من كتابي.. «صورة الإسلاميين على الشاشة»
د. أحمد سالم
هوية بريس – الخميس 09 يناير 2014م
في الحقبة المكارثية، يعاني “بيتر إيتلمان” الكاتب السينمائي الأمريكي من اتهام الحكومة له بالانتساب للشيوعيين، يحتسي الخمر في إحدى الحانات، وينطلق بسيارته في ليلة ممطرة، تصطدم السيارة في حاجز أحد الجسور، وتسقط السيارة وداخلها بيتر في الماء.
ترسو جثة “بيتر” الفاقد للوعي على شاطئ الماء بإزاء بلدة أمريكية تدعى لوسن، في الصباح الباكر يجد رجل عجوز “بيتر إبيلمان” ملقى على البحر في حالة يرثى لها؛ لذا يقوم بأخذه إلى مطعم البلدة، ومن ثم إلى الطبيب الذي يكتشف أن بيتر قد أصيب بفقدان الذاكرة.
يعرف “بيتر” من مرافقه أن هذه البلدة قد فقدت عدداً كبيراً من أبنائها في الحرب العالمية الثانية التي انتهت منذ سنوات قليلة.
العجوز “هاري” أحد الذين فقدوا أبناءهم يصر على أن “بيتر” هو ولده الذي لم يعد من الحرب التي سافر لها منذ تسع سنوات، وأن “بيتر” هو “لووك هاري تريمبل” ولده، “بيتر” لا يذكر أي شيء، ويبدو بالفعل أن هناك شبه بينه وبين “لووك” بحسب ما يراه من الصور، وبحسب استعداد أهل البلدة لتصديق أن هذا هو “لووك تريمبل” خاصة حبيبة “لوك” ابنة الطبيب، يحاول الجميع تذكير “لووك” بماضيه عن طريق تذكيره بمواقف قديمة وذكريات مشتركة، وهي الطريقة التي قال الطبيب إنها ستعيد له ذاكرته، ولكن دونما فائدة؛ بالطبع لأننا نعلم ما لا يعلمه أهل البلدة، أن هذا “بيتر إيتلمان” الكاتب السينمائي الذي قادته حادثة سير لهذه البلدة، وليس هو “لووك تريمبل” الذي مات في الحرب على الأرجح.
يندمج “بيتر” في حياته الجديدة تماماً، ويساعد والده المزعوم في إعادة تجديد وافتتاح دار العرض الخاصة به، والتي كانت المتنفس الوحيد لأهل البلدة يشاهدون فيها أفلام هوليوود.
بعد افتتاح السينما وفي واحدة من ليالي العرض، يندمج “لووك/بيتر” في مشاهدة الفيلم المعروض حتى يجد أنه يكمل الجمل الحوارية بنفسه قبل أن ينطق بها الممثلون، يتعجب “بيتر” من هذا فهو لم يشاهد الفيلم من قبل، يواصل المشاهدة والصور تتسارع في ذهنه، يجري مسرعاً نحو أفيش عرض الفيلم، يقرأ اسم كاتب الفيلم : “بيتر إيتلمان”، وهنا فقط يتذكر “بيتر” من هو.
في الوقت نفسه يقع “هاري تريمبل” والد “لوك” مريضاً أثناء تبديله لبكرات الفيلم المذكور، ويذهب إليه “بيتر” وهو يحتضر في مشهد مؤثر، يطلب “هاري” فيه من “بيتر” الذي يظن أنه ولده “لووك” أن يخبره بنهاية الفيلم، فيقول له: إن البطل انتصر وقتل الشرير، ثم يموت “هاري” ولا يجرؤ “بيتر” أنه يخبره أنه ليس ولده حقاً.
في الوقت نفسه تكتشف المباحث سيارة “بيتر”، ويصلون للبلدة ويقبضون فيها على “بيتر” الذي ظنوا أنه هرب وتخفى في هذه البلدة مما يثبت التهمة الشيوعية عليه، وينظر أهل البلدة لـ”بيتر” باحتقار وازدراء شديدين؛ فهم أيضاً ظنوا أنه خدعهم.
يقدم لتحقيق في الكونجرس على نمط التحقيقات المكارثية التي كان يطلب فيها من الفنانين والمثقفين الوشاية بزملائهم الشيوعيين مقابل النجاة.
ينصح محامي “بيتر” بأن يعترف بتهمة الشيوعية ويشي ببعض زملائه الذين لا يعرف “بيتر” أصلاً أنهم شيوعيون، ويقول لهم المحامي أن هذا هو السبيل الوحيد لنجاته من السجن.
بتأثير من حبيبة “لوك” يقرأ “بيتر” نسخة الدستور الأمريكي ويضمر في نفسه ألا يعترف بهذه التهمة، هو بالفعل حضر واحداً من اجتماعات الشيوعيين بدافع تعلق قلبي بواحدة منهم، لكنه ليس شيوعياً وليس واشياً.
يقف “بيتر” في ساحة الكونجرس يتكلم عن الحريات التي تكفلها أمريكا، وعن الدستور الأمريكي الذي يمنع الحكومة من تبني أية ديانة أو عقيدة على حساب باقي الديانات والعقائد، يقول “بيتر”: إن لوسن التي دفعت أبناءها للموت في سبيل هذه البلاد تستحق هي وباقي أمريكا بلداً يحترم دستوره ويرعى حرياته، ولا يطارد ضمائر الناس ويحارب حريتهم في الاعتقاد.
ينجو “بيتر” بسبب هذا الخطاب من مصير السجن، ويعود إلى لوسن؛ ليستقبله أهلها استقبال الفاتحين.
كانت هذه هي أحداث فيلم (The Majestic)، الذي قام ببطولته النجم الأمريكي المعروف (Jim Carrey)، وأخرجه (Frank Darabont).
في وسط أحداث هذا الفيلم الذي يحكي قصة حقبة تتبرأ أمريكا كلها منها الآن، يلفت نظرك بشدة أمر واحد يبدو كالنغمة النشاز في هذا الفيلم.
الفيلم الذي كان “بيتر” يشاهده عندما استعاد ذاكرته، نرى منه على شاشة فيلمنا هذا مشهداً واحداً، مشهد العربي خالد وهو يحاول اغتصاب السيدة الغربية، ثم يأتي البطل الغربي فيقتله بسيفه وأثناء تلقي خالد للطعنة يصرخ في وجه قاتله قائلاً: “عليك اللعنة يا كافر”.
ما الذي يريد صانعو هذا الفيلم أن يخبرونا به بالضبط باختيارهم لهذا المشهد بالذات ليكون هو الفيلم المعروض في سينما “هاري ترمبل” تلك الليلة؟
من المؤكد أن أي مشهد كان سيوضع على شاشة تلك السينما ليشاهده “بيتر إيتلمان” وتعود إليه ذاكرته، أي مشهد كان سيؤدي الغرض، ولا تفتقر حبكة الفيلم لتمثيل مشهد بهذه الصورة وهذا المضمون ليكون هو الذي يشاهده “بيتر إيتلمان”.
هل المراد هنا وفقط هو مجرد التبرع بجرعة عن الإرهاب الإسلامي كالتي تعتاد أفلام هوليوود الرخيصة إقحامها في وسط أحداثها؟
في الحقيقة: لا؛ هذا ليس مجرد إقحام عارض.
تاريخ إنتاج هذا الفيلم هو ديسمبر 2001 أي بعد ثلاثة أشهر فقط من هجمات سبتمبر الشهيرة، نحن إذن لا نحتاج إلى حدس أو تخمين.
الفيلم ببساطة يضع استثناء قوياً جداً لرسالته التي يقدمها عن حماية الحقوق والحريات وحق الاختلاف في الرأي والمعتقد.
أولئك الإرهابيين مغتصبي النساء الذين يصبون اللعنات علينا نحن الغربيين الكفرة = ليسوا مقصودين أبداً بالرسالة التي يقدمها فيلمنا.
وإذا كانت المكارثية هي السبيل لمحاربة أولئك الإرهابيين = فمن المؤكد أننا لا نقصد بفيلمنا هذا أن نعترض عليها.
مشهد لا يتعدى زمنه دقيقتين، يتم فيه تنميط وتكثيف صورة خالد الإسلامي كإرهابي مغتصب للنساء في الوقت نفسه، يتم ترميز هذه الصورة للدلالة على أن جنة الحريات الأمريكية يجب أن يطرد منها هؤلاء.
ولكن هل هذه هي دلالة المشهد فقط؟
يبدو هذا غريباً؛ فإن إقصاء ومعاقبة إرهابي مغتصب يبدو أمراً واضحاً لا يحتاج إلى توكيد في هذا السياق.
الحقيقة أن هناك رسالة مستترة تظهر عند التأمل في علاقة هذا المشهد بالسياق العام للفيلم؛ إن الدلالة الأهم هاهنا والتي يتم غرسها في نفس المشاهد هي: “أن الارتياب المكارثي ليس قبيحاً أبداً إن كان سيتم توجيهه للإسلاميين كإرهابيين محتملين”.
المكارثية في الحقيقة حالة ارتيابية تقول لنا باختصار: نعم هذا المسلم الأنيق الذي قد لا يكون حتى ذا لحية = ليس إرهابياً، ولكن هذا فقط عزيزي الأمريكي الساذج هو ما يظهر لك، أما نحن = فنعرف أكثر؛ فدع هذه الأمور لنا.