في إطار الحكم المحلي كامل الصلاحيات؛ الذي يمكن الوحدات الإدارية من القيام بصلاحياتها والاستفادة من مواردها بما يحقق الرخاء لها وللشعب اليمني.
5- الحفاظ على وحدة المؤسسة الأمنية والعسكرية واستقلال السلطة القضائية وتجنيبها الصراعات والتقاسمات الحزبية والمناطقية والطائفية.
6- تؤكد الهيئة رفضها لكل مخالفة شرعية وردت في أي تقرير من تقارير فرق العمل في الحوار الوطني.
وختاماً وفي ظل هذه الظروف المدلهمة ندعو جميع أبناء اليمن إلى حسن الصلة بالله والحفاظ على دينهم ووحدتهم وأمنهم واستقرارهم، والقيام بواجب البيان والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة.
سائلين الله تعالى أن يجنب البلاد الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يحفظ لنا ديننا ووحدتنا وأمننا واستقرارنا.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
صادر عن هيئة علماء اليمن، السبت 25/2/1435هـ الموافق 28/12/2013م”.