لجنة القدس.. انخراط متجدد للمغرب تجاه «زهرة المدائن»
هوية بريس – و م ع
الأربعاء 15 يناير 2014م
كانت القضية الفلسطينية، ولا تزال، واحدة من الثوابت المغربية سواء على صعيد السياسة العامة أو العمل الدبلوماسي المغربي الهادف إلى صيانة الحقوق الثابتة للفلسطينيين وحماية القدس الشريف “زهرة المدائن”.
فالمدينة المقدسة، التي تتعلق بها قلوب كافة المغاربة منذ فجر التاريخ، يتهددها خطر حقيقي بسبب المحاولات الإسرائيلية المتكررة الهادفة إلى طمس هويتها عبر تهويد معالمها الحضارية والديمغرافية.
وفي انسجام تام مع التوجه الروحي الذي يوحد جميع المغاربة ويتوارثه المغاربة جيلا عن جيل، أدرك المغرب ضرورة اتخاذ خطوات ملموسة لإثارة الانتباه إلى خطر سياسة الأمر الواقع التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية ضاربا عرض الحائط بالشرعية الدولية وقراراتها المناوئة للإجراءات “الإسرائيلية”.
وتندرج، في هذا السياق، دعوة المملكة لعقد اجتماع للجنة القدس، التي تعد هيئة للبلدان الإسلامية والتي يرأسها المغرب منذ 1975، وتعمل على تفادي تدهور الأوضاع في المدينة المقدسة، المستهدفة بسياسة استعمارية مدمرة، تروم إنكار حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وتجسيدا للانخراط المتجدد للمغرب تجاه المدينة المقدسة، وجه جلالة الملك محمد السادس، مؤخرا، رسالتين إلى كل من قداسة البابا فرانسوا والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بخصوص قرب توقيع دولة الفاتيكان وإسرائيل على اتفاق يتعلق بممتلكات الكنيسة الكاثوليكية بمدينة القدس المحتلة والذي من شأنه “أن يزكي الممارسات الاستيطانية الاستفزازية التي تقوم بها إسرائيل، وانتهاكاتها الجسيمة في المسجد الأقصى والقدس وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
وأضاف جلالة الملك أن هذا التوجه من شأنه أن “يعاكس الجهود المبذولة من أجل توفير المناخ الملائم لإنجاح مفاوضات السلام، المستأنفة منذ شهر يوليوز 2013، بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، والتي من المفروض أن تحسم، من بين أمور أخرى، في الوضع النهائي للقدس الشرقية”.
وقد حظيت الرسالتان الملكيتان الموجهتان لكل من قداسة البابا والأمين العام الأممي بإشادة الفلسطينيين، كما أكد ذلك صائب عريقات، رئيس فريق المفاوضين الفلسطينيين، حيث قال إن هاتين الرسالتين تعكسان “حرص جلالة الملك على تتبع ملف القدس عن قرب، وتبرهنان على أن القضية الفلسطينية ليست بمعزل عن الاهتمامات ذات الأولوية بالنسبة لجلالته”.
كما كانت القضية الفلسطينية حاضرة خلال لقاء القمة الذي جمع في شهر نونبر الماضي بالبيت الأبيض جلالة الملك محمد السادس والرئيس الأمريكي باراك أوباما، وهو ما يؤكد على الاهتمام الدائم الذي يوليه المغرب لهذا الملف الحيوي بالنسبة للأمة العربية والإسلامية.
ففي البيان الختامي الذي توج هذه المباحثات عبر جلالة الملك عن دعمه “للانخراط المتواصل” للولايات المتحدة من أجل الدفع قدما بمسلسل السلام في الشرق الأوسط، فيما أبرز الرئيس أوباما “مساهمة جلالة الملك، رئيس لجنة القدس، في الجهود الرامية إلى التوصل لحل الدولتين”.
وبتوجيهات من جلالة الملك، شكلت القضية الفلسطينية والدفاع عن القدس الشريف على الدوام ثوابت في العمل الحكومي والدبلوماسي، حيث ينخرط المغرب في كافة المبادرات التي من شأنها تمكين الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة ومن الخروج منتصرين في معركة التحرير التي يخوضونها بشجاعة منذ عقود.
فعلى المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف، ينتهز ممثلو المؤسسات الوطنية كل مناسبة للدفاع عن القضية الفلسطينية وعدالة الكفاح الوطني الفلسطيني، ويؤكدون على العواقب التي لا يمكن التنبؤ بها لأي محاولة للمس بالقدس الشريف، ولاسيما المسجد الأقصى المبارك الذي تحدق به مخاطر أشغال الحفر التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي دون أدنى اعتبار لمشاعر المسلمين.
وباعتبارها الذراع العملي للجنة القدس، تقوم وكالة بيت مال القدس بمجهود جبار في الميدان من أجل دعم مقاومة سكان المدينة المقدسة وتعزيز تواجدهم بأرضهم في مواجهة الممارسات “الإسرائيلية” التي تهدف إلى تغيير طابعها الديمغرافي. وتهم تدخلات، الوكالة التي تعبئ كافة الإمكانيات المتاحة، قطاعات السكن والتعليم والثقافة والدعم الاجتماعي.
كما أن أكبر التظاهرات الداعمة لكفاح الشعب الفلسطيني كانت دائما تنظم في المغرب. وتبقى فلسطين كذلك حاضرة بقوة في مختلف التظاهرات الفنية والثقافية المنظمة في المملكة، فضلا عن أن الفرق الطبية المغربية هي من أولى الفرق التي تنتشر ميدانيا بعد كل اعتداء “إسرائيلي”، ولاسيما في قطاع غزة.
ومن المؤكد أن الإجماع على القضية الفلسطينية لا يعد سوى تجسيدا للروابط الروحية القوية التي تجمع المغاربة بأولى القبلتين، وهي علاقة تتميز بالحب والغيرة والتعلق الدائم بـ”زهرة المدائن” التي دنس أرضها المباركة المحتل “الإسرائيلي”.