الفصل بين الجنسين أول خطوة في طريق إصلاح التعليم
منير المرود
هوية بريس – الخميس 16 يناير 2014م
لم يكن يراودني أدنى شك منذ أن تعرفت على الإسلام عن كثب وأيقنت أنه هو الحل لجميع المشاكل التي يتخبط فيها عالمنا اليوم، أن إصلاح التعليم ـكما هو الشأن بالنسبة لغيره من أمور الحياةـ لا يمكن أن يتم دون إعادة النظر في المنظومة التربوية العامة من منطلق شرعي، ومعالجة المقاربات التي تهدف إلى النهوض بهذا القطاع من مرجعية إسلامية، بعيدا عن تزوير الحقائق من خلال استهلاك الحلول الغربية التي يستوردها بعض أبناء جلدتنا من هنا وهناك.
ومن منطلق وعيي الكامل أن شريعة الله التي أنزلها لعباده صالحة لكل زمان ومكان، كنت ولازلت أجزم أن أول لبنة في بناء صرح تربوي شامخ هي الفصل بين الذكور والإناث داخل المؤسسات التعليمية، إلا أنني ومن واقعي المعيش، وبما أنني ممن تخرج من رحم مؤسسات مختلطة، لم أحض بمشاهدة الآثار الإيجابية للفصل بين الجنسين على المستوى التعليمي التعلمي في الواقع مع اعتقادي الجازم أن الحل كل الحل في نهج استراتيجية وطنية عامة للفصل بين الذكور والإناث انطلاقا من المقاصد العامة للشريعة المستنبطة من نصوص الوحيين.
وبما أنني رجل تعليم، أدرس في هذا الواقع المشار إليه آنفا، فقد قدر الله لي أن أعايش تجربة واقعية انتقلت بها من علم اليقين إلى عين اليقين، حيث شاهدت بعيناي وجوارحي مدى تأثير الفصل بين الجنسين في السير العام للدرس من حيث المشاركة والمناقشة والاستيعاب، وذلك بعد أن اقتضت الظروف التربوية والتأديبية في إحدى المؤسسات إخراج التلميذات من قاعة الدرس قصد معالجة بعض المشاكل المطروحة بينهن، وقد تم ذلك بعد أن انقضت حوالي عشر دقائق من سير أعمال الحصة، حيث فاجأتني إحدى الإداريات بطلبها إخراج جميع فتيات القسم للغرض المذكور، وما إن تم ذلك حتى بدت علامات الارتياح على وجوه مجموعة من الشباب، وقد ظهر ذلك واضحا جليا من خلال عبارة تلفظ بها أحدهم حيث تنهد قائلا ـوهو يستقر في مقعده الأمامي بعد أن ظل طوال الحصص السابقة حبيس المتأخرة منهاـ: “كون غير بقينا ديما هاكة”، فسألته عن سبب مقولته تلك فأجاب بما مقتضاه أنهم يشعرون بالراحة أكثر داخل القاعة بدون فتيات ـوأنا على يقين أن العكس أيضا صحيحـ ، فما كان مني إلا أن غيرت هندسة القسم وطلبت من الجميع الاقتراب إلى الأماكن الأمامية كما هو الشأن بالنسبة لزميلهم المذكور، ثم استأنفت الدرس، عن غير قصد ولا استحضار للتغيرات التي قد تطرأ، بل على العكس من ذلك، فقد كنت متدمرا قليلا لأن الفتيات في الغالب أشد مشاركة وتأثيرا في القسم، خاصة وأنهن كن أكثر تحضيرا وتهييئا للدرس كما تبين لي من خلال معاينتي للإعداد القبلي في بداية الحصة.
وبعد أن استأنفت العمل في ظل هذه الظروف والأحاسيس المذكورة، إذا بي أفاجأ بمشاركة غير مسبوقة من التلاميذ، حتى إنني قد سمعت أصواتا غير مألوفة لم يسبق لي أن سمعتها من قبل، إذ تعددت الآراء وتباينت الأفكار، ودافع كل واحد منهم عن رأيه بأريحية، في جو يغمره الجد، ويملأه التنافس، فتفتحت أسارير وجهي، وتبين لي أنني قد حظيت بالحلقة المفقودة في الطريق نحو المطالبة بالفصل بين الجنسين داخل المؤسسات التعليمية.
فما على الفاعلين والمسؤولين التربويين إلا الانطلاق من واقع الشعب المغربي ومعتقداته وعاداته، والنزول إلى القاعدة الشعبية من أجل تغيير يتوافق مع طموح جموع الأمة المغربية، والعمل على تفعيل مطالب فئات عريضة من المجتمع، والتي تنادي بالفصل بين الجنسين في المؤسسات التربوية قصد النهوض بهذا القطاع الذي يعاني من ركود طيلة عقود من الزمن، فقد جربوا كل المناهج والطرق، وبدلوا المقررات واستوردوا الأفكار والمخططات، لكن شيئا لم يتغير، لأنهم لم يضعوا أيديهم على الحلقة المفقودة من هذه المعادلة، إنها قضية الفصل بين الجنسين.
وأنا على يقين تام أن استفتاء عاما أو دراسة موضوعية تعمل على استنطاق آراء التلاميذ والتلميذات، سيكون لها القول الفصل في هذه القضية، كيف لا وقد أثبتت العديد من المدارس الغربية نجاعة سياسة الفصل في رفع مستوى التعليم لدى المتمدرسين.